8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

واشنطن تؤيد المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية وتريد أفعالاً وليس أقوالاً من تل أبيب وطهران ودمشق

يكاد يكتمل رسم خارطة الطريق الأوبامية للعمل في منطقة الشرق الأوسط. أخذت عملية الرسم، عاماً كاملاً من الجهود والرحلات المكوكية الرسمية على أعلى المستويات السياسية والديبلوماسية، معظمها كان للاستطلاع والاستكشاف قبل اتخاذ أي قرار للانخراط النهائي في تعقيدات المنطقة التي ربما لتاريخيتها لا مثيل لها في العالم. هذه الجهود كلها لم تحصل لأن واشنطن تجهل الشرق الأوسط، ولكن لأن الرئيس باراك أوباما أراد أن لا يتحرك ويدخل في تفاصيل الحلول قبل مقاربة ومن ثم معاينة أسباب الفشل الأميركي التاريخي في المنطقة سواء في مواجهة الصراع العربي الاسرائيلي، أو في التعامل مع العراق الذي نتج عنه حرب واحتلال لا يعرف أحد كيف وأين سينتهيان وما سينتج عنهما.
النيات الطيبة لا تكفي
النيات الطيبة موجودة لدى الرئيس باراك أوباما وادارته، كما يبدو حتى الآن. لكن حركة التاريخ لا تصنعها النيّات وانما الاعمال. منطقة الشرق الأوسط بحاجة الى العديد من المبادرات المدروسة والشفافة المستندة الى جملة مواقف صلبة البناء والتوجه والتصميم الى درجة المواجهة. بدون ذلك لن يكتب النجاح لأي مبادرة، لأن أضعف طرف من أطراف النزاعات والصراعات قادر على نسف كل شيء وارجاع الوضع الى السابق.
ما يشجع حالياً ويدعو الى نوع من التفاؤل رغم انسداد الأفق العربي، ان الادارة الأوبامية مقتنعة كما يبدو بأن الأمن في منطقة الشرق الأوسط ليس مجرد ملف تتعامل معه مثل باقي الملفات الساخنة في العالم. الملفات الدولية يمكن أن تحل على نار هادئة لأنها مهما كانت معقدة ومتداخلة مع السياسة الأميركية الدولية، فإنها لا تشكل مركزاً لتوالد العنف المتحرك في أربع رياح الأرض وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركة. هذا دون الحديث عن المحافظة على امن النفط في المنطقة لأنه يعني أمن العالم كله، باختصار شديد فإن واشنطن تبدو مقتنعة حالياً وأكثر من أي وقت مضى ان أمن منطقة الأوسط يشكل جزءاً مهما من الأمن القومي الأميركي.
من السابق لأوانه الدخول في تفاصيل خارطة الطريق الأوبامية ولا حتى في وصف بنى المبادرات لحل ملفات المنطقة، لكن تظهر علامات عديدة على مقاربة أميركية جديدة تؤكدها تصريحات كثيرة خصوصاً ما قاله جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، الذي بلا شك أحد المعاونين الرئيسيين في رسم هذه الخريطة:
*لبنان ما زال في قلب اهتمامات واشنطن وهي تعمل كما فعلت دائماً مع الأصدقاء الاقليميين والدوليين للتأكد من دعمهم القوي للبنان. الجديد في التعامل مع لبنان هو طبيعة ومسار العلاقات مع دمشق. من الواضح ان تعامل دمشق مع لبنان سيبقى تحت المنظار والمتابعة والملاحقة. سلوك دمشق مع لبنان، حلقة أساسية في كيفية تعامل واشنطن معها. مع التأكيد انه مثلما يقول لبنان وسوريا من ان أمن الواحدة من أمن الاخرى، فإن واشنطن تقول اليوم ان دعمها لاستقلال وسيادة لبنان ليس على حساب سوريا، مثلما ان تطبيع العلاقات مع دمشق، لا يعني مقايضة استقلال لبنان وسيادته معها. لهذا تسير واشنطن على خطى باريس إذ تعتبر، ان العلاقات الايجابية مع دمشق تؤمن بعض الحماية للبنان.
*سوريا. ارسال سفير أميركي إلى دمشق، المسألة أصبحت اجرائية وهو لم يعد موضع نقاش. الرئيس اوباما أخذ قراره بإرساله. ان ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا هو فعل صداقة وتعاون وفي هذا دعوة لدمشق للمضي قدماً بالتعامل مع لبنان مكتمل السيادة. أيضاً من الواضح ان واشنطن حذرة جداً في توقعاتها للعلاقات مع دمشق لانها موضع اختبار لذلك من الصعب معرفة إلى أين ستصل. لا شك ان التعاون في العراق يبقى في قلب معادلة بناء العلاقات السورية - الأميركية والتي يمكن على ضوء نتائجها تحديد محطاتها وطبيعتها.
افغانستان المختبر لإيران
*فلسطين. أكبر التحولات في هذا الملف. يبدو واضحاً ان واشنطن فهمت انه لم يعد من الممكن تجاهل حركة حماس للخروج من الافق المسدود، يجب وجود ممثل كامل للفلسطينيين، هذا التواجد هو الذي يسحب ورقة الرفض الاسرئيلية للمفاوضات بأنه لا يوجد محاور فلسطيني مقبول وممثل للكل الفلسطيني. لأول مرة ترحب واشنطن وتتعاطف مع محاولة الفلسطينيين ترتيب البيت الفلسطيني. هذا الترحيب يعني دعوة للمصالحة بين حركتي حماس وفتح، لأنه من هذه المصالحة سينتج هيئة فلسطينية تجلس إلى الطاولة أمام الاسرائيليين وتنخرط في محادثات شاملة. هذا الاعتراف الأميركي يؤشر بوضوح ان أيام عزل حماس أصبحت معدودة. السؤال الآن كيف ستتصرف حماس مع الوساطة المصرية للتصالح مع فتح، أيضاً كيف ستتصرف فتح في هذه العملية المؤيدة بحماس من جانب واشنطن.
*ايران. المشكلة الرئيسية معها إعادة الثقة بينها وبين واشنطن والغرب. من الواضح ايضاً انه تحت باب المصلحة المشتركة في افغانستان لاقرار الاستقرار تجري مفاوضات حقيقية بين واشنطن وطهران. لم تصل هذه المفاوضات إلى نتائج نهائية لأنه لم يتم التوصل إلى حل نهائي للملف النووي الايراني
*إسرائيل. واشنطن تريد العودة بسرعة إلى المفاوضات. الإسرائيليون فهموا ذلك مثلما فهموا قلق واشنطن بما يتعلق بالقدس. لا يكفي ان يقول الاسرائيليون حول عودتهم إلى المفاوضات، واشنطن تريد افعالاً تؤكد ذلك. لأن المطلوب أن يشعر الفلسطينيون بأنهم يستطيعون المخاطرة والعودة إلى المفاوضات. آلية التعامل الاميركي مع اسرائيل هي التي ستحدد مستقبلاً امكانيات نجاح المبادرة الاميركية. ليس صحيحاً ان واشنطن لا يمكنها الضغط على تل أبيب. ما تملكه واشنطن من أوراق للضغط على تل أبيب، لا تملكه أي عاصمة في العالم. مهما بلغت ممانعة اسرائيل أمام واشنطن، فإنّ لها حدوداً لا يمكن لها العصيان. لكل شيء ثمنه، وثمن القرار الاسرائيلي سواء كان سلبياً أو إيجابياً يبقى ضمن الامكانات الاميركية الطبيعية.
إذا كان قرار باراك اوباما بالتعامل مع منطقة الشرق الاوسط من منطلق التغيير الذي وعد به، فإن براكينها قادرة على الانتظار مئة يوم اخرى وهي التي ما زالت مشتعلة او متفجرة منذ أكثر من سبعة عقود، بانتظار اعلان مبادرات حقيقية في مضامينها وآلياتها.
الادارة الاميركية أخذت قرارها الواضح للتعامل مع لبنان ومساعدته على ضمان استقلاله وسيادته انطلاقاً من قراءة جديدة لواقعه تأخذ بعين الاعتبار وقائع التاريخ والجغرافيا، دون الانزلاق في آلية تنتهي بالتسليم للتدخلات الخارجية لأن واشنطن ليست ساذجة، فهي تعرف جيداً الفرق بين الأقوال والأفعال.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00