المفاوضات بين الجمهورية الاسلامية في ايران، والدول الخمسة زائد واحد أي الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن زائد ألمانيا، ستبدأ في مطلع تشرين الأول القادم. احترمت طهران بالشكل الموعد الحاسم الذي حدده الرئيس الأميركي باراك أوباما، للرد على عرضه بالحوار حول الملف النووي الايراني قبل 24 أيلول الجاري، عندما سيلقي كلمته في هذه الدورة المميزة للأمم المتحدة، لأن الولايات المتحدة ترأس هذا العام المنظمة الدولية.
بالنسبة للغرب وتحديداً واشنطن، ليس مهماً جداً اغراق طهران قبولها التفاوض في بحر من العروض والطموحات. المهم ان لغة جديدة بالاستعداد للحوار واضحة في الرد. أكثر ما لفت نظر المراقبين في واشنطن ان تعريف الولايات المتحدة الأميركية بالشيطان الأكبر قد غاب كلياً عن النص، مما يشكل بداية جديدة تتلاقى مع دعوة أوباما السابقة بالحوار على قاعدة الاحترام المتبادل.
مناقشة تعديل اتفاق منع انتشار النووي
الرد الايراني، كتب بلغة القوة والاقتدار، قد تكون فيها الكثير من المبالغة، لكن العرض يتقاطع في بعض نقاطه مع نقاط سبق أن طرحها أوباما بنفسه. في الرد عرض بمناقشة قضايا سياسية وأمنية ودولية واقتصادية. في مجمل هذه القضايا ملفات مهمة جداً للغرب وهي مكافحة تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية من العالم الثالث الى الغرب وتحديداً أوروبا، وإلغاء التسلح النووي. أوباما نفسه سيترأس في 24 أيلول جلسة لمجلس الأمن لمناقشته برنامجاً لمنع انتشار الأسلحة النووية في العالم. من المعروف ان المعاهدة الخاصة بذلك جرى توقيعها عام 1970، وقد حان الوقت لإعادة التفاوض عليها عام 2010. أهم البنود المطروحة على النقاش جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية. بلا شك ان المفاوضات بين طهران وعواصم الدول الخمس زائد واحدة، ستكون دقيقة وسنسرع حكماً مطالبة طهران اقحام الملف النووي الاسرائيلي الغني في هذه النقاش، مما سيعزز وضعها في المفاوضات الاساسية، المتعلقة بملفها النووي.
الايرانيون صعدوا موقفهم، غداة التحول المهم الذي قامت به موسكو. بعد 24 ساعة على كشف الزيارة السرية لبنيامين نتنياهو لموسكو، تغير الموقف وأعلن الرئيس الروسي ميدفيدف: ان العقوبات فعاليتها ضئيلة ولكن أحياناً لا بد منها.
أي أن موسكو وافقت ضمنا على اقرار عقوبات مشددة ضد طهران في مجلس الأمن. التصعيد الايراني جاء فوراً: نحن قوة نووية، وهذا خارج التفاوض، كل ذلك في وقت أصبحت فيه باريس على يسار الدول الخمس زائد واحد. الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يتهم طهران بأن برنامجها عسكري وليس مدنياً. الهدف واضح دفع شريكاته نحو اقرار العقوبات أو فتح الباب نحو تقبل رد فعل عسكري اسرائيلي ضد ايران.
الرئيس الفرنسي لا يملك القرار وإنما التحريض، الرئيس الأميركي لديه هموم استراتيجية أكبر بكثير، العراق ومسألة اتمام الانسحاب منه مع مطلع العام 2011، وعدم تحول أفغانستان الى فيتنام جديدة، عواقبها أخطر بكثير، لأنها تطال الحلف الأطلسي كله قوة وحضوراً ووجوداً.
أوباما لن يقدم لأحمدي نجاد ما يطلبه وهو كثير، لأنه أصلاً لا يستطيع فعل ذلك. سقف التنازلات محدود ولا يمكن اختراقه، وأحمدي نجاد يعرف ذلك جيدا.
هذه المعرفة المسبقة لن تمنع أحمدي نجاد أو من الأفضل القول النجاديون من العمل لتقوية موقعهم التفاوضي على الجبهتين الداخلية والخارجية، وخصوصاً انهم أصبحوا قوة مشاركة في صياغة القرار مع المرشد آية الله علي خامنئي وليسوا فقط منفذين لقراراته.
ضرب الاصلاحيين لعزل المحافظين المعتدلين
داخلياً، سيصعد النجاديون ضغوطهم على الاصلاحيين لترهيبهم واخضاعهم. النجاح في تحقيق هذه الهدف يشكل ضربة اضافية للمحافظين المعتدلين أو بالأصح غير النجاديين تجعلهم يخضعون أو يصمتون عن المسار السياسي للنجاديين.
الجبهة الطلابية، هدف طليعي حالياً، لأن افتتاح الجامعات اقترب ومن الضروري للنجاديين تطويق أي اعتراض طلابي ولو داخل الجامعات فكيف بالخروج الى الشارع.
أيضاً، ضمن مسار التصعيد فإنه سيتم وضع الغرب خصوصاً واشنطن وباريس ولندن أمام خيارات أحلاها مر. اذا صمتت هذه العواصم حتى لو أصدرت بيانات اعلامية شديدة اللهجة طلباً لإنجاح المفاوضات، فإن النجاديين، سيصرخون عالياً معلنين انتصارهم. وانهم من أجل مصالحهم باعوا كل دعاويهم بالديموقراطية، وانها سقطت أمام مصالحهم القومية.
أما اذا صعدت هذه العواصم واتخذت خطوات تنفيذية ضد طهران، فإن ذلك سيسرع أي رفض ايراني للمطالب الغربية المحددة والمحدودة من جهة ويسمح للنجاديين تأكيد دعاويهم بأن الانتفاضة الخضراء جاءت ضمن الحرب الناعمة التي يشنها الغرب ضدها وبالتالي فإن الاصلاحيين وخصوصاً القياديين منهم متآمرون مع هذا الغرب ضد الجمهورية الاسلامية مما يشرع أيضاً للنجاديين حملة قمعية أقسى من كل ما سبق بهدف استئصال الاصلاحيين نهائياً وفتح الباب على مصراعيه أمام النجاديين لوضع يدهم نهائياً على السلطة ولو تحت عباءة المرشد شكلياً.
*خارجياً، هذه المفاوضات بين طهران والغرب وتحديداً واشنطن تجرى أساساً بين هدفين متناقضين. طهران تريد أن يتعامل معها الغرب بأنها قوة اقليمية كبرى شريكة مستقبلاً في صياغة عالم القرن الواحد والعشرين الذي بدأت خطواته الأولى تؤكد انه سيكون عالماً مختلفاً وفي قلبه شرق أوسط جديد. وواشنطن تحديداً ومعها الغرب الحليف لها تريد أن يكون العالم الجديد على قياسها وما تقرره لكل القوى.
هذه المفاوضات متى بدأت فعلاً ستكون أقسى مفاوضات بالنار. كل طرف يريد تأكيد حضوره وقوته. في اللحظة التي تتأزم المفاوضات أمام نقطة معينة سيسمع الشرق أوسطيون والعالم وقع انفجار أمني أو عسكري أو سياسي ما له ارتداداته هنا وفي كل مكان.
الضعفاء وحدهم لن يسمعوا الانفجارات، سواء كانت تدميرية أو سياسية، وانما سيعانون آثارها وارتداداتها. على الأقل وطلبا للنجاة عدم التحرك والعمل على توقيت الآخرين بدلاً من التوقيت الوطني.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.