عاد الحراك الدولي باتجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. لم يعد جائزاً ترك الفراغ يتحكم في مسارات هذا الصراع. لا يمكن التحكم في الولاءات خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. المشكلة من براكين مشتعلة أو في حالة مخاض للانفجار. على الأقل هذا ما يراه الكثيرون في باريس، يؤكدون حالياً ان التوتر الذي تعيشه المنطقة مضبوط، لكن لا توجد أي ضمانات باستمراره، كل شيء ممكن ولا شيء مستحيل لأن هذا الصراع هو أمّ النزاعات وولادات العنف الأصولي بجميع صوره وبكل انفلاته في كل الاتجاهات. ما يغذي هذا التوالد للعنف، وجود التطرف اليميني الاسرائيلي.
ثنائي المبادرة الأميركية ميتشل وروس
الرئيس باراك أوباما، يبدو متحفزاً ومستعداً للتعامل مع مطلع العام الثاني من ولايته الرئاسية، للبدء أولاً في عرض استراتيجية للتعامل مع ملفات الشرق الأوسط انطلاقاً من الملحّ جداً وهو الملف الفلسطيني الاسرائيلي. أفغانستان كانت البداية. النجاح أو الفشل نتيجة مؤجلة. المهم أن قطار التنفيذ قد انطلق. من الاستطلاع والدراسة يبدو أنه انتهى بالنسبة للادارة الأوبامية. حان الوقت للعمل.
الادارة الأوبامية تستعد لإطلاق مبادرة للإخراج المسار الفلسطيني الاسرائيلي من الطريق المسدود الذي ساهم مع كل ما يجري في العالم العربي انتاج أفق مسدود على مساحته الواسعة. المبادرة التي لم تكشف تفاصيلها بعد وانما فقط بعض ركائزها تحديد:
[ مرجعية للمفاوضات. هذه المرجعية ترتكز على قيام دولتين، حدود 4 حزيران 1967 حدودهما، اذا جرى تعديل الحدود فذلك يكون بالمقايضة بين الطرفين القابلين لذلك بعد مفاوضات جدية.
[ ان المفاوضات يجب أن تبدأ فوراً حول الحدود وتجاوز الخلاف حول المستوطنات. هذه الادارة الأميركية ترى الآن وبعد تجربة التعامل مع الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني ان طرح التوقيف النهائي للاستيطان كان خطأ تكتيكياً.
من الواضح ان المبادرة وبهذه الركائز تعمل على ارضاء الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي لرفع تحفظهما أو رفضهما القائم حالياً. الهيئة التي تصنع المبادرة، يديرها أساساً كل من ميتشل المبعوث الرئاسي ودنيس روس الديبلوماسي المخضرم والعنيف جداً في التعامل مع الشرق الأوسط.
حظوظ النجاح والفشل متساويان. لا يكفي الاعلان عن المبادرة. المطلوب خريطة طريق قابلة للتنفيذ، وآلية شفافة وفاعلة، وكثير من الارادات الحقيقية والصلبة، أما الكثير من النوايا الحسنة فلا تغني لأنها لا تبح سوى الآمال وليس الحلول.
ما يشجع باراك أوباما على اطلاق استراتيجيته حول الشرق الأوسط حتى ولو كانت تدريجية، مساراً وراء مسار، ان مختلف القوى الاقليمية والدولية تريد إخراج المنطقة من هذا المستنقع الغارقة فيه. طبعاً هذا الإجماع لا ينفي ولا يلغي جنوحاً من أطراف عديدة لتحقيق نقاط جديدة تراكم في تحصيلها لمواقع ومصالح أكثر وأوسع وأكثر غنى. اللعبة مفتوحة، وما على كل الأطراف المعنية إلا ان تعرف حدود قوتها وسقف طموحاتها حتى لا تنتج الحسابات الخاطئة الكارثة لها وللآخرين في زوايا عديدة من زوايا هذه المنطقة.
الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أكثر المتحمسين بين الزعماء الغربيين للعب دور طليعي على مسارات الحلول للأزمات في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً الفلسطيني الاسرائيلي. حماس ساركوزي لدخول التاريخ لا يعادله حماس. لذلك يكثر من طرح الأفكار وحتى المبادرات، لا يتعبه الفشل. ربما ينجح في رمية له، فلا ترتد الكرة إليه بدلاً من أن تنزل في السلة.
مبادرة ساركوزية قيد الطبخ
آخر المستجدات الساركوزية استعداده لطرح مبادرة جديدة تتناول إخراج المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين من غرفة الانعاش وإعادة الحركة الطبيعية لها. تقوم الفكرة- لأنها لم تتحول حتى الآن الى مبادرة- على عقد مؤتمر مصغّر في باريس تشارك فيه الولايات المتحدة الأميركية والفلسطينيون والاسرائيليون وفرنسا بالطبع. غموض الفكرة ما زال واضحاً، ماذا عن مصر والأردن وسوريا؟.
الرئيس الفرنسي، وجد في مباحثاته مع العاهل الأردني الملك عبدالله، خلال الأسبوع الماضي في باريس، حافزاً مهماً للعمل من أجل طرح هذه المبادرة التي لم تصبح علنية لأنها قيد الدراسة. الملك عبدالله أعرب علناً عن قلقه من الوضع الحالي وهو يريد فعلاً تحريك المسار الفلسطيني الاسرائيلي اليوم قبل الغد.
القمة التي ستجمع الرئيس الفرنسي مع نظيره المصري حسني مبارك يوم الاثنين القادم، خلال زيارة الأخير التي ستستمر ثلاثة ايام لباريس، ستكون تطورات عملية السلام في صلبها، اضافة الى السؤال الكبير هل الاتحاد من أجل المتوسط الذي يتشارك برئاسته مبارك وساركوزي قد دخل حالة الوفاة السريرية؟. توجه الرئيس المصري بعد باريس الى تركيا والسويد ولو في اطار قمة كوبنهاغن، تؤكد على أن الهمّ الأساسي هو الخروج من حالة الأفق المسدود.
معضلة ساركوزي في هذه الفكرة المبادرة الجديدة اذا ما أصبحت جدية وعلنية، انه يقوم وكأنه في سبات دائم مع أوباما. هذه المزاحمة من جانب الرئيس الفرنسي فشّلت حتى الآن كل مبادراته. لا يمكن لأي مبادرة مزاحمة للرئيس الأميركي أن يكتب لها النجاح لأن كل الأطراف تريده عرّاباً للحل. العلاقة مع ساركوزي ليست سوى مدخل أو جسر للعبور الى واشنطن.
ما يعيق مثل هذه المبادرة ما يقف ايضاً في وجه مبادرة أوباما متى طرحت، وهو ما العمل مع التمثيل الفلسطيني اذا ما أصرّ الرئيس محمود عباس على عدم ترشيح نفسه لولاية ثانية؟ من هو البديل؟ وهل ستعقد انتخابات رئاسية في ظل موقف حركة حماس والانفصال الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة؟. وماذا عن موقف دمشق، هل يمكن أن تقبل تجاوزها اذا لم تأخذ ضمانات حقيقية لتنشيط مسارها؟ ومن سيمنحها هذه الضمانات من دون نتنياهو، علماً أن ذلك لن يتم من دون تحوّله سياسياً وحتى ايديولوجياً؟.
أسئلة كثيرة كلها صعبة، لكن يجب أن تكون مدخلاً لصياغة اجابات عملية لاستمرارها جدراناً تعزز الخوف من انفجار التوتر المضبوط ليس فقط في فلسطين وانما على مساحة منطقة الشرق الأوسط كلها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.