8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الأسد لإدارة الاستقرار بالشراكة مع ساركوزي وتركيا هي الوسيط الوحيد في المفاوضات مع اسرائيل

أخذ الرئيس السوري بشار الأسد ما أراد ويريد من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ولم يعطه كل ما أراده ويعمل من أجله. ساركوزي المستعجل دائماً، التقط جملة واحدة من مساعديه، وبنى عليها استراتيجية مستقبلية كاملة، في منطقة معقدة مثل الشرق الأوسط. سوريا دولة مركزية في المنطقة، هذا صحيح جداً، لكنها ليست وحدها ولا هي لاعب منفرد، ولا هي قادرة مهما كانت قوية الخروج من بعض القواعد التي تحكم حركة اللاعبين فيها. للتاريخ موقع يتقدم في أحيان كثيرة على قواعد الجغرافيا.
التاجر الشامي
ساركوزي أحرق كل المراحل بسرعة غير مسبوقة. أراد أن يثبت أنه قادر على بناء سياسة خاصة به بعد تحقيق الانقطاع مع الماضي الشيراكي. حتى الآن، وربما لفترة طويلة سيبقى واقفاً أمام باب منطقة الشرق الأوسط للدخول منه الى التاريخ عبر التوصل الى حل لنزاع الشرق الأوسط.
قبل 18 شهراً، كانت دمشق معزولة. تقدم ساركوزي خطوة باتجاهها، فبادلته بعشرات الخطوات. بدت دمشق كريمة بلا حساب على غير عادة التاجر الشامي الذي يتاجر من كيس غيره.
لبنان شكّل ساحة الاختبار الأولى. طلبت باريس ولم تقصر دمشق في المبادرة ضمن حساباتها الدقيقة المبنية على معرفة عميقة وشاملة بـنسيج الحالة اللبنانية. تبادل السفراء، بين بيروت ودمشق شكّل شهادة ثمينة جداً لتحسين دمشق لسلوكها وأدائها في لبنان.
ساركوزي أبلغ اللبنانيين وقبلهم واشنطن أنه أخذ من الأسد ما لم يعطه للبنان منذ الاستقلال، أخيراً اعترفت دمشق به دولة مستقلة وليس كياناً مقتطعاً منها.
باريس أعطت دمشق الفصل بين علاقاتهما والملف اللبناني خصوصاً بعد انتخاب الرئيس ميشال سليمان، على قاعدة الاعتراف بأن لدمشق مصالح حيوية في لبنان. هذا الفصل في العلاقات، ترجم بترك ادارة الشؤون اللبنانية للبنانيين الذين أصبحوا ناضجين. لم ترَ باريس الساركوزية أن الأمر لا يتعلق بالنضج وإنما في كيفية تحرك دمشق ودوزنتها لكل حركة مع حضور حلفائها اللبنانيين من القوى والأحزاب الى جانب بيادقها القدماء والمستجدين على السواء. الواقع ان دمشق أثبتت يومياً أنها قادرة على التحرك في لبنان وابقاء سر القطبة الأخيرة للحل بيدها وحدها.
عندما كان الأسد بحاجة لساركوزي، كان يلبيه غب الطلب كما يقال في عالم التجارة والمال. طلب منه الحضور والمشاركة في باريس بالاعلان عن قيام الاتحاد المتوسطي، ففعل، علماً ان الأسد كان يعرف ان هذا المشروع ولد ميتاً، لأنه مصنوع ليكون بوابة ضخمة للدخول الى النزاع العربي الاسرائيلي. اعتقد أن جلوس الأسد الى جانب بيريس ينهي كل شيء. لم يقدر ساركوزي انه حتى ولو حصلت المصافحة وهي لم تحصل بالأساس فإنها لن تكون شيئاً، المشروع حالياً في حالة الوفاة السريرية. باريس لا تجرؤ على اعلان وفاته رسمياً حتى لا يرفع هذا الفشل منسوب خسائر ساركوزي الداخلية.
بعد أن استقبل ساركوزي صديقه بييي أي بنيامين نتنياهو بالأحضان والقبلات معوضاً له إطفاء أوباما الأضواء، عندما قابله في البيت الأبيض، حصل منه على رسالة مفادها أنه مستعد للاجتماع مع الأسد أينما أراد. كأن المكان هو العقدة، وليس الرد على السؤال القديم الجديد، لماذا هذا الاجتماع؟. اذا كان نتنياهو يضحك على الغربيين سواء لأنهم يصدّقونه أو لأنهم مكرهون لأسباب معروفة على تصديقه، فإن العرب مهما بلغ عجزهم وضعفهم لا تمر عليهم هذه الدعوات الاسرائيلية.
ادارة الاستقرار
الرئيس السوري بشار الأسد الذي لم يعد بحاجة للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كما في السابق، استعاد موقفه الحاد المستقوي بموقعه ودوره، قال في قصر الإليزيه بعد لقاء القمة بينهما:
دور فرنسا في حل النزاع السوري الاسرائيلي في دعم الوساطة التركية. بهذا وجّه الأسد عدة رسائل في وقت واحد. الأولى انه ليس لفرنسا دور مركزي في حل النزاع العربي الاسرائيلي. وان محاولتها عقد مؤتمر دولي ينافس مشروعا واشنطن وموسكو تحت أي صيغة ليس ممكناً. دورها يبقى محدوداً. عملية السلام لها متطلبات من دون تلبيتها ستفشل.
ان تركيا كانت وستبقى الوسيط الوحيد بين دمشق وتل أبيب سواء أرادت الأخيرة أم لم ترد. العلاقات التركية السورية أعمق من أن يتم التلاعب عليها. دمشق تعرف حدود الجغرافيا ودورها في صياغة المواقف. أنقرة هي البوابة للمفاوضات غير المباشرة. من أجلها كسر الأسد مساراً عربياً تاريخياً وهو دعوتها لإعادة تحسين علاقاتها مع تل أبيب. طوال ستة عقود كان العرب يتمنون ويعملون لكي تفك دولة ما تحالفها مع اسرائيل أو على الأقل أن تتوتر علاقاتها معها.
ان لفرنسا ومعها أوروبا دوراً في الحل لكن الأساس الدور الأميركي في هذا المسار. الأسد منذ البداية انخرط في مسار التطبيع مع باريس بكل قوته، لأنه كان يريد فتح باب واشنطن أمامه لتطبيع علاقاته معها بشكل كامل، وطالما لم يحصل على ذلك فإنه لن يقدّم أكثر من الوعود لساركوزي أو لغيره.
أكثر ما يؤشر أن دمشق لم تعد مستعدة لتقديم الهدايا لباريس التي رفعت حجم تبادلها التجاري معها من عشرة ملايين يورو قبل أربع سنوات الى 800 مليون يورو حالياً، رفضها التوقيع على اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، الذي خيّل لساركوزي أنها وافقت عليه، رغم الشروط الاستثنائية فيه. دمشق لم تعد مستعدة حالياً للقيام بذلك إلا وفق حاجاتها الوطنية، أي مثلاً شطب الشروط خاصة المتعلقة بحقوق الانسان.
في الوقت الذي تريد فيه دمشق أن يصبح مسار التطبيع مع واشنطن سالكاً وآمناً ومنتجاً، لأن واشنطن هي الهدف مهما طال السفر، فإن الرئيس ساركوزي دخل في مزاحمة مفتوحة ومكشوفة مع واشنطن. الرئيس الفرنسي كان يود لدى انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية أن يكون شريكه في صناعة تاريخ العالم الجديد وتحديداً في الشرق الأوسط. ساركوزي فشل في ذلك، ليس فقط في صناعة الشراكة وإنما أيضاً في إبقاء علاقة تفاهم بينهما. مشكلة ساركوزي أنه اعتبر وقال ذلك علناً: ان أوباما ساذج، من الطبيعي أن أقوى رجل في العالم القادم على رياح التغيير لن يستطيع العمل جدياً مع رئيس فرنسا العميق المعرفة والخبرة كما يعتقد، علماً ان خبرة ساركوزي في السياسة الخارجية محدودة جداً، إذ أمضى ثلاثين عاماً وهو يعبّد طريق الرئاسة لنفسه داخل البيت الفرنسي فقط.
أيضاً لا يمكن للرئيس الأميركي أن يكون لواشنطن شريكاً في صناعة مستقبل منطقة الشرق الأوسط حتى ولو كانت فرنسا. بالنهاية لا تستطيع فرنسا أن تضع فيتو على سياسته فهي ليست روسيا الموجودة تاريخياً في منطقة الشرق الأوسط ولا الصين، التنين الاقتصادي الذي تحتاجه.
جائزة الترضية للرئيس الفرنسي، هي البحث في ادارة الاستقرار في المنطقة، حتى يحين زمن الحلول. حتى هذه الجائزة تبدو ملغومة. ذلك ان دمشق وهي تعرضها على باريس، تضع نفسها في موقع الشراكة وليس في موقع الذي يسمع الاقتراحات ويعمل بمقتضاها. خلال 18 شهراً من الانفتاح والاندفاع الفرنسي، أخذ الأسد لنفسه من نيس ساركوزي ما لم يكن يتوقعه، لقد أصبح شريكاً له. هذا الشريك المستعجل سيشكل قوة دعم له ترفع من رصيده التفاوضي بدلاً من أن يكون الوضع بالعكس، عندما يأتي باراك أوباما حاملاً معه مشروعه للسلام لتحريك مسارات التفاوض والسلام.
خسر ساركوزي الكثير في لبنان، ولم يربح إلا اليسير من دمشق!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00