8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

خمسون تحفظاً فرنسياً على مشروع القرار السويدي واعتراض على تقرير القناصل الأوروبيين

وحدها فرنسا تعارض مشروع القرار الذي يجب أن يصدر عن الاتحاد الأوروبي بمبادرة من السويد. المشروع يطالب بإعادة تقسيم القدس لتصبح عاصمتين لإسرائيل وفلسطين واستئناف المفاوضات لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وديموقراطية قابلة للحياة. هذه المعارضة الفرنسية عجيبة لأنها شددت دائماً على قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة وتأتي بعد انفراد القنصل الفرنسي في القدس الشرقية ورام الله بمعارضة تقرير صادر عن قناصل دول الاتحاد الأوروبي في المدينتين، أرسل الى بروكسل في 23 الشهر الماضي. ممثلية فرنسا في بروكسل قدمت خمسين تحفظاً على صيغة المشروع ووصفته بأنه غير متوازن وليس ايجابياً تجاه إسرائيل.
هذه المعارضة انقلابية على الموقف الفرنسي، خصوصاً عندما يعود شريط مواقف باريس أيام الرئيس جاك شيراك الى الواجهة لا سيّما لدى زيارته للقدس واشتباكه مع الشرطة الإسرائيلية. السؤال الكبير وهو: هل تصل المعارضة الفرنسية الى حد نسف مشروع القرار السويدي؟.
الآثار في خدمة الايديولوجيا
الواقع أن تقرير قناصل دول الاتحاد الأوروبي كما سربته إسرائيل لتؤشر الى حجم التحرك الحاصل ضد سياستها خصوصاً في ما يتعلق بالاستيطان، يشكل قفزة نوعية في هذا الجانب. التقرير يتهم الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس بأنهما تعملان وفقاً لاستراتيجية ورؤية تهدفان الى تغيير الميزان الديموغرافي لصالح الإسرائيليين وفصل القدس الشرقية عن أراضي السلطة الفلسطينية. التقرير يؤكد أيضاً على سياسة منهجية في معاملة الحكومة والبلدية للعرب في جميع الجوانب الحياتية والتنموية. والأخطر أن الحفريات في سلوان والبلدة القديمة ومنطقة جبل الهيكل حولت البحث عن الآثار الى وسيلة ايديولوجية تخدم الصراع القومي الديني والهدف منه تغيير الهوية والطابع المديني للمدينة.
التقرير الأوروبي لا يكتفي بالعرض الدقيق للتطور الحاصل في القدس الشرقية بل يذهب أبعد من ذلك بكثير، مؤكداً استثنائية العمل الذي قام به القناصل الأوروبيون بل يطالب التقرير الدول بالآتي:
القيام بنشاطات احتجاجية ضد إسرائيل.
فرض عقوبات على الجهات المتورطة في تخطيط وتنفيذ هذه النشاطات الاستيطانية في القدس وضواحيها.
العمل على تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية في القدس خصوصاً وأن إقفال كل المؤسسات الفلسطينية التابعة للسلطة يؤدي الى سيطرة حركة حماس على المدينة.
قناصل دول الاتحاد الأوروبي في القدس الشرقية ورام الله دقوا الجرس بقوة. لا شك أن مشاهداتهم ومعاينتهم اليومية للسياسة الإسرائيلية التهجيرية للفلسطينيين في القدس قد دفعتهم نحو صياغة هذا التقرير الذي فتح المسار أمام السويد للتقدم بمشروع قرارها في بروكسل خصوصاً وأنها ترأس الاتحاد لهذه الفترة. هذه الاستثنائية للتقرير تزامنت مع تقدم جهات إسرائيلية ليست بعيدة عن بنيامين نتنياهو في تسريبه لذلك، وبالتالي فإن السؤال عن الغاية من عملية التسريب خصوصاً وأنها لا تصب في مصلحة الحكومة الإسرائيلية.
ترى الأوساط الإسرائيلية نفسها، أن سلّم الأولويات لدى نتنياهو مختلف عن أولويات الآخرين في حكومته بالإشارة الى افيغدور ليبرمان ويعود هذا الاختلاف الى أن نتنياهو يعمل على تقديم نفسه كزعيم مفكر يتجاوز بمواقفه الرؤساء السابقين محاولاً أن يوازي نفسه بين غوريون سواء كانت هذه الصورة واقعية أو مبالغاً فيها، لتبرير سياسة نتنياهو أمام جمهوره بما يتعلق بقراره ايقاف الاستيطان عشرة شهور، وعلماً أن الانشطة الاستيطانية مستمرة جزئياً على الأرض، فإن نتنياهو أصبح يرى الصورة بواقعية أكثر وهو رئيس للوزراء يملك المعلومات الكافية عن الوضع داخل إسرائيل وخارجها. روما من فوق غير روما من تحت.
سلم الأولويات لنتنياهو
سلم الأولويات لدى نتنياهو كما يجري تسريبها تقوم على قاعدة أساسية هي وجود الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض ونهجه وسياسته التي في جميع الحالات ليست متحمسة لإسرائيل، لذا من الضروري القيام بجهود حقيقية ومقنعة حتى يبقى الخيط الرفيع قائماً معه. العامل الثاني في هذه القاعدةهو المأزق الإيراني. إسرائيل تعاني من التعامل مع الملف النووي الإيراني. تعتبر امتلاك إيران القوة النووية خطراً فكيف بالسلاح النووي الذي يشكّل مسألة مصير بالنسبة لها. لذلك كله من أولويات السياسة الإسرائيلية:
منع إيران من تطوير أي قدرات نووية عسكرية.
العثور على حل لخطر الصواريخ وقذائف الهاون. أي كيفية مواجهة حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة.
تحصين حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. أيضاً البحث عن التبريرات الكافية لأي معركة تخوضها سواء مع حماس أو حزب الله بحيث لا تتعرض لأي مساءلة شعبية أو قانونية أو دولية كما حصل معها في تقرير غولدستون بعد حرب الرصاص المسكوب في غزة.
أول ما يواجه إسرائيل في تنفيذ هذه الأهداف مسألة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية. حسب الخبراء الإسرائيليين انفسهم فإن بنيامين نتنياهو مضطر وهو يبحث ويعمل على تنفيذ أهدافه الى العمل على تجنيد تحالف دولي لفرض العقوبات الصارمة على إيران والعمل على تعميق دعم واشنطن له في منع إيران من التزود بالسلاح النووي.
هذان الهدفان المتكاملان يقودان حكماً الى تعميق تبعية إسرائيل للولايات المتحدة الأميركية.
لا تستطيع إسرائيل أن تطلب كل ذلك وتتمرد على الموقف الأميركي. واشنطن تعرف جيداً الآن أن أمن واستقرار الشرق الأوسط جزء من الأمن القومي الأميركي، الذي لا يوجد أميركي يقبل التلاعب به مهما بلغ تأييده لإسرائيل.
هذا الوضع الدقيق، هو الذي يدفع نتنياهو كما يرى خبراء إسرائيليون وغربيون الى الانزلاق رويداً رويداً نحو الوسط. مجرد قبوله بدولة فلسطينية مع نزع سلاحها يشكل تطوراً لا يمكن تغافله. ما يزيد من اندفاع نتنياهو نحو الوسط وبالتالي الاقتراب من أوباما، أن:
أوباما في بداية ولايته الرئاسية، بعكس بيل كلينتون الذي دخل على مسار الحل السلمي الفلسطيني الإسرائيلي في نهاية ولايته الرئاسية. لذلك فإن إمكانية المناورة مع أوباما ضعيفة جداً لأنه يملك الوقت الكافي للتعامل معها.
كلما اقتربت الانتخابات الفلسطينية جرى التصعيد الحاد للمنافسة بين السلطة وحركة فتح من جهة وحركة حماس من جهة أخرى، ما يفتح الأبواب أمام مزيد من التشدد خصوصاً في ما يتعلق بطلب تجميد الإستيطان الإسرائيلي نهائياً. بذلك تنخفض يومياً حظوظ نتنياهو في مقاومة طلب أوباما بتجاوز الأشهر العشرة الى فترة أطول تسمح بنجاح المفاوضات.
لا يمكن الجزم منذ الآن بصحة هذا التحول وإمكانية تحقيقه. المهم أن الوضع في حراك دائم، وأن النوايا الايجابية موجودة ومتوافرة. يبقى القرار الأوبامي هو الحاكم.
أيضاً كيف سيتصرف الفلسطينيون في مواجهة هذه الاستحقاقات؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00