8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

فصل التعطيل في الداخل عن الخارج مستحيل في وقت المفاوضات حول نظام إقليمي جديد لم تكتمل

المعطلون من الداخل لتشكيل الحكومة الوطنية ليسوا أكثر من جسور للعابرين من القوى المعطلة في الخارج. قد يكون دورهم مهماً وأساسياً في اللعبة الداخلية، القرار يبقى في النهاية للقوى الخارجية قصف القوى الداخلية مهما كان مركزاً ومعطلاً لأي تقدم، لا يصيغ المعادلات. يأخذ بعض الجوائز ويجيرها أمام جمهوره منجزات تستحق أحياناً الإمساك بالوطن رهينة، لكن القوى الخارجية المشغولة بالمواجهات أو التزاحم والتنافس على سلة لم يعد لبنان فيها سوى جائزة صغيرة بعد ان تحول العراق الى الجائزة الكبرى، وهي التي تتقدم وتتحكم بكل خطوط التماس. سلاح المدفعية في الجيوش يحاصر ويدمر لكن سلاح الدبابات وكتائب أو ألوية المشاة هي التي تصيغ الخرائط الجديدة.
التعطيل والخطر على السلم الأهلي
الخطر في عملية التعطيل انها وهي تعطل الدولة وتصل في تعطيلها الى ضرب لقمة العيش للمواطن اللبناني، لأن ليس أكثر من القلق الدائم من معطل للعقل وللإرادة، انها أحياناً تبدو وكأنها ضرورية لاثبات الوجود لدى تجمعات وشرائح في المجتمع. هذا هو التعطيل الأكبر، الذي يفتح الأبواب مباشرة نحو تهديد السلم الأهلي سواء عن سابق تصور وتصميم أو دون قصد وقصر في الرؤية. الفشل في تحصيل مطالب معينة يصبح فشلاً للجمهور الكبير الذي يولد الإحباط أو يزيد في تراكم مشاعر الحصار الوهمية أو الحقيقية، فلا يبقى سوى الشارع منفذاً لأحداث الزلزال المدمر.
قد تكون هذه الصورة للوضع سوداء وقاسية فيقال إنها غير واقعية. لكن التداخل الكامل والمتكامل بين الخارج والداخل، يشكل قاعدة لا تخرق ولا تحرق في كل الأزمات والحروب التي عاشها ويعيشها وسيعيشها لبنان. تركيبة لبنان جغرافياً وطائفياً تفرض عليه، شاء اللبنانيون أم أبوا وقاوموا هذه الخصوصية. موقعه الجغرافي أيضاً الذي جعل منه دائماً جسرا لعبور كل القوى والحضارات منذ ستة آلاف سنة يفرض أيضاً عليه تقبل ان لم يكن ترحيب انغماس الخارج في شؤونه الى درجة يصعب معها التمييز بينهما فتختلط الرؤية على الجميع في أحيان كثيرة، وتختلط الأحكام.
لا أحد يمكنه نفي عبور منطقة الشرق الأوسط ممراً إجباريا نحو قيام نظام إقليمي جديد. فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد وانتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية فرضا معادلات جديدة لم تكتمل بعد، القوى المتداخلة والمتزاحمة والمتنافسة والمتحالفة والمتحاربة، لم تبلور بعد مواقفها لأن التشكل الجديد موضع شد وجذب والإدارة الأوبامية تستطلع وتدرس بانتظار ساعة الحسم.
العالم عرف أن فريدريك هوف نائب فريدريك ميتشل في دمشق ومعه الجنرال مولر قائد القيادة المركزية وستة من أعضاء البنتاغون ووزارة الخارجية، وأن مفاوضات حقيقية جرت وقد تناولت العراق ومستقبله الأمني والإرهاب ومحاربته الخ. لكن لم يسمع ولم يعرف أحد نتائج ما توصل اليه هوف ومولر مع قيادة دمشق. ربما في زيارة أخرى ليست بعيدة تتوضح الأمور فتتم الاتفاقات.
الشعب العراقي هو الضحية
خلال هذا الوقت الضائع، تقع التفجيرات في قلب بغداد بطريقة غير مسبوقة. ليس من السهل تحديد هوية من قام بها، لأن التداخل بين القوى المتصارعة عميق جداً. لكل الأطراف مصالح متناقضة. المهم أن الشعب العراقي هو الضحية. ألم يكن اللبنانيون دائماً ضحايا صراعات وتسويات لعقود طويلة؟
ايضاً، خلال هذا الوقت يقوم الرئيس بشار الأسد بزيارة طهران لتهنئة أحمدي نجاد بإعادة انتخابه رئيساً مما فجر شرخاً ما زال يتسع ويتعمق يوماً بعد يوم مهدداً بوقوع زلزال حقيقي ولكن أيضاً في محاولة لتحرير الفرنسية كلوتيلد ريس والعودة بها معه بالطائرة الى باريس. الإيرانيون يعرفون جيداً دمشق، وهم أيضاً لا يتحملون أبداً أن يمد أحد يده حتى لو كان حليفهم الى صحنهم. هم يقررون طبختهم ومن وكيف واين يطعمون منها. لذلك نسي الرئيس الأسد مسألة الفرنسية بعد أن أنجز مباحثات وحتى مفاوضات صعبة جداً لاتمام الزيارة في أجواء بروتوكولية صرفة.
تخلي الأسد عن بيع الفرنسية من كيس الإيرانيين الى نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، لم يدفعه لليأس، لذلك رمى حجراً كبيراً جداً في البحيرة الإيرانية يؤكد ضمناً حجم وأهمية ما يتم رسمه لتحديد خريطة النظام الأمني الإقليمي الجديد. الرئيس الأسد عرض والمرشد آية الله علي خامنئي رحّب. العرض إنشاء اتحاد يضم كلاً من: إيران وتركيا وسوريا والعراق.
طبعاً العراق هو الحلقة الأضعف في مثل هذا اتحاد، والواقع أن الأطراف الثلاثة تريد تأكيد حصتها فيه وحتى تكبيرها. تركيا تريد حل المشكلة الكردية من البوابة العراقية. لقد خطت أنقرة خطوة شجاعة وصحيحة لحل مشكلتها الكردية الداخلية. لم ينجح في التاريخ الحل العسكري لأي مشكلة أقليات. الحل السياسي هو الذي ينجح ويفتح الابواب أمام بناء الأمن والاستقرار الداخلي. تركيا بحاجة لهما وهي تعمل لتكون قوة اقليمية في الشرق قبل أن تقرع أبواع أوروبا كما فعلت العكس في السابق فلاقت الصدّ والتنكر لها. تركيا، تبقى العقدة المخفية في هذا الحلف، لأن من الصعب جداً أن تنحو نحو المحاور وهي تلعب دور المحاور!
ايران ترى ان العراق حصتها، هي تعطي لترتيب التوازنات. دمشق، ترى أن الأوضاع تسمح لها أن تنال ما تراه استحقاقاً لها خصوصاً في قطاع النفط (خصوصاً وان ثروتها النفطية تنضب يوماً بعد يوم). الأمن في العراق مدخلها الأول للمطالبة بذلك سواء من العراقيين أو الأميركيين.
العجيب الغريب في كل عملية تشكيل النظام الاقليمي الجديد الاقتراح الذي رفعه الرئيس الأسد الى المرشد، انه حلف بغداد جديد معاكس لحلف بغداد الأول. عملية تشكيله ـ سواء نجحت أو فشلت ـ تجري تحت عنوان الممانعة والمقاومة. في الواقع ليس أكثر من عملية أخذ موقع جدي على خريطة النظام الاقليمي التي تجري المفاوضات حولها مقدمة لصياغتها في واشنطن مهما كان حجم المكابرة ضخماً.
حلف بغداد الأول كان لعزل ومحاصرة مصر ـ الناصرية. الحلف الجديد، هو لعزل مصر والسعودية عن المشاركة في كل ما يجري في المنطقة وعليها، الأول فشل لأنه عمل على إلغاء الجغرافيا وضرب حركة التاريخ الجارية. الحلف الجديد يسقط قواعد الجغرافيا في عز رسم المنطقة حيث لكل نقطة فيها أهمية لا يمكن الغاؤها.
تعمل بعض القوى وكأن الوقت مفتوح واللعب بلا قواعد. خطاب الرئيس باراك أوباما في 24 أيلول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، هو موعد جديد مع التاريخ إما يضع النقاط على الحروف ويعرف كل طرف حقيقة حجمه وموقعه، وإما يفشل أوباما فيكون سقوط الأوبامية قبل عام من ظهورها مدوياً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00