8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ستون يوماً أمام الرئيس الأميركي للمبادرة وليس ادارة الأزمات ولبنان خارج الحصار والنار اذا استمر الوفاق

لم يحصل رئيس أميركي على فترة سماح طويلة كما حصل عليها باراك أوباما. في 20 كانون الثاني من العام المقبل، تكون قد مضت على دخوله البيت الأبيض وتسلمه الرئاسة سنة كاملة. الأميركيون بكل مؤسساتهم والعالم معهم أحاطوا أوباما بالصبر والهدوء والأمل أن يحمل كل يوم جديداً من القرارات والمواقف التي تثبت فعلاً انه يعمل من أجل التغيير الذي وعد به. هذا الموقف الأميركي والعالمي يعود الى ثقل التركة التي خلفها جورج بوش له وللديموقراطيين وللتغير.
أزمة مالية لا سابق لها في تكاليفها وآثارها وارتداداتها على الاقتصاد الأميركي والعالمي معاً. حربان واحدة في افغانستان تبدو مفتوحة لتصبح مستنقعاً أين منه الأفغنة التي سقط فيها الاتحاد السوفياتي وساهمت في تفتته. الجبهة الأفغانية تتطلب ارسال المزيد من الجنود اليها، مع ان الانتصار مستحيل والهزيمة ممنوعة.
وثانية، في العراق لا يعرف أحد بالضبط كيف ستنتهي هل تكون النهاية بقيامة العراق أم بتفتته وعرقنته مع ما يعني ذلك من زلازل ارتدادية على محيطه الجغرافي خصوصاً بعد ان أجمع الكل على أنه قلب منطقة الشرق الأوسط. ومسلسل من الأزمات والصراعات، لعل أخطرها وأصعبها الصراع العربي ـ الاسرائيلي وكيفية حله بوجود التطرف اليميني الاسرائيلي وتضخم العجز العربي وتنامي التطرف الأصولي. واخيراً وليس آخِراً، الملف النووي الايراني الشائك الذي كلما جرت عملية انتزاع للغم فيه تبين أن لغماً أكبر ظهر مهدداً بانفجار أكبر وواسع.
الشجاعة مع الحكمة
ستون يوماً أمام أوباما، ليعلن مبادرة أو حلاً يؤكد فيه انه جاء ليغير وليس ليدير الأزمات العالمية. مشكلته ان التغيير يجب أن يكون شاملاً في الرؤية والنهج والممارسة. لا تكفي الخطابات التي ألقاها في القاهرة وأنقرة وموسكو وغيرها ليحصل التغيير. كثيرون يتهمون أوباما حالياً، بأنه يملك الرؤية لكنه لا يملك الشجاعة. المبادرات الناجحة التي تنتج حلولاً تتطلب الكثير من الشجاعة، لأنه لا حل من دون تنازلات مؤلمة، ومواجهات حقيقية ضد تيارات فاعلة ومؤثرة مضادة للتغيير والحلول.
لا شك في ان أوباما يريد حل الدولتين للصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني لكن كما يبدو عاجزاً حتى الآن عن مواجهة التطرف الاسرائيلي في قضية أولية هي وقف الاستيطان. لا يكفي ان يقول ان بناء المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية وخصوصاً حول القدس أمر خطير جداً حتى يمكنه التحرك بفاعلية. القدس التي يجري حالياً تطويقها بجدار من المستوطنات عاجلاً أم آجلاً سيجعلها خارج التفاوض بحُجة تشكل هذا الواقع الجديد. اسرائيل خبيرة في هذا الجانب، تقضم وتهضم وتحوله الى واقع. وحيث المفاوضات تبدأ من النقطة التي انتهى اليها هذا الواقع. مهما قيل ويقال ان فلسطين كلها بكفة والقدس في كفة أخرى. رمزية القدس للمسلمين تعطيها حجماً اضافياً يصعب تجاوزه أو القفز فوقه، فماذا سيفعل أوباما؟.
الرئيس الأميركي يواجه مأزِقاً حقيقياً. اذا واجه بنيامين نتنياهو واتخذ موقفاً مماثلاً للرئيس جورج بوش الأب عندما جمّد القروض والمساعدات وقيمتها عشر مليارات دولار، فإن اللوبي اليهودي الأميركي سيعمل متحداً لتوجيه ضربة قاسية اليه في الانتخابات النصفية للكونغرس. خَسارة أوباما للأغلبية تعني تقييده داخلياً وعدم انجاز التغيير المطلوب كما فعل في خطوته الرائدة مع قانون اصلاح الضمان الصحي. واذا ترك أوباما نتنياهو يفعل ما يريد فإنه بذلك يطلق العنان للتطرف الفلسطيني والعربي نتيجة لليأس. ولادة التطرف من مستنقع العجز واليأس، هو الأخطر والأسوأ على المجتمعات العربية والعالم معاً.
في العراق، تصر الادارة الاميركية على تصميمها بالانسحاب العسكري الكامل مع نهاية العام2010. هذا لا يكفي. اذا انسحبت القوات الاميركية، والنظام العراقي لم يقف على رجليه، فان العراق كله سيتحول الى بركان قد يشعل المنطقة كلها. الصراع حاليا في العراق وحوله. الصراع هو بين فيدرالية تثبت التقسيم تحت دعاوي الديموقراطية ونظام مركزي يستوعب الاختلافات العرقية والمذهبية والقومية. هذا الصراع الذي اصبح مكشوفا على مستوى العراق، هو صراع اقليمي ـ دولي. التفاهم السوري الاميركي ـ السعودي على وحدة العراق وقيام نظام مركزي يحفظ للجميع من شيعة وسنة وعرب وأكراد كامل حقوقهم، يبدو وكأنه على نار حامية.
الرد الإيراني
هذ الحل لن يرضي إيران. السؤال كيف سترد على ذلك؟ هل يكون نسف الانتخابات التشريعية جزءا من هذه المواجهة بين الحلين؟ وماذا اذا استمر العجز في اقامة نظام عراقي جديد مع اقتراب الانسحاب الاميركي؟ الحل كما يقال جديا في مختلف مراكز البحث والقرار الاقليمية والدولية. ان وضع الجيش العراقي يده على النظام مع الاخذ في الاعتبار لكل قواه السياسية بما فيها حزب البعث الذي خرج بعد ان نشط تحت الارض طوال سنوات الاحتلال مطهراً من امراض الفردية والعشائرية والديكتاتورية.
من الآن، وحتى تظهر صورة الحل، سيبقى العراق وسط النار. ربما في الايام الستين المقبلة سترتفع حرارة الوضع اكثر مع مزيد من التفجيرات والاغتيالات. اوباما لن يستطيع ان يقف مكتوف الايدي. غياب مبادرة جادّة وشجاعة، سيدفع ثمنها غاليا من رصيده ومن رصيد الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة.
يبقى الملف النووي الايراني، لا يبدو ان طهران مستعجلة على الحل. بالعكس تعتقد ان السكين لم تعد فوق رقبتها. لقد حصلت على شرعية حق التخصيب بنسبة 3,5 في المئة. الآن تريد ان يتم رفع التخصيب الى 19,3 في المئة في اراضيها. احمدي نجاد يراهن كثيرا على ذلك، اعادة تسميته رئيسا للجمهورية جرت بقناعة كاملة من المرشد آية الله خمنئي، بأنه نجح بالتعامل مع واشنطن والغرب وهو قادر على اخذ الكثير منهم، لانه يملك اوراقا لها وزنها في المفاوضات.
مسؤول في المخابرات المركزية حاضَرَ في اسرائيل (كأنه يبلغ رسالة مباشرة وواضحة) قال: ان بلاده لا تستطيع خوض حرب ثالثة مع ايران في ظل الحربين الافغانية والعراقية. ايران تعلم ذلك وتراهن على هذا العجز. لا بل تعمل على تعميق هذا العجز في افغانستان والعراق وحاليا في اليمن، حيث كلفة الحرب بالنسبة اليها لا تعادل واحدا في المئة من مكاسبها. اذا استمرت هذه الحرب فترة اطول، فان اليمن كله مهدد بالتقسيم وبتحول جزء اساسي منه قاعدة للقاعدة على غرار الصومال، اضافة الى إشغال السعودية في حرب استنزاف طويلة مربكة. السعودية مضطرة حاليا الى الدفاع عن حدودها. الاستنفار العسكري على الاقل ان لم يكن المشاركة في عمليات حربية، صار ضرورة.
ستون يوماً امام اوباما ليثبت انه جاء ليغير وليس ليدير الازمات. ساعة الحسم بدأت تدق. اوباما مطالب بقرارات تنفيذية. مشكلة اوباما ايضا انه جاء بعد جورج بوش، كما جاء غورباتشوف بعد بريجنيف. تردد غورباتشوف وعدم شجاعته حوّلا البرستوريكا الى منشار قسم الاتحاد السوفياتي وفتته. الولايات المتحدة الاميركية لن تلقى مصير الاتحاد السوفياتي على يد اوباما، لأن الفارق ضخم وعميق في تشكل كل من الدولتين أرضاً وشعوباً. لكن إخفاق اوباما قد يعني تحول الولايات المتحدة الى دولة في نادي الدول التي تضم الصين الشعبية والاتحاد الاوروبي وروسيا والبرزايل.
وسط اعصار النار هذا، يبدو وكأن لبنان خارجها. هذا صحيح فالتوافق الاقليمي اولا واساس. وتوجه دمشق نحو التهدئة ودعم الوفاق اللبناني الداخلي، لانها تريد عبر هذا النجاح كسب التطبيع مع واشنطن ودعم التعاون مع السعودية على امل الحصول على الجائزة الكبيرة وفي العراق. لكن هذا ليس دعوة للنوم على الحرير. لم تتشكل الثوابت بعد حتى يقع الاطمئنان بأن لبنان خرج نهائيا من اعصار النار، للقوى اللبنانية مهمة ضخمة ومصيرية وهي دعم السقف الذي يحصن لبنان لمواجهة اي تغيير قاتل في لحظة مفاجئة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00