8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

القرصنة الإسرائيلية تصيب طهران ودمشق وحزب الله.. والرد عليها محكوم بوجهة مسار الحوار والتطبيع مع الغرب

مؤلمة عملية استيلاء البحرية الإسرائيلية على سفينة تحمل علم انتيغوا وهي على بُعد مئة ميل بحري (185 كلم) والكشف بعد تفتيشها في إسرائيل عن انها تحمل أسلحة صاروخية منها ما يخل بالتوازن إلى حزب الله في لبنان. السفينة كان يجب أن تحط رحالها في ميناء سوري لتنتقل فيما بعد إلى لبنان. هذا النجاح الإسرائيلي المخابراتي والعسكري، أصاب أهدافاً عدة في وقت واحد.
حرب ناعمة مالية وتسليحية
تأتي العملية غداة تقرير بان كي مون الذي دعا فيه إلى نزع سلاح الميليشيات في لبنان عبر العملية السياسية وتطبيق القرارات السابقة لطاولة الحوار الوطني، وعن اكتشاف مخزن الأسلحة في خربة سلم، أي جنوبي نهر الليطاني. حزب الله غير مدعو لنفي هذا الإعلان ولا لتأكيده، ولكن من المؤكد ان حرباً ناعمة خفيّة تجري منذ انتهاء حرب تموز 2006 بين إسرائيل وحزب الله، وانه جرى تصعيد هذه الحرب في الفترة القصيرة الماضية، بعد أن تبين للطرفين أن حرباً عسكرية شاملة تبدو بعيدة جداّ ضمن المعطيات والظروف الحالية.
مهما يكن، فإن إسرائيل تعلن بهذه العملية، ان يدها طويلة، وان استخباراتها قوية ومتيقظة، فهي تعقبت السفينة منذ إبحارها من اولى محطاتها حتى دخولها البحر الأبيض المتوسط باتجاه أحد الموانئ السورية، بهذا فإن إسرائيل تضع إيران وسوريا في قفص الاتهام، في وقت الغزل الأميركي لدمشق قائم وإن كان تحت بند تحسين السلوك، من جهة وطبخة الحوار بين طهران والدول الخمس زائد واحدا على نار حامية. علماً ان التصريحات الإيرانية التصعيدية حول علاقة الشاة بالجزار جزء من فن الحوار والمفاوضات.
الخطير في هذه العملية ان إسرائيل لم يعد يعنيها القانون الدولي بعد أن قامت بما قامت به في غزة. ذلك ان رفع السفينة علم دولة حتى وإن لم يسمع بها أحد، فإنّ ذلك يشكل خرقاً للقانون الدولي. إلى جانب ذلك فإنّ قيام البحرية الإسرائيلية بالعمل على بُعد مئة ميل بحري من سواحلها، فإنّ ذلك يؤكد مرة أخرى مدى تجاهل إسرائيل للقانون الدولي وعملها بآلية القرصنة الناشطة حالياً في منطقة القرن الافريقي.
إسرائيل الخبيرة بالتعامل مع الغرب، عملت على تطويق اتهامها بخرق القانون الدولي، بالإعلان فوراً ان الأسلحة التي جرى الاستيلاء عليها من السفينة كانت ستقتل مدنيين إسرائيليين. بهذا فإنّ إسرائيل أوصلت رسالة إلى الغرب، بأنها استولت على اسلحة موجهة إلى إرهابيين وان ذلك يمنحها شرعية كاملة في العمل حتى لو بدا العمل اختراقاً وضرباً للقانون الدولي. الحرب ضد الإرهاب مفتوحة منذ 11 أيلول 2001 وهي جزء من ذلك. بهذا يتم تغطية الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا وللأراضي الفلسطينية بالحرب ضدّ الإرهاب.
لم تكن إسرائيل لتقوم بما قامت به لو أنها شعرت أو تشعر بأنها معرّضة للمحاسبة من قِبَل الأطراف والقوى العربية والاقليمية المعنية بمثل هكذا عملية. لقد سبق لإسرائيل أن قصفت ما قيل انها بنى تحتية لحصول سوريا على القوة النووية في عملية تهدف إلى استكمال النشاط النووي الإيراني، ولم يحصل شيء.
دمشق المعنية بالعملية تعمّدت الصمت ومن ثم النفي الكامل لوجود الأسلحة. لا هي قادرة على الرد، ولا هي في موقع تطلب فيه من طهران الرد. ما يعزز هذا الصمت قبل العجز ان دمشق وطهران تنفيان بقوة رغبتهما وليس قدرتهما على امتلاك القوة النووية العسكرية، في وقت تعلمان ويعلم العالم فيه ان مخزون إسرائيل يتجاوز مئتي قنبلة نووية.
أيضاً تعلم إسرائيل مدى انسداد الأفق أمام العرب وخصوصاً الفلسطينيين منهم للحركة. هذا الانسداد ليس احادياً، لأن إسرائيل أيضاً تبدو وكأنها هي تحقق بعض الضربات الاستخباراتية الناجحة، عاجزة عن الخروج من المأزق الحالي لأنها غير قادرة على كسر إرادة خصومها من العرب وفرض شروطها عليهم، ولا هي راغبة في فتح مسار للمفاوضات السلمية إلا بشروطها المرفوضة. هكذا عمليات قد ترضي الإسرائيليين وتدفعهم إلى النشوة، ولكن ماذا بعد ذلك غير الغرق أكثر فأكثر في مستنقعات التطرف الديني والسياسي.
اليونيفيل.. العازل الدولي
أما بالنسبة للعرب وتحديداً للفلسطينيين أولاً ومن ثم لـحزب الله ثانياً، فإنّ انسداد الأفق أمام الفلسطينيين لم يحصل مثله مطلقاً منذ النكبة. على الأقل النكبة ولدت استيقاظ الشعب الفلسطيني وولادة المقاومة فيما بعد، أما حالياً فإنّ الفلسطينيين (بحركتيهما فتح وحماس ومعهما السلطة التي يترأسها الرئيس محمود عباس) في وضع لا يحسدهم عليه أحد، لا هم قادرون على التنازل أكثر مما تنازلوا عنه، ولا هم قادرون على كسر الدائرة المقفلة عليهم، بسبب حربهم ضد بعضهم البعض تحت السكين الإسرائيلية.
بدوره، فإنّ حزب الله يبدو محاصراً بين حجم انتصاره الضخم في حرب تموز 2006 من جهة ومفاعيل هذا الانتصار السلبية عليه. في الجنوب قوات اليونيفيل سواء كانت جندياً واحداً أم 15 ألف جندي، تشكل عازلاً عسكرياً دولياً، أي محاولة لاختراقه سواء منهم أو من إسرائيل تضعه في مواجهة هذا المجتمع الدولي. كما ان حزب الله وإن كان قد رفع حجم تسليحه بعد الحرب فإنّ هذا السلاح يبقى تحت الأرض يذكر بالمقاومة لكنه يبقى في المخازن وتحت المتابعة من الأمم المتحدة، أيضاً فإنّ ارتدادات حرب تموز ووجود قوات اليونيفيل دفع بالحزب إلى الاتجاه شمالاً باتجاه بيروت وأزقتها الميدانية والسياسية أولاً وإلى الانطلاق من قبل بعض مكوناته نحو لعبة السلطة والمال مما يذكّر كثيراً بحال حركة فتح في سنواتها الأخيرة بلبنان، ما يعزّز ذلك تزايد الحديث عن محاولات جدّية من قيادته لتشذيب الحزب من الطفيليات التي استقرت وانتشرت عليه. من المؤكد ان الحرب الناعمة التي تشن حالياً ضدّ حزب الله والتي يتبين يوماً بعد يوم انها من شفرتين، واحدة مالية، والثانية تسليحية ليست ولن تبقى احادية. حزب الله يملك امكانات حقيقية في هذه المواجهة، لكن السؤال الكبير: هل المتغيرات الاقليمية والدولية ستسمح له بالتحرك بحرية؟
باختصار هل دمشق المستعجلة على تطبيع علاقاتها مع واشنطن والراغبة جدياً بالتفاوض مع إسرائيل عن طريق تركيا وحتى باريس، يمكنها دعم حزب الله في فتح هذه الجبهة التي قد تنتج بعض عملياتها مناخات غير محسوبة، حتى ولو كانت عملية الثأر للشهيد عماد مغنية قد أحبطت مرة ومرات أو توقفت مراراً فإن ذلك يؤكد ان يد حزب الله ليست طليقة وعليها أن تأخذ في الاعتبار حسابات دمشق وطهران معاً.
أيضاً هل طهران التي تريد التوصل إلى اتفاق مع الغرب وتحديداً مع واشنطن حول ملفها النووي وموقعها الاقليمي راغبة أو قادرة حالياً على فتح أي جبهة خصوصاً الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، دون الأخذ في الاعتبار موقع ومصالح حليفتها دمشق؟ وإذا كانت طهران التي تريد معرفة مسار المفاوضات مع الخمسة زائد واحداً قبل تقديم أي تسهيلات معينة سواء في لبنان بما يخص تشكيل الحكومة اللبنانية، أو في فلسطين بما يخص التوصل إلى اتفاق بين فتح وحماس ومعهما مصر، هل تقدم على أي عملية ثأر قد تفجّر الوضع وتعطي إسرائيل المشروعية الدولية للعمل ضدّها عسكرياً؟
أسئلة كثيرة صعبة والإجابات عنها أصعب بكثير. لكن مرة أخرى تتجسد حالة واضحة، وهي ان على حزب الله الالتفات بقوة إلى الداخل اللبناني من باب تصليب الجبهة الداخلية، لأن ذلك يقوّيه ويدعمه، وان من الواضح ان كل يوم جديد يحمل له مفاجأة جديدة من إسرائيل أولاً ومن المتغيرات الاقليمية والدولية ثانياً.
جنرال حزب الله الوحيد والقادر على الانتصار به ومعه، هو الشعب اللبناني بكل مكوناته.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00