يجب انتظار زيارة الرئيس بشار الأسد الى باريس في 13 من هذا الشهر، ليأخذ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي علماً وخبراً، حول إزالة العقبات التي تمنع تأليف الحكومة اللبنانية. ربما تكون الحكومة قد تشكلت قبل ذلك التاريخ، وربما لا. لكن كما يبدو فإن باريس مقتنعة بإمكانية نجاح وساطة دمشق مع حلفائها المحليين والخارجيين للتوصل الى اسس مشتركة تسمح بتأليفها. في الوقت نفسه فإن المعلومات المسرّبة من دمشق تركز على أنها ترى بأن الجنرال ميشال عون محق وأنه يستحق أكثر مما يعرض عليه.. فهل يحمل الأسد لساركوزي بشارة ارضاء الجنرال عون؟ وكيف ستتم ترجمة عملية الارضاء مع الحليف الأساسي لعون وهو حزب الله؟.
ورقة التوت
فن ترجمة المواقف السياسية فن صعب. لكن سواء كانت دمشق أو طهران، فإنهما تتقنان هذا الفن خصوصاً في كيفية تعبير حلفائها عنه. هذا النجاح، لا يلغي مطلقاً حق طرح أسئلة مشروعة جداً حول التعقيد والعقدة وما بينهما من مواقف للعاصمتين دمشق وطهران.
ليس من المبالغة بشيء القول إن طهران تنتظر بفارغ الصبر نتيجة حوارها التفاوضي مع دول الخمسة زائد واحد حول الملف النووي. هذا الانتظار مشروع جداً، لأن على نتيجته سيبنى الحل أو المواجهة. لذلك من الطبيعي جداً، طالما ان هذا التفاوض يتمحور حول الملف النووي إلا أنه يتشعب ويمتد الى حزمة من الملفات والقضايا، أن تعمل على تأجيل كافة الحلول على كافة المحاور ومنها لبنان حتى انتهاء الساعة الرملية من نزيفها المحدد أصلاً. في الوقت نفسه فإن طهران وهي تتعامل مع الملف اللبناني الحساس جداً لا تريد أن تظهر بمظهر المعطل لذلك فإنه ليس أفضل من الجنرال عون الذي يطالب بما يحق له عن قناعة كاملة بأن يشكل بإرادته أو دونها ورقة التوت لموقف حزب الله ايران.
أما دمشق فإنها في كل يوم من هذه الأزمة الوزارية التي طالت، تؤكد وجودها في صلب القرار اللبناني. هذا الوجود يتمدد كل يوم الى مختلف الزوايا والمواقع دون حاجة لوجود عسكري على الحواجز، وأمني علني في مكاتب معروفة ومحروسة من الأمن السوري. ولا شك ان لمثل هذا الوجود مطالب يومية تصل الى درجة الحقوق ، دون واجبات كما في زمن الوصاية، وفي الوقت نفسه فإن كل حركة ايجابية تنفذها لها ثمنها على طاولة المفاوضات والمقايضات، العربية والدولية.
هذا التقاطع الايراني السوري، في التعامل مع الأزمة الحالية لتشكيل الحكومة، لا يعني ان التناغم في عملهما المشترك كامل ومتكامل. الواقع ان التمايز من موقع التحالف يظهر حالياً وهو يبدو أكثر حدة لدى بعض التطورات. واذا كان من الصعب جداً التقاط صدى هذا التمايز في حركة حزب الله بسبب طبيعة تشكله، فإن من السهل التقاطها عبر حركة حلفاء دمشق دون غيرها.
هذا التمايز بين دمشق وطهران ليس محصوراً بلبنان، بل هو مهم وأساسي في العراق، حيث الطموحات السورية أكبر من امكاناتها، وأهدافها متناقضة مع طهران أحياناً. دمشق تريد مقاسمة طهران في العراق، بينما طهران تريد مقاسمة دمشق في لبنان. ستصبح القاعدة الجديدة ما لك، لي ولك ومن يقبل منهما التنازل للآخر.
ففي حين تريد طهران وضع يدها على القرار العراقي عبر تكثيف الوجود الشيعي المؤيد لها في السلطة، فإن دمشق تركز على أن ما يهمها هو عروبة العراق أي قيام سلطة جامعة لمكونات الشعب العراقي فيصبح النظام المركزي الذي يترأسه شخص قوي ليس بعيداً عن الجيش أو حتى منه، هو الحل، بينما الحل الفيدرالي للعراق هو الحل الأنسب لطهران.
طهران الى بيروت عبر مطار الحريري
عودة الى لبنان، عندما كان النظام الأمني السياسي القديم قائماً قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري، فإن طهران كانت تقدم وتزرع، ودمشق تستثمر وتحصد. طهران استثمرت على المدى البعيد، اما دمشق فإنها وهي التاجر البارع، استثمرت بسرعة وتحولت الى عاصمة للممانعة، ترعى بركان الجنوب في وقت ضمنت فيه هدوء الجولان.
الى ذلك، فإن دمشق كانت بوابة طهران الى بيروت. كل تحركاتها كانت مرصودة سلفاً ملاحقة تحت المجهر. التنسيق الكامل كان عملية تحديد لحركة طهران في لبنان، حتى انه لم يكن معروفاً أين حدود دمشق داخل حزب الله وأين موقع طهران من حلقة قرارات الحزب الضيقة والحساسة.
بعد الانسحاب السوري من لبنان، أصبحت طهران تدخل الى بيروت عبر مطار رفيق الحريري الدولي، حتى ولو كان الرقيب السوري يلاحقها، فإن حركتها أصبحت مقيدة. كل نقطة تراجعت فيها دمشق داخل لبنان، تقدمت طهران نقطة قد لا تكون حساسة لكن في حسابات حائك السجاد الايراني لها موقعها لاحقاً. غياب دمشق عن بيروت سمح لطهران بالتقدم والانتشار بحرية أوسع وأشمل. تكفي مراقبة سجل وداع السفير الايراني الشيباني لعمله في بيروت، لمعرفة حجم واتساع دوائر الاتصالات الايرانية مع مختلف القوى والأطراف والمسؤولين اللبنانيين.
حالياً دمشق تعود بقوة الى بيروت، والى مركز القرار فيه مهما بلغت درجة الممانعة فإن ذلك سيكون على حساب ايران. لا داعي للدخول كثيراً وبعيداً في التفاصيل، النتيجة معروفة، فالوجود السوري أكبر بكثير من الحضور الايراني. لذلك فإن طهران وهي تدعم حزب الله، ليس أمامها سوى دعم موقف الحزب في تقوية ممانعة الجنرال ميشال عون وتعليته.
سؤالان يحرجان دمشق وطهران، الأول ماذا ستفعل طهران، اذا وجدت أن اللعبة قد انتهت وحان وقت الحسم وتسهيل تشكيل الحكومة اللبنانية قبل معرفتها لمصير الحوار الدائر مع الدول الخمس زائد واحد. هل تمشي طهران مع دمشق وتبيعها المشاركة في الحل، أم انها تمانع ولو لعدة أيام اضافية تستطيع دمشق تحملها؟.
أيضاً ماذا ستفعل دمشق اذا اتفقت طهران مع الدول الخمس زائد واحد وتحديداً واشنطن حول الحل المتعلق بالملف النووي، وهي ما زالت تعرض ولا تسمع جواباً مباشراً حول التفاوض غير المباشر مع اسرائيل؟ وكيف ستتعامل مع واشنطن وقد اصبحت مكشوفة الظهر بعد تحول حليفها الايراني الحاصل؟.
الجواب ليس سهلاً. لا بل تستتبعه أسئلة اضافية وهي هل يتحول التمايز الى تنافس فافتراق؟.
واذا كانت الساحة العراقية هي الأقرب والأسرع الى الاختيار عليها، فماذا عن لبنان وفلسطين؟.
هل يخلق ذلك التنافس والافتراق حالة جديدة يكون حزب الله في وسطها ممزقاً بين الأب الشرعي له، والحاضن الطبيعي له بحكم الجغرافيا والنسيج التنظيمي التاريخي؟
سؤال اضافي هل يستعد حزب الله لمثل هذه الحالة حتى ولو كانت تقوم حالياً على حسابات متداخلة اقليمياً ودولياً؟. وهل في حساباته واقع الأرض والشعب الذي ينتمي اليهما، مهما كانت النتائج؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.