8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الإحباط والقلق من تفضيل واشنطن وتل أبيب المسار السوري على الفلسطيني دفعا أبو مازن للانسحاب

قد يعود الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن قراره بعدم الترشح لولاية رئاسية ثانية، وقد لا يعود. في الحالين الأسئلة كثيرة وبلا إجابات، بانتظار تطور الأحداث وظهور مفاعيل المتغيرات. من ذلك: ماذا سيأخذ عباس من ضمانات عربية ودولية تسحبه من العراء السياسي الذي يوجد فيه حالياً، إذ عاد عن قراره وترشح للرئاسة علماً ان فوزه مضمون بنسبة مئة في المئة. وماذا سيحصل في حال حصول فراغ رئاسي فلسطيني وسط هذا الانسداد الكامل للأفق السياسي في المنطقة وليس في فلسطين فقط؟
أبو مازن ـ محمود عباس ـ بالتأكيد ليس أبو عمار الرئيس الشهيد. لكن أيضاً أبو مازن يعرف أبو عمار جيداً ومتابع دقيق ليومياته النضالية والرئاسية. لذلك رغم التباين الكبير بينهما في الرؤية والعمل منذ بدايات حركة فتح، إلا أنه لم يخرج يوماً عن إرادته. قدرة أبو عمار التاريخية استثمار كل التباينات والمتناقضات داخل الحركة لمصلحة رؤيته ونهجه في قيام الدولة الفلسطينية. لذلك فإن أبو مازن لا يريد أن ينتهي رئيساً محاصراً في المقاطعة على مثال أبو عمار. ولا شك ان حلول ذكرى استشهاد أبو عمار الخامسة غداً، ترفع من ضرورة قراءة المرحلة الأخيرة من حياة أبو عمار خصوصاً عندما حوصر في المقاطعة بتوافق أميركي إسرائيلي وعجز عربي كامل.
صورة
الإحباط الذي أغرق فيه أبو عمار، أجبره على الذهاب إلى كامب دايفيد ومن ثم اتهامه بإفشال القمة التي أدارها الرئيس بيل كلينتون، مما فتح الباب أمام حصاره في المقاطعة وادعاء الإسرائيليين غياب المفاوض الفلسطيني. الوضع مماثل وربما أكثر بالنسبة للرئيس عباس. بدون الأولوية في الأهمية، فإنّ شريط الإحباط هو:
تحويل القمة بينه وبين الرئيس الأميركي باراك اوباما ونتنياهو إلى مجرد صورة، أحرجته أكثر مما كان محرجاً من قبول الدعوة.
سحب تقرير غولدستون وإرجاء مناقشته مما وضع عباس في خانة المساءلة إلى درجة إدخاله قفص الاتهام.
تراجع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن وقف الاستيطان شرطاً لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
فشل كل الجهود بما فيها المصرية لإجراء المصالحة بين حركتي فتح وحماس مما أبقى حالة الانقسام الفلسطيني المترجم بانفصال غزة عن الضفة تحت سكين الاحتلال الإسرائيلي.
الوضع الاقتصادي المتردي وعدم تنفيذ المانحين لوعودهم.
عدم استعداد إسرائيل لتقديم تنازلات لمصلحة مفاوضات السلام.
استمرار الاستيطان وقضم القدس لتهويدها نهائياً بما فيها المسجد الأقصى.
كل عامل من هذه العوامل كاف ليحدث الإحباط فكيف بها مجتمعة، لكن ربما أقسى العوامل بقاء أبو مازن دون إسناد أميركي. الرئيس باراك اوباما بدا مندفعاً، في بداية ولايته الرئاسية قبل عام، لإطلاق مسار التسوية الفلسطيني ـ الإسرائيلي ثم تراجع خطوة وراء الخطوة أمام تصلب بنيامين نتنياهو. أوباما أخذ في الاعتبار حساباته الداخلية أكثر بكثير من طموحاته الخارجية. اوباما مضطر الى مواجهة الناخب الأميركي في الانتخابات النصفية للكونغرس، واللوبي اليهودي قادر على توجيه ضربة موجعة له وهو يستعد للدخول في النصف الأول من ولايته. لذلك فإنّ لقاءه اليوم مع نتنياهو لن يغير شيئاً.
أكثر ما يقلق الرئيس الفلسطيني في مواجهة هذه القمة، أن يقنع نتنياهو اوباما، بأن لا ضرورة للعجلة بالنسبة للمسار الفلسطيني. فهو مسار معقد جداً والحلول فيه أصعب بكثير. يكفي حالياً تنشيط الوضع الاقتصادي الفلسطيني وبعض الخطوات الميدانية لتسهيل حياة الفلسطينيين، والالتفات نحو المسار السوري وتفضيله، وخصوصاً ان الرئيس بشار الاسد متحمّس كثيراً للمفاوضات، إلى درجة قيامه بسابقة تاريخية بالنسبة للعرب وقادتهم، وهي دعوته تركيا الى تحسين علاقاتها مع إسرائيل بدلاً من تشجيعها على التصعيد ومقاطعتها من أجل بقائها الوسيط المقبول في المفاوضات. التزاحم بين المسارين الفلسطيني والسوري تاريخي، لذلك كانت دمشق تعمل دوماً على الإمساك بالمسار اللبناني تحت شعار وحدة المسارين، لتقوية موقعها التفاوضي.
ورقة واشنطن
لدى واشنطن ورقة مهمة لدفع محمود عباس للعودة عن قراره حتى لا تجد نفسها ومعها إسرائيل أمام قيادة أكثر تطرفاً من فتح أو مكشوفة أمام حماس وتحولها إلى طرف مفاوض بلا منازع عن الفلسطينيين. هذه الورقة هي في التعهد بتحريك المسار التفاوضي الفلسطيني ـ الإسرائيلي في اطار عملية شاملة، يدعى إليها لبنان وطبعاً سوريا.
رغم اهمية هذا الاحتمال، إلا أنه سيشكل تحولاً لا تبدو حالياً الاسباب متوافرة لحصوله. الفلسطينيون تدارسوا ويتدارسون منذ أشهر عديدة عن البديل من هذا الجمود الذي قد يدخل القضية الفلسطينية في الثلاجة للجيل المقبل وليس الحالي فقط. لهذا جرى إعادة بناء حركة فتح وانتخاب قيادة لها، سيبقى أبو مازن زعيمها حتى لو لم يُنتخب رئيساً للسلطة. ولذلك أصرّت قيادات شابة على وضع كافة الخيارات بنداً أساسياً لقيام الدولة الفلسطينية، مما شكّل إشارة ضمنية بالعودة إلى الكفاح المسلح.
قد تكون صيغة الكفاح المسلح صعبة إن لم تكن مستحيلة في الظروف الحالية سواء بسبب اتفاقات كامب دايفيد أو اختلال موازين القوى بشكل كامل لمصلحة إسرائيل أو بسبب الانفصال القائم بين غزة والضفة الغربية. أمام ذلك فإنّ تدارس الوضع يقع بين خيارين أحلاهما مرّ:
العمل من أجل قيام دولة ثنائية القومية أي العربية واليهودية. بذلك يتساوى اليهود والفلسطينيون بالحقوق والواجبات. هذا الطرح ليس جديداً على العمل الفلسطيني. فقد ظهر مع نهاية الستينات في حركة فتح بالقول بتعايش اليهود والمسلمين والمسيحيين في دولة واحدة متساوين في الحقوق والواجبات. ويطرح اليسار الفلسطيني لدولة ثنائية القومية. هذا الطرح وإن جرى قبوله فلسطينياً فإنه من المؤكد لن يكون مقبولاً من الإسرائيليين خصوصاً أن اليمين الإسرائيلي، بزعامة نتنياهو، يريد اعترافاً فلسطينياً وعربياً بإسرائيل دولة يهودية قومياً.
اندماج انسحاب عباس من الانتخابات الرئاسية مع توجه قيادات وشرائح فلسطينية عديدة وواسعة نحو قيام انتفاضة ثالثة أكثر دموية من الانتفاضتين الأولى والثانية. لكن من الواضح أنّ مثل هذه الانتفاضة قد تدفع في النهاية، خصوصاً إذا ما طالت (دون الإنجرار نحو العمل المسلح)، إلى هزّ المجتمع الإسرائيلي ودفعه للخروج من تقوقعه اليميني المتطرّف وهزّ المجتمع الدولي وإحساسه بالأخطار الناشئة عن ذلك، وأخيراً وهو الأهم إحداث هزّة حقيقية داخل المجتمعين العربي والإسلامي خصوصاً إذا كان عود الثقاب لهذه الانتفاضة الدفاع عن المسجد الأقصى.
ما يجري في فلسطين، سينعكس في أحداثه ونتائجه على لبنان. العلاقة مصيرية بفعل الجغرافيا والتداخل البشري إلى جانب الأسباب السياسية التاريخية، دون الحديث عن العامل القومي. ما سيقع سلباً أو إيجاباً في الساحة الفلسطينية سيصل إلى حالة الزلزال. على لبنان واللبنانيين أن يتعاملوا بكثير من الانتباه والحذر والدقّة في الحسابات أمام هذا الزلزال القادم.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00