8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

طهران تريد الاتفاق والمحافظة على ماء وجهها وواشنطن بحاجة الى إنجاز ليدفع المفاوضات ومسارات الحل في المنطقة

دقت ساعة التحول الكبير في منطقة الشرق الأوسط. عندما يقول الرئيس الايراني المتشدد أحمدي نجاد ان العلاقات بين ايران والغرب حول الملف النووي انتقلت من المواجهة الى التعاون، يعني ان خطوة كبيرة نحو رسم علاقات جديدة قد حصلت، وأن مساراً جديداً للمنطقة قد بدأ. هذه البداية لا يمكن الالتفاف عليها. عليها سيتم بناء المستقبل، قد يقع تأخير هنا ومراجعة هناك، لكن المفاعيل ستتوالى وهي لا بد أن تطال كل الزوايا على امتداد منطقة الشرق الأوسط، مهما بدت المنطقة منقسمة وجدران الحذر والقلق قائمة، فإن ما يصيب زاوية لا بد أن ينعكس بشكل أو بآخر على الزوايا الأخرى.
نتنياهو والخطوة الايجابية
وفي اللحظة التي يعلن فيها بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي المتشدد، ان مشروع الاتفاق الذي قدمته الوكالة الدولية للطاقة النووية حول التعاون بين ايران والقوى الدولية يمثل خطوة ايجابية أولى يعني أنه يحضر الاسرائيليين الذين طالما وعدهم في الأشهر القليلة الماضية بالحرب ضد ايران التي لا تعترف بالمحرقةأو على الأقل باقتلاع أنيابها النووية، للقبول بالتحول القادم. من الضروري تحضير الرأي العام لمسار انقلابي جديد كان قد بني عليه طوال السنوات الثلاث الماضية استراتيجية أساسها المواجهة.
قد تأخذ التعديلات الايرانية على مشروع الوكالة بعض الوقت وتستهلك بعض المساجلات الحامية. المهم أن لا الايرانيون رفضوا مسودة المشروع وانما طالبوا بإدخال تعديلات عليها تحفظ ماء وجههم أساساً، وتسحب الخلافات الداخلية حولها من التداول، ولا الادارة الأميركية ستقفل الباب أمام الحوار للوصول الى تفاهم وسط يعطيها حق الاعلان بتحقيق انجاز مبدئي، يرفع من رصيدها داخلياً ودولياً.
الجميع بحاجة الى حل وسط. الايرانيون لأنهم لا يريدون المواجهة خصوصاً وأن حبات ساعة الرمل قد بدأت تنتهي، والخيارات محدودة وصعبة، ولا الأميركيون يسعون الى حرب ثالثة نتيجتها مُرة بكل المقاييس حتى ولو كانت نتيجتها ارجاع ايران الى عصر الفحم الحجري. خير الأمور الوسط. المناقشات ستكون بين الخبراء، لأن القرار السياسي قد اتخذ أساساً. هذه المناقشات محكومة بسقف التفاهم السياسي وهي ستنتهي مهما كانت حامية وحادة أحياناً.
واشنطن تريد هذه البداية لأنها ترى أن زيارة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الى المنطقة يمكن أن تكون منتجة هذه المرة. التحول نحو الحوار بين ايران والغرب لا بد أن ينعكس بسرعة على المناقشات الدائرة في اسرائيل والأراضي الفلسطينية. بذلك يخرج الوضع من عنق الزجاجة.
أيضاً في لبنان، فإن العربة السورية الايرانية التي تسير بمحركين أحدهما نشط، والآخر لا هو مطفأ ولا هو يعمل بقوننة، لا بد ان يحصل ما هو منتظر منه أي العمل بانسجام كامل. أولى نتائجه السرعة في تدوير الزوايا وصولاً الى التفاهم. بذلك تنتهي فترة الانتظار التي طالت فوق براميل من البارود، آخرها الرسالة الصاروخية التي يؤشر اعلان التبني الى توجهات لافتعال نزاع سني شيعي باسم فلسطين.
عاصفة الطوز الرملية التي وصلت الى نهاياتها بعد أن لفت المنطقة بفعل التيارات المتضاربة للعلاقات الأميركية الايرانية المنتقلة من حالة الشيطان الأكبر ومحور الشر الى الاعتراف المتبادل، فالتفاهم، ستسمح بالرؤية الكاملة، حتى ذلك فإن أهل المنطقة من العرب لم يفعلوا أكثر من الانتظار بينما القوى التي لها استراتيجية وتتحرك وتعمل وتبني بناء عليها، في كل الاتجاهات. واذا كانت ايران هي المعنية بافتعال تيارات الهواء الساخنة منها أو الباردة، فإن تركيا تحركت بقوة واندفاع هائل لتأكيد حضورها الجديد.
لا تركية لإسرائيل في غزة
تركيا اليوم تقول لا لإسرائيل في غزة. ولا حتى لواشنطن والغرب معها في استهدافهما لإيران في ملفها النووي، وهي تذهب حتى كردستان العراقية للمصالحة الكاملة مع الأكراد، والى الجنوب العراقي لتثبيت علاقاتها مع الشيعة العراقيين تأكيداً منها بأن سياستها لا تهدف الى اقامة حلف سني أو تقوية أهل مذهب على آخر وانما هي سياسة متكاملة لخدمة الدور التركي. وهي أكثر من ذلك، فإنها في الوقت الذي تضع مساراً لنفسها يعيد حضورها العثماني الجديد فإنها تقرر وتعمل على تنمية التعاون والتلاحم مع ايران. باختصار ان تركيا العثمانية لن تكون خصماً من جديد مع ايران الصفوية علماً ان الأتراك والايرانيين يقولون انهم ليسوا عثمانيين ولا صفويين ليتحاربوا.
التعاون والالتحام التركي الايراني يعني بصورة أو بأخرى تشكيل جناحين لمنطقة الشرق الأوسط، للتحليق بالمنطقة في مسار موحد بالشرق يحددانه معها. واذا كانت تركيا متفاهمة مع واشنطن حول هذا الوجه الجديد لتركيا المنسجمة والملتزمة بالشرق دون الطلاق مع الغرب الأوروبي، فإن ايران وان كانت لن تتحول بين ليلة وضحاها الى تركيا جديدة اسلامياً وسياسياً، فإنها على الأقل مضطرة لمراعاة حركة الجناح الشريك لها والانسجام مع حركته، ولا شك أن أي تفاهم ايراني مع الغرب، بدءاً من الملف النووي وانتقالاً الى باقي الملفات الساخنة، يتطلب فترة طويلة حتى تنضج على حرارته مواقف أكثر انسجاماً وتفاهماً مع عصر الاعتدال ونبذ التشدد الذي لا بد أن تدخله ولو بعد تمنع وتردد واضحين.
أيضاً دمشق التي تعتمد في حركتها، سياسة التاجر الدمشقي الذي يعرف جيداً حجم رصيده ومسافة قدرته على المناورة والمقايضة، أدركت أن رياح التغير بدأت تهبّ على المنطقة. انتقال طهران من المواجهة الى التعاون يحلّها من عقدة الترقب والانتظار والحساسية الزائدة خوفاً من أي حساب خاطئ يضعها في مواجهة شريكها الايراني القوي، لذلك سارعت دمشق وبلسان الرئيس بشار الأسد الى اعلان الرغبة الرسمية والشعبية بالتفاوض مع اسرائيل حول السلام. بهذا فإن الحوار عبر الاعلام بدأ سواء مع باراك أو بيريز. وربما ما يقال عن لقاء جرى بين بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي ونائب وزير الخارجية السوري في نيويورك خلال انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ممكن وواقعي.
سبق وأن دعي لبنان للتحضر لإطلاق مساره للتفاوض مع اسرائيل، لذا يصبح من الخطأ الخطيئة عدم الاستعداد لمواجهة هذا الاستحقاق، وهو بذلك يشكل سبباً اضافياً لمختلف القوى اللبنانية للخروج من الفراغ الحكومي الحاصل.
يكفي لبنان واللبنانيين الانتظار دون عمل شيء غير عدّ الأيام والأسابيع والسؤال عن السبب هل هو خارجي أو داخلي أو الاثنان معاً في منع تشكيل الحكومة. على الأقل، عاصفة الطوز الرملية بدأت تنحسر. ألم يحن الوقت لرؤية ما تشكل ويتشكل للتحرك على الأرض وليس متابعة السباحة في الفراغ؟!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00