كان يمكن لقمة دول مجلس التعاون الخليجي التي تُعقد في الكويت، أن تكون استثنائية في علاقاتها بمستقبل المنطقة كلها، لولا بؤرة النار المشتعلة حالياً في اليمن. توجه هذه القمة نحو اعلان وحدة نقدية تخلق من اقتصادات دول مجلس التعاون منطقة اقتصادية على نسق دول الاتحاد الأوروبي ووحدته النقدية اليورو، حدث مستقبلي بامتياز يؤسس لقيام مناطق اقتصادية أخرى في العالم العربي، لتكون هذه الوحدات النقدية مداميك حقيقية قوية وثابتة لإخراج العالم العربي كله من حالة التمزق والتنافس الدامي الذي اصاب ويصيب المجتمعات العربية قبل النظام العربي كله.
اليمن غير السعيد
اليمن لم يكن يوماً سعيداً. حالياً يشكل تحدياً للجميع، خصوصاً بعد أن أنتجت الاشتباكات الداخلية فيه انزلاقاً اقليمياً لا يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي الوقوف منه موقف المتفرج. دول الخليج مجتمعة تقف في خندق واحد مع السعودية بعد أن جرت عمليات الاختراق الحدودية من طرف الحوثيين ضد المملكة. هذه الوقفة طبيعية. لكن يبقى السؤال الكبير هو كيفية التعامل مع هذا الوضع الطارئ الذي لا يهدد اليمن وحده ولا حتى المنطقة الحدودية المشتركة السعودية اليمنية بل العالم كله بسبب الوضع الجيوستراتيجي الحساس لليمن من جهة وتمدد القاعدة الى المنطقة من جهة ثانية؟
وعي خطورة الوضع وصل في واشنطن الى درجة ان مركز الأمن الجديد في دراسة له يؤكد ان عدم استقرار اليمن يهدد المصالح الأميركية كلها. المطلوب أمام خطورة هذا التهديد بناء موقف دولي موحد ومنسق لمساعدة اليمن. لأن واشنطن حالياً تتعامل مع الأحداث الدولية، من زاوية الحرب العالمية ضد الارهاب في أفغانستان وباكستان، ترى وجود خطر حقيقي وجدي من انتقال هذا الارهاب ممثلاً بالقاعدة من هذا المربع الأفغاني الباكستاني اذا ما تلقى ضربات جدية مؤلمة وهو ما تسعى اليه واشنطن والحلف الأطلسي، الى اليمن بعد الصومال.
في اطار هذا التصور، ان اليمن شكل حتى الآن نقطة مهمة لانتاج العناصر للقاعدة ونشرهم على البؤر المشتعلة أهمها العراق وأفغانستان. في معتقل غوانتنامو السيئ الذكر، مئة معتقل يمني لا تجسر واشنطن على تسليمهم لليمن، لأن السجون اليمنية برأيها مدرسة مهمة لتخريج العناصر المتحمسة للقاعدة ولا أحد يضمن من أن يكون هؤلاء المئة فوجاً أكثر تشدداً وتصلباً من كل من سبقهم. مجرد امساك القاعدة باليمن، يعني ان منطقة القرن الافريقي وصولاً الى باب المندب قد سقطت بين فكّي كماشة مشكلة من الصومال في القرن الافريقي واليمن على باب المندب، المفتوح على المحيط الهندي.
دول الخليج منطقة اقتصادية واحدة
الداء في اليمن أقدم من الحرب الدائرة مع الحوثيين حالياً. الدليل ان الجنوب في حراك قاتل، والصراع على السلطة والخلافة في صنعاء على أشده، في وقت الاقتصاد اليمني منه انتقل منذ فترة الى غرفة العناية الفائقة. تقول التقارير الأميركية أن:
[ عام 2017 سينضب النفط في اليمن، بعد أن وصل انتاجه عام 2004 الى 460 ألف برميل ما يعني خسارة عائدات هذا النفط من جهة واضطرار الدولة لاستيراد النفط لاحتياجات الداخل مع كل ما يشكل ذلك من أعباء مالية ضخمة اضافية على الاقتصاد اليمني الفقير.
[ حجم البطالة في البلاد وصل الى 40 في المئة وهو في تصاعد مستمر. ما يؤكد ذلك ان 45 في المئة من اليمنيين حالياً هم دون سن الخامسة عشرة، وهم بذلك يستعدون لدخول سوق العمل في أقل من عدة سنوات دون وجود فرص لهم الان أو في المستقبل.
[ اليمن معرّض لكارثة بيئية ثم غذائية حقيقية، وخصوصاً أن 90 في المئة من المياه تستثمر في مشاريع غير جدية ومجدية.
استمرار زراعة القات وانتشاره على كل المستويات الشعبية والاجتماعية تحول الى داء أصاب شرايين الحياة الاقتصادية والاجتماعية والغذائية ولا يبدو وجود علاج فعلي له ولو على مستوى المستقبل المنظور.
[ ان الحروب والصراعات الدائرة من شمال اليمن الى جنوبه لم تعد تهدد النظام اليمني فقط كذلك وجود الدولة اليمنية ككل، أي صوملة اليمن.
معالجة الحالة اليمنية ضرورية وملحّة جداً. ولدول مجلس التعاون الخليجي دور مهم في ذلك. نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي، الصباح أكد و جود توجه لدعم اليمن اقتصادياً. لا شك ان هذا الدعم مهم جداً، لكنه يتطلب وضع سياسة شاملة أكثر خصوصاً من جانب اليمن. الدراسات الأميركية كما نشرها موقع الطريق الأميركي ترى:
وجوب خروج اليمن من النظرة الأمنية الضيقة الى النظرة الشاملة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويكون قيام الولايات المتحدة الأميركية ببناء موقف دولي موحد مكمل لمؤتمر العام 2006 للدول المانحة الوجه الآخر لهذه السياسة.
تتطلب هذه السياسة وضع خطة كاملة تقوم على اسس واضحة أهمها:
[ دعم مكافحة الإرهاب.
[ تقديم مساعدات مالية كافية.
[ فتح مسار جدي للمضي قدماً في تنفيذ سياسة مصالحات داخلية، لأن أصل المشاكل الخلافات الداخلية حول كل شيء من التنمية الى السلطة.
[ رفع الحكومة اليمنية نسبة اراداتها في محاربة القاعدة، الى مستوى محاربتها لأعداء النظام.
دول مجلس دول التعاون الخليجي هي المعنية الأولى بما يجري في اليمن، خصوصاً بعد انزلاق المواجهات مع الحوثيين نحو مواجهة اقليمية عسكرية أو سياسية واعلامية. ولكنْ للعرب كلهم أيضا حصة ودور في ما يحصل وفي صوغ الحلول ودعمها.
اليوم اليمن.. وغداً.....
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.