العراق، هو المركز في عملية اعادة رسم منطقة الشرق الأوسط. ارادة الرئيس جورج بوش ان ينطلق منه لبناء الشرق الأوسط الجديد، لكنه فشل فشلاً تاريخياً، ترك العراق ضمن الإرث المربك والمليء بالألغام لخليفته الديموقراطي باراك أوباما. من بين سلة هذا الإرث المربك الحرب في أفغانستان. أيضاً اعتقد بوش انه بعد هزيمة الطالبان وطردهم من كابول سيبني أفغانستان ديموقراطية، قافزاً بأحلامه تلك من أعمال التاريخ العرقي والقبلي والتزمّت الأصولي والاجتماعي الى القرن الواحد والعشرين. فشل بوش في أحلامه وكل رهاناته، مخلفاً وراءه عالماً مفككاً يحتاج الى عمليات بتر حقيقية حتى تنتهي عملية انفاذه بسلام.
الأفغان هزموا ثلاث امبراطوريات
أفغانستان، هي الآن تحت السكين. فيها يصنع عصر القرن الواحد والعشرين. في أكثر دول العالم تخلفاً، تجري هذه الصناعة وهذه الصياغة لعالم القرن الواحد والعشرين . أفغانستان هزمت عبر التاريخ القديم والحديث ثلاث امبراطوريات: الاسكندر المقدوني، بريطانيا التي كانت الشمس لا تغيب عنها والاتحاد السوفياتي الذي تفكك وانهار غداة انسحاب جيوشه منها بقليل.
حالياً، يعيش العالم كله على وقع تطورات الحرب العالمية الثالثة في أفغانستان. الحرب في كل مجرياتها ضد الامبراطورية الأميركية والحلف الأطلسي معاً. هزيمة الامبراطورية الرابعة أو إنهاؤها للحرب بحل سياسي، يعني العالم كله. لن تكون هزيمة الجيش الأميركي في أفغانستان هزيمة للامبراطورية كما حصل مع الآخرين. الهزيمة تعني العالم كله. النتيجة الأولى لذلك ستكون في زحف الطالبانية كمنهج وموقف من الدين والدنيا على كل ما يحيط بها على طول قوس الأزمات الاسلامي الممتد منها وصولاً الى تركيا. النتيجة الثانية، اجتياح التطرف للعالم الغربي، لأن التطرّف يولّد التطرف، والأصولية تفجّر الأصوليات. لذلك كله، الحرب في أفغانستان تعني كل انسان على الأرض. قد يجد بعض اليساريين المتطرفين الذين يعيشون على فتات بقايا العصر الماضي في هزيمة الامبراطورية الأميركية رداً على كل الهزائم التي وقعت في القرن الماضي. في الواقع الهزيمة ستكون لكل العالم ، من المفيد والمثمر أن تتعلم هذه الامبراطورية انها ليست وحدها في هذا العالم، لكن من السذاجة والعمى السياسي ان تقع الهزيمة عبر أفغانستان وعلى يد الطالبان والقاعدة.
الانتخابات الرئاسية الأفغانية، شكلت بعيداً عن نتائجها وما أحاط بها من شبهة التزوير، رسالة ميدانية، رسالة واضحة الى الأفغانيين أولاً ولمحيطها ثانياً، ان شيئاً ما قد تغيّر في البلاد وان هذا المسار لا عودة عنه. لكن حتى هذه الرسالة التي عنوانها دمقرطة افغانستان، ليست كل شيء، الحرب لن تحل الأزمة فيها ولن تخرج افغانستان من تحولها الى مستنقع تغرق فيه وتغرق معها الأميركيين والحلف الأطلسي. ما لم تتم عملية جادة وحقيقية لصياغة حل سياسي نابع من قلب أفغانستان، لا مخرج أمام الأميركيين والحلف الأطلسي سوى المزيد من الغرق في هذا المستنقع الدامي.
واشنطن والفتنمة
واشنطن تبحث عن مخرج لها قبل أن تطغى الفتنمة على الحرب فيها. هزيمة الأميركيين في فيتنام كانت سياسية قبل أن تكون عسكرية. انتفاضة الداخل الأميركي ضد الحرب وانتشار الانتفاضة على مساحة العالم، الوضع داخل الولايات المتحدة الأميركية يتطور باتجاه رفض هذه الحرب. الخسائر الحالية ليست هي السبب. الخوف من تطورها، وانزلاقها نحو مستقبل بلا أفق ولا حل هو الذي بدأ يخيف الشعب الأميركي وادارته في واشنطن. هذا القلق دخل أوروبا. ألمانيا وبريطانيا معاً تريدان الخروج ووضع جدول زمني للانسحاب.
بداية الحل كما أخذت تتبلور خطوطه الأساسية، تقوم على تطبيق التجربة العراقية في أفغانستان. أولاً في فصل البشتون عن الطالبان والقاعدة، كما حصل في فصل السنّة عن القاعدة في العراق. الحوار مع العناصر البشتونية المعتدلة وضم الطالبان بعشرة دولارات (أي الذين يتلقون عشرة دولارات بديلاً عن انضمامهم للميليشيات الطالبانية المحلية)، هو ما يتم بحثه وحتى تنفيذه بهدوء.
واشنطن تدرس حالياً تقديم مشروع قرار لإلغاء قرار صدر عام 1999 عن مجلس الأمن بملاحقة الإرهابيين من الطالبان. الطريف في هذا المنحى أن الملا عمر قد يكون بين هؤلاء. الحجة أن الملا عمر أمير الطالبان أكثر وطنية مما هو اسلامي دولي. الحوار معه ممكن لأن الوطنية الافغانية صلبة ومشهورة عبر التاريخ. بهذا يمكن تشكيل صحوات افغانية على مثال الصحوات العراقية.
هذا وجه من وجوه الحل، أما الوجوه الاخرى فهي تقوم على التفاهم مع كل القوى الإقليمية والدولية.
روسيا التي ما زال جرح حرب السنوات العشر في افغانستان غائراً في ذاكرة الشعب الروسي، تبدو وكأنها سعيدة بعودتها الى المنطقة من البوابة الأفغانية. موسكو التي أمن الجمهوريات الاسلامية السابقة في الاتحاد السوفياتي من أمنها، تريد الانتهاء من الخطر الطالباني. لذلك فإن التخلص من هذا الخطر دفعها لتقديم ما لا تحلم به واشنطن وهو اقامة ممر جوي عبر روسيا لإرسال السلاح الى قواتها في أفغانستان. واشنطن خففت عنها بذلك الضغوط الإيرانية، وموسكو حصلت على بعض الهدايا غير المعلنة.
الصين، حيث التنين الصيني لا يشبع. بكين تريد محاصرة وضرب خطر التمدد الاصولي الاسلامي. الايغوريون المسلمون والاضطرابات التي وقعت مؤخراً زادت من دعم الصين للولايات المتحدة الأميركية، لكن الصين حصلت أيضاً على حق استثمار مناجم النحاس ايتاك في افغانستان، وهي ثاني اغنى المناجم في العالم.
إيران، التي استثمرت سقوط الطالبان في افغانستان مثلما ربحت من سقوط نظام الرئيس صدام حسين في العراق أصبحت متواجدة أكثر، سواء في الشمال أو مع الهزارة الشيعة الذين كانوا يعانون من الإهمال، فقامت في السنوات الأخيرة ببناء البنى التحتية والمستشفيات وجامعة ضخمة وفرضت دخولهم على الحكومة.
الوضع الإقليمي
طهران توازن حالياً بين الخطرين الأميركي والطالباني عليها. بناء على نتائج مفاوضاتها مع واشنطن يتوقف موقفها في افغانستان والذي بلا أي شك مؤثر جداً. في واشنطن أصوات فاعلة تدعو الى منح إيران المعتدلة والبراغماتية (إذا حصل ذلك) على جائزة التواجد السياسي والاقتصادي الشرعي في أفغانستان.
الباكستان، وهي صاحبة الدور الاول في دعم الطالبان قبل الحرب الاخيرة. استقرار الوضع في افغانستان يساهم في استقرار باكستان النووية. باكستان تعتبر وجودها في افغانستان ضرورة استراتيجية في مواجهة الهند. واشنطن بحاجة كبيرة لباكستان في الحرب والحل في افغانستان.
السعودية، تبدو في موقع الوسيط المفضل لدى الجميع لإخراج أفغانستان من المستنقع الطالباني المتطرف ومحاصرة القاعدة. ولذلك تبدو السعودية لاعباً مميزاً لصياغة الحل السياسي للمشكلة الافغانية.
ضرب العرقنة وعودة العراق متعاف ومستقر يساهم في صياغة خريطة جديدة صحية للشرق الأوسط. أيضاً صياغة حل سياسي للحرب في افغانستان، يعيد صياغة العالم وتحالفاته بهدوء.
عام 2010 على موعد مع افغانستان. إما الفتنمة الكاملة بالنسبة للأميركيين ومعهم العالم كله، وإما الحل السياسي وصياغة تشكل العالم الجديد دون ضغوط الخوف من الغرق في مستنقع الأفغنة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.