8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أوباما اختار عدم الانزلاق في الأفغنة والعرقنة والتطرف الإسرائيلي ومقاومة لوبيات الحرب والهيمنة الأميركية

حتى الرئيس باراك اوباما، قد يكون فوجئ بحصوله على جائزة نوبل للسلام. لم يكن الرئيس الأميركي بين المرشحين المرجحين. كان اسمه بعيداً وراء أسماء عديدة بنت حضورها اللامع دولياً على امتداد عقود أو في اجتياز أكثر المراحل خطراً عليها داخل بلادها أو خارجها. الاستغراب بانفراد اوباما بهذه الجائزة الدولية جائز ومحق، خصوصاً وأنه لم يمض عليه سنة كاملة على تسلمه الرئاسة في بلاده. وهو خلال هذه السنة الناقصة، لم يحقق إنجازاً ضخماً أو حتى متواضعاً على الصعيد الدولي. لذلك من الطبيعي السؤال: لماذا هذه الجائزة المبكرة جداً؟
برانت وغورباتشوف قبل اوباما
ليس باراك اوباما أول فائز بجائزة نوبل للسلام على أساس الرؤية التي يقدمها أو الفلسفة التي يقودها. لقد سبق للجنة التي قررت منحه الجائزة أن قدمتها للمستشار الالماني ويلي برانت عام 1971 وللزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف عام 1990 قبل أن ينجزا مشروعهما. كانت الجائزة لهما دعماً علنياً لمشاريعهما.
باراك اوباما، لم يقم بإنجاز سياسي حتى الآن. لكن اوباما وضع منذ دخوله البيت الأبيض قبل أقل من تسعة اشهر، أسساً ضخمة جداً لما أصبح يعرف الآن بالاوبامية، وهي تستحق كما يبدو الدعم والمساندة والتشجيع، خصوصاً وأنّ المعارضة الداخلية الأميركية لها، تبدو حقيقية وواسعة نجاح هذه المعارضة الداخلية، تعني المجتمع الدولي. اللجنة التي منحت اوباما الجائزة قدمت حيثيات لذلك منها: من النادر جدا ان تجد شخصا تمكن من ان يجذب انتباه العالم ويمنح شعوبه الامل في مستقبل افضل كما فعل اوباما. واضافت: تبحث لجنة نوبل منذ مئة وثماني سنوات في حفز السياسة الدولية والمواقف التي يعتبر اوباما الآن المتحدث الاساسي باسمها، وتدعم اللجنة قول اوباما انه حان الوقت كي نتحمل مسؤولية رداً عالمياً على التحديات الدولية.
الاوبامية، التي مازالت مبدأ ولم تدخل حيز الفعل القائم فعلا، تقوم على فلسفة واضحة محددة في خطاباته الموزعة بين واشنطن وبراغ والقاهرة وموسكو وانقرة.
اطار هذه الفلسفة العمل على الرد على سؤال كبير وضعه هو: ما هو النظام الدولي الذي يجب ان يحل مكان الحرب الباردة.
[ كسر عقلية الحرب.
[ دعم سياسة التعاون بين الشعوب.
[ قيام عالم خال من الأسلحة النووية.
[ ان قوة عظمى لا تثبت عظمتها وقوتها بالهيمنة او بشيطنة الدول الاخرى.
[ التقدم يجب ان يتشارك به الآخرون.
[ سيادة الدول مبدأ لا يمس.
[ المستقبل يخص الشباب المسلحين بالعلم وبالمخيلة الخلاقة.
[ دعم اصلاح الامم المتحدة لتلعب دورا اكبر من الدور الذي تلعبه حاليا.
هذا على صعيد المبادئ، اما الخطوات العملية التي قام ويقوم بها اوباما حتى الآن وهو يعني العالم كله. اوباما الذي ورث حربين، تهدد كل واحدة منهما بفيتنام جديدة وربما اخطر، يريد فعلا الا تسقط بلاده والعالم معها في وحولها. ورث اوباما الحرب في العراق والحرب في افغانستان وخلافاً مؤهلا للتحول الى حرب، وهو يعمل فعلا للخروج منهما دون ان يتحقق النصر لخصوم بلاده خصوصا الطالبان والقاعدة منهم.
اختار اوباما الاصعب
اوباما كان بإمكانه اختيار الاسهل له، لكنه هو صاحب فلسفة معارضة للحرب. عندما ورث الرئيس الراحل جونسون الحرب في فيتنام، بعد مقتل الرئيس جون كينيدي قدم التنازل تلو التنازل للجنرالات، وكانت النتيجة حرب فيتنام التي اثخنت الولايات المتحدة وفيتنام وجوارها بالجراح. في افغانستان والعراق يعمل اوباما على صد الاغراءات بالحل العسكري، وهو يقاوم فعلاً حتى الجنرالات العاملين في افغانستان لتوسيع رقعة الحرب، والانخراط أكثر فأكثر عسكرياً ليصبح مثل لاحس المبرد الذي يقتات من دمائه، كما حصل مع جونسون في فيتنام. الاختلاف مع الجنرالات ليس أمراً بسيطاً حتى ولو في دولة تحكمها المؤسسات مثل الولايات المتحدة الأميركية. خلف هؤلاء الجنرالات لوبيات ضخمة جداً، نادراً ما يتجرّأ مسؤول أميركي على الوقوف في وجهها. لذلك، يستحق اوباما هذا التشجيع الرمزي والعلني.
أيضاً اوباما، يقف ضد الانزلاق نحو حرب مع إيران تريدها إسرائيل بكل التطرف الذي يحكمها اللوبي اليهودي الذي يمسك بالقرار الأميركي، وهذا معروف جداً. الوقوف في وجهه أيضاً ليس أمراً عادياً. يتطلب هذا الوقوف تصميماً وقدرة استثنائية لمواجهته. تشجيع اوباما على عدم إشعال حرب جديدة في منطقة لا تنقصها الحروب ليس بسيطاً ولا سهلاً. هذه الجائزة تدعم خياره، يبقى على الايرانيين دعم هذا الخيار، وعدم الانزلاق نحو التوهم بأن اوباما ضعيف. اليد الواحدة لا تصفق، إذا لم تجد يد الطرف الآخر لمواكبتها، تتحول ببساطة إلى مطرقة غاضبة ومنتقمة.
الأهم ايضاً ان اوباما يعمل لاطلاق مسار الحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومعه مسارات الحل السوري - الإسرائيلي واللبناني الإسرائيلي. التحدي في هذا الموقف ضخم جداً بلا أي تضخيم تاريخي. هذا الخيار الاوبامي يستحق بلا شك دعم المجتمع الدولي له ومن ذلك هذه الجائزة. قد ينجح أو لا ينجح، المهم ان اوباما اتخذ قراراً تاريخياً وفي زمن التطرف الإسرائيلي الأقصى والأقسى للعمل من أجل السلام.
باراك اوباما يستحق هذا الدعم الرمزي العالمي، لأنه يمنحه القوة للوقوف في وجه اللوبيات الأميركية الداخلية والجنرالات الذين يريدون الحرب واستمرار قيادتهم الاحادية للعالم، ودعم إسرائيل ولو على حساب المصالح الأميركية القومية.
لا أحد ينكر بأن جائزة نوبل للسلام مسيسة وتهدف لتحقيق أهداف سياسية، على الأقل هذه السنة تشكل الجائزة شيكاً ضخماً لكي يسرّع اوباما تنفيذ ما وعد به الأميركيين والعالم حتى الآن، خصوصاً في منطقة دعم السلم في أكثر مناطق العالم اشتعالاً في منطقة الشرق الأوسط.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00