8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مفاوضات فيينا تقنية تعزز بناء جسور الثقة بين واشنطن وطهران

المفاوضات بالنار بين ايران وواشنطن مستمرة، لكن أمس الاثنين أخذت وجهة جديدة مع إجتماع فيينا بين خبراء من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وإيران في مقر وكالة الطاقة النووية الدولية ومشاركة رئيسها محمد البرادعي. المفاوضات اصبحت مباشرة. الطرفان بحاجة لها. المواجهة مكلفة للطرفين، ومردوداتها لا تساوي هذه الكلفة. العقدة المركزية هي كيفية بناء جسور الثقة، بدونها لا يمكن التقدم في مرحلة لم تعد فيها المفاوضات مفتوحة على الوقت.
التسويف والمماطلة والصبر ممنوعون. المطلوب قرارات نهائية من الجانبين حتى ولو اصطرا لتقديم تنازلات مؤلمة ومتابدلة. الايرانيون والاميركيون مكبلين بمواقف داخلية متشددة. النظام الايراني بحاجة لتحقيق نجاح في الملف النووي في مواجهة الازمة الداخلية المستعصية على الحل. الرئيس باراك اوباما بحاجة ايضا لتحقيق نجاح خارجي بحجم الملف النوويالايراني حتى لا تحل السنة الثانية من ولايته وهو صفر اليدين فتصبح خسارته للانتخابات الجزئية للكونغرس مؤكدة. واذا كانت ايران ليست تحت ضغط سوى ضغوط ازمتها الداخلية، فان الرئيس الاميركي يعاني ايضا من ضغوط حلفائه وفي مقدمتهم فرنسا واسرائيل ولوبياتها الناشطة في الداخل الاميركي.
ساركوزي ونتنياهو يراهنان على الفشل
فرنسا وإسرائيل على رأس القوى المتشددة التي، خيارها إما القنبلة أي الحرب، أو الحصار الإقتصادي الذي يصل في تشدده إلى دخول كل بيت إيراني، مثلما أصبح يعرف بحرب البنزين. المعروف أن إيران تستورد أربعين في المئة من حاجاتها للوقود، والمشتقات النفطية الأخرى، رغم أنها تعد من بين أكبر الدول المنتجة للنفط.. الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المتضامن مع صديقه بيبي نتنياهو يعرف جيدا أن الحرب صعبة جدا، وأن الرئيس الآميركي باراك أوباما لا يريدها، وأن الحصار الإقتصادي يفرض إنخراط موسكو وبكين في تنفيذ القرارات التي تتوجب لفرض الحصار الفعال، وهو أمر يبدو بعيدا، بعد الأماني عن الواقع. وقد وصل الآمر بساركوزي، كما كشفت مضادر فرنسية إلى درجة أن التقارير الواردة من واشنطن، سواء الدبلوماسية منها أو المخابراتية تفرحه أكثر من أي شيء عندما تستفيض في الحديث عن الخلافات الحادة داخل الإدارة الأميركية والصعوبات التي يواجهها أوباما،وذلك على أمل أن يضطر الرئيس أوباما إلى الإنزلاق إلى موقف فرنسا وإسرائيل.
مفاوضات فيينا جرى التحضير لها بدقة. وهي بدأت فعلا بجلسات إيرانية أميركية سرية في شهر أيلول الماضي لتسييل إتفاق بين وكالة الطاقة الدولية وإيران. وكانت إيران قدطلبت من وكالة الطاقة الدولية، في حزيران الماضي مساعدتها غلى تزويد مفاعل طهران التجريبي، بوقود أعلى تخصيبا مما تنتجه حاليا الطاردات المركزية في ناتنز. وهومفاعل يعمل بالماء الخفيف وتحت رقابة مفتشي الوكالة،وينتج كبسولات مشعة لإستخدامات طبية وزراعية، فعرضت الوكالة رفع تخصيب 1200 كلغ من يورانيوم ناتنز المقدر بـ1500، من 5،3 في المئة إلى عشرين في المئة، للرد على حاجات مفاعل طهران الدي يتهدد الشلل بنفاذ وقوده النووي نهاية العام القادم، وتتولى، بعد موافقة مبدئية إيرانية، روسيا رفع مستوى التخصيب، لأنها تملك تقنية مشابهة، فيما يقوم الفرنسيون بتحويل الكمية إلى صفائح توفر وقودا للمفاعل كافيا لعشرة أعوام كاملة.
المفاوضات بالنار
إيران تحقق بهذا الإتفاق، الذي تحدد آلياته التنفيذية في فيينا مكاسب عديدة، أبرزها إشراك خبرائها في عملية تخصيب معقدة ـ تتابع من خلالها وبمساعدة الغربيين تعزيز قدراتها على إمتلاك دورة تخصيب اليورانيوم الإستراتيجية، كما تشرعن الكميات التي قامت بتخصيبها رغم أنف العقوبات والقرارات الدولية في المصانع الروسية والفرنسية بشكل خاص، وتعوض إيران عن الكميات التي أخرجتها إلى روسيا وفرنسا في هذه الإتفاقية من دائرة التهديد العسكري، بتخصيب كميات بديلة عنها خلال عام، حيث تنتج شهريا ما يقرب من الـ80 كلغ من اليورانيوم المخصب.
هذه المكاسب لن تكون مجانية وهي ستتم في ظل مفاوضات بالنار علنية وسرية. المفاوضات بين واشنطن وطهران، تصبح مباشرة إذا ما أنجز الإتفاق في فييينا، حول حزمة كبيرة من الملفات والقضايا الإقليمية الممتدة من أفغانستان إلى حوض الأبيض المتوسط. حتى ذلك الحين، فإن كل طرف سيضغط على الآخر حتى يقدم تنازلا هنا أو هناك. توقيت عملية بيشين الإنتحارية تؤكد ذلك. لأن هذا التوقيت ليس بريئا. أدواته محلية لكن أهدافه أكبر من ذلك بكثير.
الحرب الناعمة التي تهدف إلى إشغال النظام الإيراني بتفجيرات قومية وعرقية ومذهبية داخلية، توقفت لكنها لم تنته. العملية الإنتحارية التي سقط فيها عدة جنرالات من الحرس الثوري ـ أبرزهم الجنرال شوشتري، الذي يقود فرقة القدس، ويشرف على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، أي أنه يتولى العلاقة مع حزب الله وحركتي حماس والجهاد. إلى جانب ذلك فإن وقوع العملية في مقاطعة بلوشستان الإيرانية تحمل رسالة واضحة لطهران، بأن أي تدخل إيراني في أفغانستان في حال مواجهة مباشرة مع واشنطن، يعني إنزلاق إيران نحو حرب داخلية في إقليمها البلوشي، في إطار مشروع قديم وهو بلوشستان الكبرى الإيرانية والباكستانية والأفغانية.
الرد الإيراني على العملية الإنتحارية ضد قيادات الحرس الثوري تحديدا، قد لا يكون بعيدا. لكن كلما تقدمت المفاوضات ونجحت حول الملف النووي، كلما تدعمت جسور الثقة بين طهران وواشنطن. الهدوء على هذه الجبهة سيمتد حكماً إلى باقي الساحات، ولا شك أن لبنان هو المستفيد الكبير من الإتفاق.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00