عقارب الساعة تقترب من نهاية السنة، ولم يبق عليها أكثر من أسبوعين، لأن الاسبوع الثالث هو أسبوع أعياد الميلاد ورأس السنة. من الطبيعي أن يرتاح العالم من المناقشات والتهديدات، لكن بالتأكيد فإنّ الرئيس باراك اوباما أكثر الرؤساء والزعماء في العالم، أملاً بألا يخيّب الايرانيون آماله وتكون هدية عيد الميلاد له رداً إيجابياً منهم حول الملف النووي. لكن أوباما كان قد حدد نهاية هذا الشهر موعداً مع حسم إيران لموقفها للحكم نهائياً على نواياها.
لا هدايا في عيد الميلاد
على الأرجح ان اوباما لن يجد هدية من إيران له ليلة الميلاد. زمن الهدايا بين الدول انتهى من زمن طويل، واوباما أكثر الزعماء معرفة بذلك، فالولايات المتحدة الأميركية معروفة تاريخياً بسياستها البراغماتية، وتعاملها مع الواقع بكثير من الواقعية. ولذلك فإنها لا تقدم الهدايا إلا إذا كانت جزءاً من مسار محدد بوضوح وشفافية.
التصعيد الإيراني مستمر. لم تعد لغة التصعيد محصورة أو محتكرة بالرئيس أحمدي نجاد. أصبحت هذه اللغة إيرانية رسمياً. المرشد آية الله علي خامنئي دخل على الخط علناً في مواجهة التهديدات الغربية بالتصعيد وفرض عقوبات مشددة ضدّ بلاده. هذا التصعيد المتبادل لا يعني ان المحطة الأخيرة له ستكون في مواجهة مكشوفة. الطرفان يعلمان بالتأكيد صعوبة وقوع مثل هذه المواجهة لأن لا أحد سيخرج منها منتصراً بالضربة القاضية، وأنّ الخسائر المتبادلة ستكون ضخمة وغير محصورة بالطرفين أو بأطراف محددة ومحدودة. مثل هذه المواجهات تكون جزءاً من العولمة، أضرارها تطال الجميع. المسألة ليست متعلقة بحجم إيران، التي بجميع القياسات نقطة أمام البحر الأميركي. المسألة ان هذه النقطة هي من الزيت الذي سينتشر على نسيج قابل للاشتعال في أمكنة كثيرة بعضها حساس ودقيق للأمن الاقتصادي لاقليمي والدولي معاً.
واشنطن تريد الحصول على موقف أوروبي مكتوب قبل عيد الميلاد، حتى تتمكن من الانطلاق في مسار ضغط ضد طهران. بالتأكيد ستحصل واشنطن على هذا الموقف. باريس تشكل المحرك الاول له، لأنها الأكثر تشدداً في مواجهة طهران. المسؤولون الفرنسيون يعملون ويصرحون وكأنهم جوقة يديرهم مايسترو متمكن، كل واحد يلعب دوره باتقان. الهدف الكبير: فرض عقوبات أكثر قوة على إيران. السؤال هل يمكن لباريس وهي تعمل على فتح مسار التصعيد أمام واشنطن من اقناع موسكو وبكين بالسير معها؟
حتى لو كانت موسكو وبكين معاً مستاءتين من الموقف المتصلب لطهران، فإنهما برأي باريس غير الرسمي، لن تصلا الى درجة المشاركة في فرض عقوبات مشددة ضد طهران لا في الوقت الذي ترغب به واشنطن. المصالح الاقتصادية الخاصة بالعاصمتين أكبر بكثير من أن يضحيا بها على المذبح الأميركي، بعض التعاون الايجابي سيكون للتغطية عن الرفض العلني.
واشنطن في مأزق حقيقي، من جهة تريد معاقبة طهران ودفعها نحو موقف أكثر اعتدالاً، ومن جهة أخرى عدم تعريض وضعها لمزيد من المصاعب الاقتصادية. واشنطن ترغب جداً في معاقبة الحرس الثوري لأنه يشكل الرافعة الحقيقية للمشروع النووي الايراني وللموقف المتشدد الذي يعلنه الرئيس أحمدي نجاد. اذا نجحت عملية عقاب الحرس، يكون قد كتب لمسار التشدد ما يعادل خمسين في المئة من النجاح. المسألة هي في كيفية معاقبة الحرس الثوري من دون إلحاق الأذى والاضرار بالشعب الايراني، لأنه خصوصاً وان ذلك سيؤدي الى نتيجة عكسية، اذ سيتوقع حتى المعارضين للالتفاف حول النظام.
* معاقبة صناعة النفط الايراني، في وقت تعارض الصين الشعبية بشدة فرض اي عقوبات على هذا القطاع لما يلحق بها من أضرار اقتصادية جدية، بسبب العقود المشتركة مع طهران.
* عدم الانزلاق في حال معاقبة صناعة النفط الايراني باتجاه حصول موجة جديدة من ارتفاع لسعر النفط عالمياً في مرحلة ما زال العالم كله وليس الولايات المتحدة الأميركية يعيش فيه على وقع ارتدادات زلزال الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.
الاستباقات الايرانية والحرب الناعمة
كل ذلك يزيد مصاعب وصعوبات فرض العقوبات على ايران، لكن في الوقت نفسه لا يجب أن يؤدي ذلك بطهران الى اختبار جديد أصعب لصبر العالم الغربي عليها. طهران تعرف جيداً أن للحرب ألف وجه ووجه. الدليل ان المرشد آية الله علي خامنئي حذر من خطر استناد واشنطن ولندن على الانشقاقات داخل ايران. أي تصعيد الحرب الناعمة ضدها. هذا التحذير لا يكفي.
السؤال المطروح على القيادة الايرانية هو: ماذا تفعل وستفعل لرأب الصدع الموجود حالياً في المجتمع الايراني، حتى تنزع من يد واشنطن سلاح الحرب الناعمة؟ حتى الآن لا يبدو ان مساراً للاعتدال والمصالحة قد فتح في ايران. من الطبيعي اذا توقع مفاجآت على المدى الطويل.
التوجه نحو اصدار مجلس الأمن قراراً جديداً في مطلع العام الجديد أكثر تصلباً مما سبق وأقل تشدداً مما ترغب فيه باريس وواشنطن هو المتوقع. من الآن تجري مناقشات ومداولات بين العواصم خصوصاً بين عواصم الخمسة زائد واحد. (واشنطن وباريس وموسكو وبكين ولندن وألمانيا), من الطبيعي ان هذه المباحثات والمداولات ستتوسع دائرتها، متى أصبح الملف كله أمام مجلس الأمن.
لبنان بصفته عضواً موقتاً في مجلس الأمن ابتداء من العام المقبل سيكون في قلب هذه المداولات والمباحثات. لبنان وهو يدخل مرحلة من الاستقرار المدعم لسلمه الأهلي، يستطيع أن يلعب دوراً مهماً في هذا الحدث الاستثنائي، الدولي ولكن ايضاً بالنسبة له كثيرون يرون في هذه المصادفة الاستثنائية مأزقاً للبنان، سيحرجه أكثر مما سيدعمه. لبنان سيكون برأي هؤلاء محرجاً بين الوقوف مع المجتمع الدولي والانضمام الى الأغلبية التي في الأساس الولايات المتحدة الأميركة وفرنسا مع كل ما يعني ذلك من خصوصية في العلاقات. وبين أن يأخذ في الاعتبار موقع الجمهورية الاسلامية في ايران في المنطقة وخصوصاً بالنسبة للبنان بسبب العلاقة الناشئة مع حزب الله أحد المكونات الأساسية اليوم للشرعية اللبنانية.
لبنان حسب ديبلوماسي خبير بالمنظمات الدولية أمامه عمادة ديبلوماسية بالنار، لكنها فرصة حقيقية للعب دور ديبلوماسي ناشط وفعال يدعم وضعه الخاص. ما يساعد لبنان على مواجهة أي نوع من الضغوط خصوصاً من واشنطن وباريس. انه يمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن وأنه بذلك يلتزم الموقف العربي، الذي لن يؤيد أي مشروع يهدف الى تشديد العقوبات على ايران رغم معارضته ضمناً للمشروع النووي الايراني. لبنان لن يلعب دور اليمن عندما صوت وهو يمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن ضد قرار غزو العراق في حرب الصحراء.
أمام لبنان أقل من ثلاثة أسابيع لرسم خريطة طريق لديبلوماسيته في مواجهة هذا الحدث الدقيق. كلما كانت الخريطة واضحة ومحددة بدقة خرج لبنان بنسبة أكبر من المكاسب وبمتاعب أقل ضرراً أو سلبية فيه.
لبنان مضطر لخوض هذه التجربة التي يجب ألا يخاصم فيها واشنطن وباريس وطهران في وقت واحد ولا يجعل العرب أو جزءاً منهم، يغضب منه.
قدرته على ذلك كبيرة، خصوصاً في زمن حكومة وفاق يديرها بهدوء وتصميم وبروية وصبر الرئيس سعد رفيق الحريري.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.