8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مصر والجزائر تخوضان موقعة الخرطوم على وقع الإرهاب والتضخم والبطالة وتراجع النمو

لم يتوقف الزمن عند التسعين دقيقة الفاصلة للمعركة التي تحسم الحرب بين مصر والجزائر. الزمن توقف منذ لم يعد لدى العرب قضية يعيشون من أجلها سوى البحث عن لقمة العيش ومتابعة مسلسل توريث السلطة بعد تفريغ الحياة السياسية من كل معطياتها من أحزاب وقوى وشخصيات. لو لم يكن النظام العربي مريضاً لما وصل العرب الى هذه الحالة. الأخطر أن الانحدار لن يتوقف عند هذه الحرب، إنه بئر بلا قاع.
خسرنا معركة ولم نخسر الحرب
يستطيع المصريون والجزائريون أن يتقاتلوا على الكرة بدلاً من أن يلعبوا بها، في وقت يلعب بنا الآخرون من قوى دولية واقليمية بالكورة. نحن نتلقى الضربات والآخرون يسجلون الأهداف بنا في خاناتهم. من حظ العرب البسطاء الذين قدموا طوال عقود سابقة دماءهم وأرزاقهم من أجل قضاياهم ومستقبل أمتهم، أنه لا توجد حدود مشتركة بين مصر والجزائر. لولا ذلك لكانت الحرب بالطيران والدبابات قد اشتعلت، في يوم من الأيام (مع أنه لم يمضِ عليه أكثر من نصف قرن) خاضت مصر حرباً ضد ثلاث دول هي فرنسا وبريطانيا واسرائيل. من أسباب تلك الحرب المعروفة بالعدوان الثلاثي، دعم مصر ـ جمال عبد الناصر للثورة الجزائرية، وفي يوم لم يمر عليه الزمن (عام 1973) اختلطت الدماء الجزائرية بالمصرية دفاعاً عن مصر والعرب في حرب تشرين.
أما اليوم فإن دماء الغلابة من الشعبين المصري والجزائري تغطي حروباً من نوع آخر تدور حول من يرث مَن.
من المحيط الى الخليج، تدور الحروب التي تكاد تنهي الوطن العربي. الآخرون يتقدمون ونحن نتراجع. ايران تخفي طيلة سبع سنوات بناءها لمفاعل نووي في قم، وتنجح في الحصول على شرعية تخصيبها للأورانيوم بنسبة 3,5في المئة وتفاوض على نسبة أعلى ولا تتوقف عند ذلك. ايران تعمل وكأنها فاتيكان الشيعة واجبها حمايتهم من دون دعوة، لتدفعهم من دون اراداتهم، وتراكم أسباب ودوافع محلية لأن يتمايزوا ويختلفوا مع مجتمعاتهم، في وقت استوعب فيه الفاتيكان ان انخراط المسيحيين في مجتمعاتهم في الشرق وعدم تمايزهم الا بالمزايا التي تغني مجتمعاتهم.
تركيا التي استوعبت بعد تردد طويل حجم وأهمية الجغرافيا في بناء حضورها القوي على المسرح السياسي الدولي، عادت الى الشرق وأحيت بذلك موقعها كزاوية عريضة ومتحركة في المثلث الذي يتحكم بمنطقة الشرق الأوسط. بدورها إسرائيل الجسد الغريب عن المنطقة، تتحكم بالقوة بالزاوية الثالثة في المنطقة. وهي تستعد لاستعمار نهائي للضفة الغربية في فلسطين بعد أن نجحت في تقطيعها بالمستوطنات وفي فصل الضفة عن غزة. ولو كانت توجد حدود مشتركة بينهما لكان العالم وخصوصاً العرب قد عاشوا على وقع حرب في الشوارع بين فلسطينيي الضفة وفلسطينيي غزة تحت مسميات مختلفة. يكفي متابعة ما يفعله كل طرف بالآخر في غزة والضفة للتأكد من أن قتالاً لم تشهده هذه الأراضي ضد إسرائيل بشراسته وعنفه قد وقع وأدمى الشعب الواحد القابع تحت سكين الاحتلال.
من أقصى المغرب العربي الى أقصى المشرق العربي، لا توجد سوى دوائر الموت القذر. الجزائر والمغرب وموريتانيا ساحات مفتوحة للأصولية الظلامية. عشر سنوات سوداء أدمت الجزائر ولم تنته الحرب بعد. وهي مزقت الوجه المضيء للمغرب وإن بنسب متفاوتة، وهي أسقطت موريتانيا في شباك العسكر واسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا.
العراق الرجل المريض
وكأنه لا يكفي هذا الجزء من الوطن العربي هذه الحرب الظالمة والمظلمة، فإن حرباً أخرى بين الجزائر والمغرب حول الصحراء تمزقهما وتدمر اقتصاديهما منذ الاستقلال. الجنرالات وحدهم المنتصرون فيها لأنهم يصنعون مجداً لهم في السلطة أو يملأون أرصدتهم بالمال الحرام. الجزائر التي تملك النفط، بلغت ديونها عندما تسلمها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة 25 مليار دولار. وهي ما زالت غارقة في البطالة والتضخم.
بدورها ليبيا الجماهيرية العظمى التي بالكاد خرجت من الحصار والعزلة، غارقة حالياً في مخاض الوراثة وأسلمة النساء الايطاليات على يد ملك الملوك معمر القذافي في قلب روما.
أما مصر أم الدنيا التي يهدد النيل شريان الحياة فيها، حصول انفصال للجنوب عن شمال السودان، فإنها غارقة في مواجهة الأصوليين من جهة وانتقال السلطة فيها (بعد عمر طويل للرئيس حسني مبارك) بهدوء. مصر التي خرجت من الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ربحت السلام الخارجي ولم تربح السلام الداخلي مع استمرار الأزمات الاقتصادية واستتباعاتها على المجتمع المصري.
بعد مصر دور السودان الذي يخوض يومياً الحرب حتى لا يقسم الى ثلاث دول: الشمال والجنوب ومؤخراً دارفور، بدورها جيبوتي التي اصبحت قاعدة للجيشين الأميركي والفرنسي، تعيش على دفع مواجهة عسكرية مع اريتريا. ربّ ضارة نافعة. لولا الوجود العسكري الفرنسي لكانت أريتريا الباحثة عن دور لنفسها قد اجتاحتها منذ سنوات.
أما الصومال فحدّث ولا حرج عن الصوملة التي دخلت القاموس الدولي. الصوملة مرشحة للاستمرار خصوصاً بعد دخول القاعدة والعودة الى زمن القراصنة الذي برر تدويل القرن الافريقي.
من الصومال الى اليمن المهدد بأن يقسم الى ثلاث إن لم يكن الى أربع دويلات. الى جانب ذلك امكانية تحوّله الى قاعة للقاعدة، وساحة حرب لاستنزاف السعودية وانشغالها عن القضايا العربية بهذا النزف الظالم لها وللعرب معاً.
أما العراق الذي كادت العرقنة تحرقه نهائياً، فإنه ولسنوات طويلة وربما لعقود سيبقى الرجل المريض في المنطقة الذي بعد أن يخيف أصبح يخاف على مصيره.
في ظل استمرار الوجود العسكري الأميركي المباشر أو غير المباشر في القواعد العديدة المنتشرة على مساحته وعند بواباته الجغرافية الحساسة.
تبقى فلسطين ولبنان ومعهما سوريا. فلسطين حيث الأفق مسدوداً أمامها. ولبنان محكوم بالتوافق المتفق عليه في الخارج. ودمشق التي تعتقد انها أخيراً أمسكت بمفتاح المنطقة المحاذية لها وانها بذلك تصنع لنفسها دوراً يتجاوز امكاناتها، مع العلم ان كل ما يعيشه هذا المربع خاضع للكثير من المتغيرات لأن ثوابته نادرة وحتى انها لا تبدو ثابتة نهائياً.
ماذا إذاً؟
هل يوجد وضع أكثر سوءاً وسواداً من وضع كهذا لمنطقة أخرى في العالم؟.
يصعب العثور على منطقة أخرى، خصوصاً اذا ما أخذ في الاعتبار أن ما يجمع اجزاءها هو أعظم بكثير مما يفرّقها. لا داعي للدخول في طيات التاريخ وتفاصيل الجغرافيا. المثال الجديد ان هاتوياما رئيس وزراء اليابان الجديد يريد توحيد آسيا. البداية في اصدار عملة مشتركة عمادها الصين الشعبية واليابان لمواجهة المستقبل. وهو يرد على المتسائلين وماذا عن ذكريات الحرب بينكما والخلافات العميقة في الاقتصاد بينكما والنظام بينكما بقوله: روما لم يتم بناؤها في يوم واحد.
أما العرب فإنهم يمارسون هدم بنائهم يومياً. حتى كرة القدم تتحول فيما بينهم الى قنبلة تقتل وتدمر!.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00