التقط الرئيس محمود عباس والوفد الفلسطيني الرسمي المرافق له في زيارته الرسمية للبنان، الرسالة التي تضمنها تكليف وزير الدولة وائل أبو فاعور بالعلاقات اللبنانية الفلسطينية. في أساس هذه الرسالة:
أولاً: ان العلاقات اللبنانية الفلسطينية، علاقات رسمية ومباشرة من دولة إلى سلطة وطنية. بذلك لم تعد تُدار بين الدولة اللبنانية ومنظمات فلسطينية، وإذا كان من شؤون وشجون لهذه المنظمات خصوصاً على الصعيد الأمني فإنها تكون عبر قنوات أمنية متعارف عليها ومعروفة جيداً. العلاقات الرسمية يتولاها في لبنان السفير المعيّن عبدالله عبدالله وهو ديبلوماسي مخضرم.
ثانياً: ان اختيار الوزير أبو فاعور الذي رغب زعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط توليه هذه المهمة يؤشر إلى جدّية سياسية غداة استعادة جنبلاط لخطابه العروبي انطلاقاً من الالتزام بالقضية الفلسطينية ومنح الفلسطينيين المقيمين في لبنان كامل حقوقهم المدنية بما يؤمّن لهم حياة كريمة وبكرامة.
ترتيب البيت الفتحاوي والفلسطيني
الرئيس الفلسطيني أبو مازن، يستعد لترك الرئاسة لخليفة له يُنتخب في العام المقبل، من دون أن يدفعه ذلك الى التخلي عن إدارة الوضع الفلسطيني داخل أراضي السلطة الوطنية وخارجها في الشتات. هذه المرحلة الانتقالية الصعبة والمعقدة داخلياً وخارجياً، تدور في ظل أفق مسدود، يثبته الانقسام الذي يكاد يصل إلى حالة الانفصال في الداخل بين غزة والضفة الغربية من جهة، ومن جهة أخرى وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة بزعامة بنيامين نتنياهو لا ترى في كل الوضع المتوتر رغم ضبطه سوى فرصة لتوسيع الاستيطان وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، لجعل حل الدولة الفلسطينية غير قابل للتنفيذ لافتقادها شروط الحياة، واكتمال هذا التطرّف في غياب أي مبادرة دولية جدّية سواء كانت أميركية أو أوروبية تتضمن خارطة طريق واضحة وقابلة للتنفيذ.
في لبنان، وهو أكثر ساحات العمل الفلسطيني تعقيداً وحساسية، حيث الأمنان اللبناني والفلسطيني متداخلان، لذا من غير المسموح ترك الثغرات القديمة والمتراكمة تتحوّل إلى بؤر تنتج أحداثاً تتحوّل بسرعة النار في الهشيم إلى كارثة من حجم مخيم نهر البارد. وفي هذا الإطار جرى التركيز على ضرورة إكمال مسار ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي على صعيدين:
حركة فتح، التي كلما استعادت حضورها وقوّتها في الوسط الفلسطيني داخل المخيمات في لبنان، شكّل ذلك ضمانة لترسيخ العلاقات الفلسطينية اللبنانية، خصوصاً وأنّ فتح ملتزمة بتثبيت العلاقات مع الدولة اللبنانية والعمل على ضمان الأمن الفلسطيني انطلاقاً من وحدته مع الأمن اللبناني.
وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بكل تنظيماته الفلسطينية والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية، وتنسيق المواقف. ما يعزز هذه العملية هو الاتفاق بين الفصائل خصوصاً بين حركتي فتح وحماس على عدم نقل الخلافات من الداخل الفلسطيني إلى الشتات في المخيمات المنتشرة من جنوب لبنان إلى شماله. الحركتان واعيتان لخصوصية لبنان، من جهة طبيعة تشكيل ونشاط حماس حيث كان وما زال سياسياً واجتماعياً لم ينحُ باتجاه السلاح والنشاط المسلح.
غادر أبو مازن لبنان وهو مطمئن إلى موقف لبنان وحكومته برئاسة سعد الحريري من الوجود الفلسطيني أولاً، ومن القضية الفلسطينية ثانياً، خصوصاً وأنّ العام المقبل سيشهد مشاركة لبنانية سياسية وديبلوماسية استثنائية على الصعيد الدولي بعد أن أصبح عضواً غير دائم في مجلس الأمن. وفي حركة تؤكد جدّية السلطة الفلسطينية في التعامل مع المسار الإيجابي للبنان، كلّف عضو اللجنة المركزية المنتخب اللواء توفيق الطيراوي بدراسة الوضع الفلسطيني في لبنان والعمل على صياغة الحلول وتنفيذها، وتثبيت القنوات اللازمة والضرورية للتعامل مع لبنان رسمياً. المعروف أنّ اللواء الطيراوي، الذي شغل قبل انتخابه في اللجنة المركزية لـفتح رئاسة المخابرات الفلسطينية في الداخل، هو عملياً ابن لبنان، لأنه نشأ فيه ودرس في جامعة بيروت العربية حيث كان مسؤولاً عن أمن التنظيم الطلابي لـفتح، ورافق الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات منذ العام 1970 حتى استشهاده.
الانسحاب والابتزاز
ترتيب البيت الفتحاوي حل في المرتبة الأولى على الصعيدين التنظيمي والعسكري. تنظيمياً، الملح هو تعبئة الفراغ الذي حصل بعد عودة السفير عباس زكي إلى الداخل وانتخاب اللواء سلطان أبو العينين عضواً في اللجنة المركزية من جهة، وضرورة صدور تشكيلات عسكرية جديدة سواء بعد إحالة عدد من القيادات إلى التقاعد أو لأن المطلوب إحداث تناغم واضح بين التوجهات الجديدة للحركة من القمة إلى القاعدة. ولا شك أنّ تكليف اللواء سلطان أبو العينين بالمفوضية العامة في لبنان يضمن له موقعه ويسمح بإجراء التشكيلات العسكرية المناسبة.
يبقى أن القيادة الفلسطينية التي التزمت التعامل الرسمي مع الدولة اللبنانية، ترى أن إعادة تنظيم السلاح الفلسطيني داخل المخيمات واجب فلسطيني. فهذا السلاح لم تعد مهمته النشاط أو المشاركة في أعمال المقاومة العسكرية منذ سنوات طويلة فكيف حالياً في ظل تطبيق القرار 1701 والتزام حزب الله به، بعيداً عن مسألة التزوّد بالسلاح بما يضمن استمرار جاهزية المقاومة في الجنوب ضد أي عدوان إسرائيلي مسلح.
أيضاً وهو من صلب التعاون الرسمي اللبناني الفلسطيني، كيفية التعامل مع ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وهو ما قرّر مؤتمر الحوار اللبناني سحبه، ولم يُنفذ حتى الآن رغم الإجماع الذي حصل عليه داخل المؤتمر. هذا الشلل في تنفيذ هذا البند المهم يعود إلى التداخل الحاصل فيه بين الداخل والخارج، إلى جانب أنّ حركة فتح لا تملك أي قرار فيه وهي خارجه بالكامل. ويبدو أنّ السلطة الوطنية الفلسطينية ومعها القيادات الفلسطينية في لبنان تريد مساعدة لبنان على حل هذا الملف من دون أن يدخلها في تعقيداته الخارجية.
تأكيد اللواء سلطان أبو العينين رفضه ابتزاز الأشقاء اللبنانيين، وأن يصبح سلاحنا موضوع مقايضة مقابل الحقوق الإنسانية والمدنية، وقوله يجب أن نقابل ما ورد في البيان الوزاري من التفاتة بتحية أكبر منها، وإعلانه يجب ألا نقول إن هذا السلاح لا نسلمه، الجميع يعرف أن السلاح خارج المخيمات يتحرك فقط بأمر أحمد جبريل.. كلها مواقف واضحة. والمعروف أن المعسكرات خارج المخيمات خاضعة إجمالاً لـالجبهة الشعبية القيادة العامة التي يرأسها أحمد جبريل المقيم في دمشق.
رفض الابتزاز الذي أعلنه اللواء سلطان أبو العينين للبنانيين وللدولة اللبنانية، جاء بعد أن حاولت القيادة العامة تقديم ورقة سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات أو بعضه إلى قوى سياسية على رأسها حزب الله وليس إلى الدولة اللبنانية، ما يعني حكماً الالتفاف على المسار الجديد للعلاقات الرسمية بين لبنان والسلطة الفلسطينية والمحافظة على تموضعها السابق بين القوى اللبنانية والمنظمات الفلسطينية ومنها القيادة العامة. واستناداً إلى مصادر فلسطينية مطلعة فإنّ رفض هذا الابتزاز جاء أولاً لمضمونه المخالف لمسار العلاقات المرسوم مع لبنان، وثانياً لأن القيادة العامة ومَن لفّ لفّها، يريد تأمين نقل الفلسطينيين المسلحين من معسكري قوسايا والناعمة اللذين عرض إقفالهما إلى داخل المخيمات الفلسطينية، والعقدة في ذلك أنّ عدد هؤلاء المسلحين مجهول وغير مضمون عدم نفخه مما سيخل حكماً بالتوازن القائم داخل المخيمات ويمهّد لنقل القرار الفلسطيني من بين أيدي فتح والتنظيمات الفلسطينية في الداخل إلى جانب عزل سلطة السلطة الفلسطينية. لذلك كله من الطبيعي أن يتم رفض مثل هذا التوجّه من اللبنانيين والفلسطينيين على الصعيد الرسمي أولاً والتنظيمات والقوى السياسية ثانياً.
المرحلة الانتقالية التي تعيشها المنطقة بانتظار صدور مبادرة دولية عمادها دور أميركي واضح وناشط، تفرض عدم الوقوف مكتوفي الأيدي بانتظار ما سيحدث. بالعكس تتطلب هذه المرحلة المزيد من النشاط والتحضير لمواجهة المستجدات والمتغيرات لصياغة وضع أكثر صلابة ووضوح وجاهزية، وهذا ما برزت بداياته حالياً على الصعيد اللبناني الفلسطيني.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.