8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تجفيف مصادر أموال حزب الله من افريقيا الى لبنان وإقلاق مؤيديه في المهجر قائم ومستمر

الحرب الأميركية الاسرائيلية ضد الجمهورية الاسلامية في ايران، شبه مستحيلة إن لم تكن مستحيلة.
هذه الاستحالة لا تعود الى قدرات ايرانية غير محدودة أو مخيفة، بالعكس أي حرب عسكرية كاملة قد تعيد ايران الى عصر الفحم الحجري ، لأنها ستدمر كل بناها التحتية وغيرها التي قامت مع مطلع القرن الماضي. الايرانيون يعرفون ذلك جيداً، لذلك يبادرون ويفاوضون ويتراجعون ويتقدمون تبعاً للمتغيرات ولموازين القوى، حتى لا تقع الواقعة فتقع الحرب. الضربة المحدودة تضر الأميركيين والاسرائيليين معاً أكثر مما تنفع. أي ضربة ضد بعض المواقع النووية، تشرع اسراع طهران بتصنيع السلاح النووي لاحقاً.
الحرب العسكرية المستحيلة
المستحيل قائم أصلاً من أن ايران تستطيع منع تملص الولايات المتحدة الأميركية ومعها الحلف الأطلسي من حرب أفغانستان.. كل يوم تضطرم فيه نار الحرب هناك، ينتج عنها مزيداً من الانزلاق والغرق في المستنقع الأفغاني. نتائج ذلك أخطر بكثير من نتائج حرب فييتنام على الداخل الأميركي أولاً، والحلف الأطلسي ثانياً. لا يجب أن ينسى أحد بأن الحرب في أفغانستان ضد القاعدة والطالبان دولية وانها مركز الحرب العالمية الثالثة ضد الارهاب. لإيران أذرع طويلة وقوية في أفغانستان أولى ذراع لها هي الحدود الطويلة المشتركة، والتمازج العرقي مع الطاجيك (الآذريين) والشيعة الهزازة والبلوش وبعض قادة الحرب وأبرزهم قلب الدين حكمتيار. يضاف الى ذلك الشراكة الحدودية مع باكستان عندما تقع المواجهة الكبرى فإن عدو عدوي هو صديقي أو حليفي. الى جانب ذلك لا يغيب عن القيادات العسكرية الأميركية التزاوج الحدودي والشعبي والسياسي لإيران مع العراق والعراقيين وانعكاس كل ذلك على مبدأ الانسحاب العسكري الأميركي الشامل من العراق، وارتدادات كل ذلك على منطقة الشرق الأوسط. وأخيراً هو ما أصبح معروفاً ولا داعي للدخول في تفاصيله رغم أهميته علاقة طهران مع حزب الله وحماس والجهاد وتحالفها مع دمشق.
هل يعني ذلك، ان واشنطن تحديداً ليس عليها سوى أن ترفع العلم الابيض، وتقدم لطهران كل ما تريده وما يستجد لها من مطالب تبعاً للتحولات على طبق من فضة؟.
الجواب وببساطة كاملة، لا يمكن لواشنطن أن تقوم بذلك، الاستسلام لقوى اقليمية ناشئة مهما كانت مهمة تشكل سابقة خطيرة على قيادة أميركا العالمية. يكفي واشنطن ولادة قوى كبرى تعمل للتقاسم معها قيادة العالم بعد اسقاط أحاديتها. فماذا عن البديل؟.
الحرب ليست عسكرية فقط. للحرب عدة وجوه وطرق ووسائل. هذه قاعدة معروفة جداً، ربما أبرزها وأخطرها الحرب الاقتصادية. لكن حتى هذه الحرب تتطلب شروطاً وأسباباً متعددة منها توافر شركاء وحلفاء دوليين متكافلين ومتضامنين في تنفيذ العقوبات المقررة، حتى هذا الشرط الواجب غير متوافر، فالصين الشعبية وروسيا لا يبدوان على استعداد للدخول في الحرب الاقتصادية اذا ما فرضتها واشنطن والاتحاد الأوروبي على ايران والايرانيين. لكل من موسكو وبكين حساباتهما وأهدافهما الخاصة.
الحرب الناعمة ايضاً حرب قوية ومؤلمة ضد هدف محدد دون استخدام السلاح. هي مزيج من الحرب المخابراتية والمعلوماتية.
مع وجود هذه الاستحالة وهذه الصعوبات، فإن واشنطن لجأت الى حرب ناعمة ضد أطراف ايران. وحسب الصورة في واشنطن، ان ايران اخطبوط بأذرع طويلة وقوية. طالما أن ضرب الاخطبوط في رأسه غير ممكن الأن، فلما لا يتم قطع أيادي هذا الأخطبوط أو على الأقل شلّها. بهذا يتحقق هدف أساسي وهو اضعاف الأخطبوط وامكانية ضربه لاحقاً. أذرع الأخطبوط الايراني منتشرة، من أفغانستان الى فلسطين. لكل ذراع طريقة لضربه تفرض شروطها وأسلحتها.
حرب الألماس من افريقيا الى بلجيكا
الحرب الناعمة، تبدو واضحة حالياً في مواجهة حزب الله. ما سهل ويسهّل هذه الحرب الشرخ المذهبي السني الشيعي الممتد من أفغانستان الى شواطئ البحر المتوسط، هذا الشرخ فرض عملية فرز سياسية واضحة وهي مستمرة في ظل العجز الكامل عن المعالجة والتعامل المشترك لحصارها.
سواء كان في هذه الحرب الناعمة الكثير من الواقعية أو الكثير من التضخيم فإنها قائمة حالياً. وهي تأخذ أبعاداً مهمة مستندة على سوابق قديمة. اسرائيل شريكة أساسية في هذه الحرب. وهي بدأت عام 1988 في افريقيا ضد اللبنانيين ومصالحهم خصوصاً الشيعة منهم على امتداد القارة الأفريقية وتحديداً في منطقة غرب افريقيا. عام 1988، بدأت الحرب التي أصبحت تعرف باسم حرب الالماس، أي العمل بضرب التجار اللبنانيين في قطاع الألماس خصوصاً المغامرين منهم في عمق الغابات وقد امتدت الى بلجيكا، وحققت نجاحات حقيقية. إسرائيل وسعت مساحة هذه الحرب لتتحول الى حرب وجود ضد اللبنانيين وخصوصاً الشيعة منهم في كل القطاعات. للأسف حققت إسرائيل نجاحات حقيقية خصوصاً وأن الدولة اللبنانية مغيبة في ظل الحرب الأهلية أولاً ثم ان الخلل كبير جداً في القدرات الإسرائيلية المتزاوجة مع الأميركيين والإمكانات اللبنانية. حالياً تجري حرب ناعمة وخفية لاقتلاع الوجود الاقتصادي اللبناني الشيعي في أفريقيا على أساس ان اضعاف هذا الوجود اضعاف لحزب الله.
من وسائل هذه الحرب العمل على تجفيف مصادر الأموال للحزب. ملاحقة أي لبناني يتبرع ولو بخمسين دولار يصبح اسماً على لائحة أميركية طويلة للمتابعة والمراقبة. إيران تمول الحزب هذا صحيح، ولكن للحزب وجوداً اقتصادياً مبرمجاً في شركات وعمليات مالية لا يمكن انكارها، تدعم استقلاليته على المدى الطويل.
مسألة افلاس صلاح عز الدين، استخدمت في حرب إعلامية واضحة في إطار الحرب الناعمة. قد يكون الفرق كبير أو قليل بين الواقع والروايات لكن من المؤكد أن شيئاً ما قد حصل. واشنطن سربت بأن عملية ضخمة في البورصة العالمية قد أدت الى خسارة عز الدين 300 مليون دولار التي شكلت بداية كرة الثلج التي انحدرت من القمة واخذت معها كامل اموال عز الدين التي جمعت من الشرائح الشيعية الغنية والمحدودة الدخل الى جانب ما قيل عن أموال خاصة بـحزب الله.
إسرائيل دعمت هذه الرواية بأخرى تؤكد وجود هذه الحرب الناعمة، احد أركان جهاز الموساد قال أن الموساد عمل على ضرب وزير مالية حزب الله أي صلاح عز الدين، وقد نجح في تحقيق هذا الانجاز، مضيفاً أن الحرب موجودة ومستمرة في افريقيا حتى ولو كانت الرواية مضخمة فإنها تؤكد أنه لا دخان بلا نار.
ضرب عز الدين سواء بأيدي أميركية أو إسرائيلية أو بيديه، لأنه أقام امبراطورية مالية ضخمة جداً في الهواء، حيث لا حسابات ولا كشوفات، ما عدا الثقة التي منحها له المودعون لانه حاج ملتزم ويخاف الله، الحقت بالشرائح الشيعية المختلفة أضراراً ضخمة. هذه الأضرار تتزايد يومياً مع لوائح المبعدين من دول كثيرة.
على الصعيد الاول، فإن الخبير الاقتصادي الموضوعي الدكتور غازي وزنه يقول أن أبرز نتائج هذه المشكلة: تراجع الاستهلاك, وتراجع النشاطات التجارية، وتوقف العديد من المشاريع الاقتصادية. من الطبيعي أن ذلك يحصل وسيحصل في المناطق الشيعية تحديداً التي أودعت شرائحها الاجتماعية والمالية لدى صلاح عز الدين. أعباء هذه الأزمة ستقع على كاهل حزب الله سواء معنوياً أو مالياً.
اما من ناحية لوائح الابعاد، وهي لن تكون محصورة في بلد واحد كما يبدو، فإن الهدف منها الى جانب تجفيف مصادر الاموال من طرف العاملين المباشرين أو المؤمنين بالمقاومة أساساً، اضعاف العلاقة الشعبية القائمة مع الحزب. بحيث يصبح حتى التعبير عن التعاطف والتأييد العلني موضع قلق وخوف من خطر المراقبة أو الابعاد، فكيف بالدعم المالي؟.
كذلك يتحول النشاط السري الى نشاط مضاد للأمن الوطني لأي بلد يتواجد فيه اللبنانيون المؤيدون للحزب والمقاومة سواء كانوا شيعة لبنانيين أو عرباً ومسلمين. الفصل بين المجتمع المهاجر والحزب هدف أساسي لهذه الحرب.
الحرب الناعمة ستتصاعد. فماذا سيفعل حزب الله خصوصاً وأن خياراته في الرد محدودة جداً. مصالحة نفسه مع محيطه هي البداية وتحصين المقاومة من زواريب بيروت والسلطة والمال خيار اضافي، والعمل على ختم الجرح السني الشيعي بالفعل هو الأساس.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00