أخيراً أعلن الرئيس باراك أوباما استراتيجيته المتعلقة بالحرب في أفغانستان. من الواضح أن أوباما يريد مشاركة حقيقية وفعلية جانب من حلفائه، وليس المشاركة الرمزية أو الدعم المعنوي. ايضاً وضع أوباما على الطرفين المحليَّين في أفغانستان وباكستان مسؤولية كبيرة في هذه الحرب، أعباء قتالية فعلية تواجههما. واشنطن تريد تأكيد أنها ليست وحدها في هذه الحرب غير الشعبية أميركياً، خصوصاً وأن تكلفتها كبيرة جداً وعائداتها غير مضمونة والأهم أن النصر فيها مستحيل والخسارة فيها ممنوعة.
استراتيجية الشراكة في أفغانستان
مسار المواجهة وربما الحل في أفغانستان فتح ذهاباً وإياباً. هذا التطور فتح شهية الآخرين ممن تعنيهم الملفات الساخنة في العراق وفلسطين واسرائيل والعرب عموماً والملف النووي الايراني، معرفة طبيعة المسارات المقبلة التي سيفتحها أوباما أو سيؤجل الاعلان عنها. مسألة الانسحاب العسكري الأميركي من العراق محسومة وبحسب الخطط المعلنة. رغم ذلك ما زال مطلوباً الكثير من الجهود وآلية مفصلة لتحديد مسارات الوضع الداخلي العراقي. لا يمكن للادارة الأميركية الانسحاب وترك الفوضى خلفها. الانسحاب جزء من عملية سياسية طويلة الأجل، يجب توافر الكثير من القرارات التنفيذية لإنجاحها. أمام أوباما امتحانات عديدة في العراق. أحد الشروط الأساسية لانطلاق أوباما، وجود استراتيجية تحدد مباشرة كيفية تعامله و تعاونه أو خصومته مع القوى الاقليمية المحيطة بالعراق من عربية وأجنبية.
أصعب ما يواجهه أوباما هو ملف النزاع العربي ـ الاسرائيلي بمساراته الثلاثة المعقدة الفلسطيني والسوري واللبناني. ربما المسار اللبناني هو أسهل المسارات وأصعبها في وقت واحد. ليس لدى لبنان ما يفاوض عليه، له حقوق يعترف الجميع بها، مشكلة ترسيم الحدود مع سوريا في مزارع شبعا، هي ربط نزاع سوري مع اسرائيل عبر لبنان. العقدة في المسار اللبناني، أنه لا يستطيع دخول مسار المفاوضات إلا بحصول توافق لبناني ـ لبناني، وتفاهم لبناني ـ سوري، لأنه اذا لم يعد من الممكن العمل انطلاقاً من وحدة المسارين، فعلى الأقل التنسيق والتعاون الفعلي بين بيروت ودمشق بحيث يستثمر كل طرف هذه الوضعية بما يحقق له مكاسب تقوّي وضعه وموقعه.
المأزق في المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي. لا يوجد حتى الآن سوى التطرف والرفض وانسداد الأفق. الثنائي بنيامين نتنياهو وأفغيدور ليبرمان لم يتركا للتطرف مكاناً يزايد عليهما، وأطرف ما في موقفهما أنهما يتهمان الفلسطينيين في غياب المفاوض. أوباما يعاني كثيراً من هذا الرفض والتطرف الاسرائيلي. حتى الآن تقدم خطوة وتراجع أكثر من خطوتين. من الصعب جداً قراءة أي خط واضح لاستراتيجية أوبامية فاعلة.
رغم هذا الغياب، فإن أوباما قادر على الفعل، الأوروبيون يستعدون للمبادرة، بحيث لن يطلب منهم العون، بالعكس سيجد نفسه مضطراً للصعود في قطارهم هذه المرة. الاتحاد الأوروبي الذي ترأسه السويد حالياً يستعد لإصدار قرار يمكن وصفه بالتاريخي خصوصاً اذا ما جرى قياسه على احداثيات الوضع الحالي.
المبادرة الأوروبية بقيادة السويد تقوم على اصدار قرار خلال الاجتماع المقبل يدعو الى اعادة تقسيم القدس لتكون عاصمتين لإسرائيل وفلسطين كما يدعو الى استئناف المفاوضات بهدف اقامة دولة فلسطينية مستقلة وديموقراطية وقابلة للحياة وتتمتع بتواصل جغرافي وتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية كعاصمة لها.
النقطة الأهم والتي يمكن أن تشكل نافذة على المسار السوري ـ الاسرائيلي هي رفض اي تغيير في حدود العام 1967 الا بموافقة الفلسطينيين. اذا ما جرى القياس على هذا البند فإنه يجب رفض أي تغيير في حدود 67 في الجولان المحتل إلا بموافقة دمشق. حتى الآن ترفض دمشق حصول أي تغيير. في النهاية تبقى المسألة معلّقة على المفاوضات.
هذا القرار سيشكل برأي الخبراء رسالة ضمانات للفلسطينيين في شأن مرجعية عملية السلام وأهدافها مما سيمهد لاستئناف المفاوضات. هذا القرار اذا صدر لاحقاً يعني ان أوباما يستطيع أن يتقدم وبيده ورقة دعم فاعلة ومؤثرة له.
المتطرفون الاسرائيليون
المتطرفان نتنياهو وليبرمان، يهددان الاتحاد الأوروبي بإبعاده عن مسار المفاوضات. هذا الموقف لا معنى له ولا يمكن قراءته إلا من زاوية الإحراج الذي يسعى إليه المتطرفون في اسرائيل. تركيا لا تثق اسرائيل بها، والآن جاء دور الاتحاد الأوروبي. روسيا غير مضمونة. الولايات المتحدة الأميركية في عهد الادارة الأوبامية غيرها في باقي العهود والادارات. السؤال مع مَن سيجلس نتنياهو ليتفاوض خصوصاً وأن الفلسطينيين بالنسبة إليه وللتطرف الاسرائيلي ليس لديهم ممثل كامل وشرعي.
في اسرائيل، يقولون ان نتنياهو يحكي في مجالسه غير ما يعلنه وأنه يردّد بأنه حان لأن يكون لإسرائيل حدود دائمة وانه حان الوقت، لاتخاذ قرارات صعبة، ومصيرية، وأنا من سيقوم بذلك؟ المهم ما يجري في العلن انه ورفاقه المتطرفين يعملون على أساس قاعدة اسرائيلية قديمة. العالم يعشق الكلام عن السلام وبوادر حسن النية. العالم أصبح يعلم هذه القاعدة الاسرائيلية. من بنود مشروع القرار السويدي تبدو هذه المعرفة واضحة ومؤكدة. العالم ومعه واشنطن يريدان أفعالاً وليس أقوالاً.
التطرف يحكم القرارات الاسرائيلية، ومن إحداثيات هذا التطرف انتظار اللحظة الأخيرة لاتخاذ قرار ايجابي في مواجهة اسرائيل.
صفقة شاليط
صفقة شاليط التي يجب أن تتم خلال الأيام المقبلة بعد أن كان مقدراً حصولها قبل عيد الأضحى، معلّقة على مسألة اطلاق سراح أحمد السعدات ومروان البرغوثي. تل أبيب تعلم جيداً أنها في النهاية ستضطر لإطلاق سراحهما، حتى لا يصبح كلّ منهما مانديلا الفلسطينيين لا سيّما ان البرغوثي حالياً هو عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأحد أبرز الأسماء لخلافة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
اسرائيل ستطلق ألف أسير فلسطيني تقريباً، وسيبقى عشرة آلاف أسير، بعضهم ما زال في الأسر منذ ثلاثة عقود. هذه العملية تشكّل ورقة التوت للسلوك الاسرائيلي الذي حتى جنوب افريقيا لم تعرفه في عز أيام الفصل العنصري.
الرئيس باراك أوباما قادر على الضغط على اسرائيل وليس صحيحاً انه عاجز أمام اللوبي اليهودي. الأمن في منطقة الشرق الأوسط جزء من الأمن القومي الأميركي، اذا وجد أوباما استراتيجية واقعية للتعامل مع ملفات العراق والنزاع العربي ـ الاسرائيلي بمساراته الثلاثة بعد أفغانستان، سيجد تعاوناً دولياً أقوى بكثير ومن دون تردد من الآخرين.
النجاح في هذه المسارات يدفع نحو النجاح في مسار التعامل مع ايران. كل نجاح هنا يسحب من يد ايران ورقة ضغط تقوّي موقعها التفاوضي، ويدفعها لأن تكون أكثر تعاوناً واعتدالاً. الفشل الأميركي على هذه المسارات يضمن الفشل في باقي المسارات لأنه يدفع الآخرين خصوصاً العرب للأخذ برأي التطرّف العربي والاسلامي القائم على أن الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية لا تفهم الا لغة القوة.
الى حين اعلان أوباما لاستراتيجيته في الشرق الأوسط، لا يجب أن نكتفي بالانتظار للصعود في القطار. حان الوقت، لأن نكون حاضرين ومعنا ايضاً استراتيجية أو على الأقل خطة واضحة للعمل. رغم كل البرودة وحتى الأفخاخ الموجودة في العلاقات العربية ـ الايرانية، يمكن استثمار ايجابية التفاهم لتحسين المواقع. ما يسهل هذا التوجه وجود تركيا ودورها الجديد في المنطقة. التوازن الاقليمي بين تركيا وايران، لمصلحة العرب، فهل من خطة لكل هذه التحولات؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.