وفاة آية الله العظمى حسين علي منتظري في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة في الجمهورية الإسلامية في إيران، تشكل خسارة واضحة وكبيرة للحركة السياسية مثلما هي خسارة كبيرة للعلم والفقه. فراغ كبير يحدثه غياب منتظري، لن يملأه أحد في المستقبل المنظور من مراجع التقليد. هذا واقع ثابت لن يغيّر منه شيئاً الموقف الرسمي حياله. سياسياً، لا يوجد مرجع تقليد في حوزة قم وغيرها، يتمتع بشرعيته الثورية وجرأته واندفاعه في قول الحق والحقيقة، حتى لو أدى ذلك الى خلافه مع الإمام الخميني وإبعاده عن الخلافة. في عزّ حياة الإمام الخميني خالفه في القرار وواجهه، وفي عزّ سلطة المرشد آية الله خامنئي قال كلمته مؤكداً وهو الواضع لنظرية ولاية الفقيه، أن الولي الفقيه يقوم بالارشاد ولا يتمتع بالعصمة. قبل وفاته بأيام حذّر رجال الباسيج من استخدام القوة ضد الناس لانهم بذلك ينحرفون نحو طريق الشيطان. المتشددون في إيران سيشعرون بالارتياح لهذا الغياب. أخيراً غاب ضمير الثورة والدولة الذي كان لا يغيب عن أي حدث حتى ولو كلّفه ذلك العزل والحصار. اما المعارضة فإن خسارتها كبيرة. لقد تعاملت معه من بعيد لكنها كانت تعرف انه صخرة تستطيع أن تستند اليه في قم أولاً وفي المفاصل الحية للقرار الشعبي. لكن من حظ هذه المعارضة وفي هذا الظرف بالذات انها بلا رأس واحد يقودها، وهي ما زالت حركة شعبية لم يكتمل بناؤها بعد.خسارة المعارضة لمنتظري لن تقتلها وان أدمتها.
وفاة منتظري حدث داخلي وخارجي
لا يمكن فصل هذا الحدث الداخلي في إيران عن التطورات الخارجية المتشكلة حول الملف النووي. ما يعزز ذلك أن قوى عديدة تراهن على تطور مسار المعارضة الداخلية واندفاعها للتأثير عميقاً في اختيارات النظام وقراراته. ترى دوائر دولية خصوصاً في باريس انه مهما قيل من أن ملف القوة النووية الإيرانية هو ملف قومي لا خلاف داخلياً في إيران حوله، فإن خلافات حقيقية تدور حوله داخل أروقة النظام، وفي عمق المجتمع الإيراني حول المسار الأسلم والأجدى لإيران في تعاملها مع الغرب وتحديداً واشنطن. الخوف من وقوع مجابهة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية مباشرة أو عبر الإسرائيليين حالة يومية شعبياً، إذ ما هي أهمية حصول إيران على القوة النووية في مقابل خسارة عامة خصوصاً في الاقتصاد.
واشنطن ما زالت غير قادرة على حسم خياراتها في التعامل مع إيران. يعود هذا التردد الى أن الإدارة الأميركية واعية بأنها هي التي ستدفع ثمن المواجهة سواء كان محدوداً أو ضخماً، وأن غيرها لن يدفع إلا القليل من خزينته ورجاله والكثير من التأييد الخطابي.
باريس الساركوزية، ترى ان سياسة النافذة المفتوحة مع إيران تنتهي في اليوم الاول من العام 2010. الرئيس باراك أوباما التزم بهذا الموعد للحسم مع إيران. خيار القنبلة أو القنبلة ما زال قائماً بالنسبة لباريس.
أي أن على إيران ان تعرف ان حصولها على القنبلة النووية يعني الحرب ضدها فوراً. مع العلم أن مسألة مشاركة فرنسا في اي حرب ضد إيران غير واردة، يبقى إذاً على واشنطن أن تقلع شوكها بيدها. الرأي في باريس، أن اقتراب ساعة الحسم يفرض التصعيد ضد إيران. طالما ان الحرب بعيدة، يبقى الخيار الآخر تشديد العقوبات ضد إيران.
قرار العقوبات ضد إيران، سيكون عاجزاً عن التأثير إذا لم يقع الاجماع حوله. هذا الإجماع يكون بمشاركة روسية صينية أو لا يكون. باريس تبدو مطمئنة الى أن مرحلة دولية جديدة للتعاطي مع الملف النووي الإيراني قد بدأت.
روسيا ستصوت، برأي باريس، الى جانب قرار تشديد العقوبات، الرئيس باراك أوباما قدم لموسكو من الضمانات ما يطمئنها.
القاعدة لهذه الضمانات ضمان مصالحها المستقبلية في إيران حتى لا يتكرر معها ما حصل في العراق. موسكو شاركت في الحرب ضد نظام صدام حسين والأميركيون حصدوا وحدهم نتائج الحرب في كل ما يتعلق بمستقبل العراق اقتصادياً. واشنطن قدمت لموسكو الضمانات اضافة الى شيء ما يتعلق باتفاقية ستارت النووية.
كذلك الأمر بالنسبة للصين الشعبية. على الأقل لن تستخدم حق الفيتو، لأن بكين لا تتحمل العزلة عن المجتمع الدولي من جهة، ولأنه جرى التأكيد لها أن مصالحها ستبقى كما مصالح روسيا خارج العقوبات من جهة أخرى. في باريس لا يستطيعون تقديم الادلة والبراهين الكافية حول مثل هذه الاتفاقات اولاً، وثانياً لا يجيبون عن السؤال الكبير: إذا كانت المصالح الروسية والصينية خصوصاً في قطاع النفط سيتم المحافظة عليها، فماذا ستتضمن العقوبات؟ قطع الماء والهواء عن العراق حتى لا يتأثروا بها؟ وما معنى هذه العقوبات إذا لم تؤثر على قطاع النفط العراقي؟
توتر العلاقات بين أوباما وساركوزي
في الوقت الذي يرفض مسؤولون فرنسيون الحرب ضد إيران، لأن الحرب غبية وهي أكثر غباوة لأنها ستجري في منطقة لا ينقصها التوتر والحروب، فإن رسميين فرنسيين يرون أن باريس مثل عواصم أخرى لا يشيرون الى تل أبيب يئست من الموقف الإيراني، لا إمكانية لتغيير وجهة النظام الإيراني إلا في حالة واحدة، وهي تعرضه لتهديد وجودي. الدليل ان الإمام الخميني غيّر وجهة نظره في الحرب مع العراق وقبل شرب السمّ عندما شعر بوجود خطر وجودي على نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. خلاصة هذا الموقف أن التشدد في وجه طهران سيدفعها الى الجلوس على طاولة المفاوضات فور شعورها بأن العقوبات تهدد النظام مباشرة.
هذا المنطق الفرنسي للتعامل مع طهران يتكامل مع قراءة مسار الوضع الداخلي الإيراني والخطاب الرسمي معاً. من ذلك أن إعلان طهران عن استعدادها لرفع نسبة تخصيب الاورانيوم الى عشرين في المئة بدلاً من 3,5 في المئة وبناء عشرة مفاعلات نووية جديدة هو مجرد توجيه رسائل الى الداخل لتقوية موقفه ورفع نسبة التأييد الشعبي للنظام، ذلك ان:
إيران لا تملك التقنيات الكافية لإحداث مثل هذه القفزة النوعية.
لا تملك إيران أيضاً الشبكة الكافية من العلماء والمهندسين لبناء عشرة مفاعلات دفعة واحدة. كما لا توجد كميات كافية من الاورانيوم لتشكيل هذه المفاعلات.
ان الاقتصاد الإيراني لا يستطيع تحمل كلفة عشرة مفاعلات خصوصاً وان سعر النفط حالياً وفي المستقبل المنظور لا يلبي حاجات الاقتصاد الإيراني المريض لانه لم يتم تجديده ورفده بقطاعات اقتصادية منتجة كما يجب.
أخيراً تجد باريس ان المعارضة الإيرانية الشعبية تنمو جدياً وان كان بشكل بطيء، وأن من حظ هذه المعارضة في الوضع الراهن عدم وجود قائد فعلي لها، مما يصعب ضربها ويبعثر الجهود لمحاصرتها.
مهما كان موقف باريس متشدداً فإنه لن يكون حاسماً ولا حتى مؤثراً في اتخاذ واشنطن قرارها النهائي في كيفية التعامل مع طهران. سيبقى القرار لواشنطن لأن كلفة الحرب من كيسها، وتفاهمات الحل السياسي ستكون من حسابها. ليس لباريس أكثر من حق إبداء الرأي والموقف خصوصاً في ظل التوتر في العلاقات الشخصية بين الرئيسين باراك أوباما ونيكولا ساركوزي.
في هذا الوقت، تتابع إيران مناوراتها. تتقدم خطوة نحو التفاوض لترجع خطوتين الى الوراء. طهران تعرف أن الساعة الرملية آخذة في الانتهاء. لذلك يقال في باريس إنها تستعد لمفاوضات جدية وعلى مستوى عالٍ مع واشنطن.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.