تظاهرة يوم عاشوراء في طهران، كسرت المحرمات. تصعيدان حصلا أثناء الصدامات وبعدها. المواجهات التي حصلت بين المتظاهرين حتى ولو كانت أعدادهم محدودة أكدت أن حاجز الخوف قد سقط. المتظاهرون تبادلوا في الشوارع الهجمات مع رجال الأمن من شرطة وحرس وباسيج بوجوه مكشوفة. الدماء التي سالت في بولفار انقلاب أي الثورة، عمّدت الأحداث بدماء كان من المفترض ألا تسيل في عاشوراء. الخوف الآخر جاء من النظام. شعر الممسكون بمفاصل السلطة من المحافظين المتشددين، أن الشرخ الذي وقع مع إعلان فوز أحمدي نجاد بالرئاسة في 12 حزيران الماضي، يتحول بسرعة الى زلزال خطير بقوة درجته وتردداته.
تصعيد مزدوج
هذا الخوف الذي تجاوز القلق المعتاد، ترجم بالتفاف المحافظين على مختلف أطيافهم حول النظام. وحدة المحافظين بدت واضحة. لكن الخلاف حول الآلية التي يجب اتباعها أصبح واضحاً. المتشددون صعدوا من مطالبتهم بمعاقبة قيادة الانتفاضة الخضراء. أحد مساعدي المرشد آية الله علي خامنئي طالب بإعدامهم. أحمدي نجاد خونهم وجعلهم بوقاً لمؤامرة صهيونية أميركية. فقط علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الذي طالب بأشد العقوبات ضد المتظاهرين، فرّق بين الإصلاحيين وأعداء الثورة. كلام لاريجاني كان دعوة للآخرين للعقل والتعقل. يبدو أنه شعر بالخطر القادم المتمثل في انخراط النظام كله في اللجوء الى استخدام القبضة الحديدية من دون ضوابط.
كلام لاريجاني شكل دعوة للآخرين من المحافظين المتشددين خصوصاً النجاديين منهم للعقل والتعقل في المواجهة والعقاب. يبدو أن لاريجاني شعر بالخطر القادم المتمثل في انخراط النظام كله في عملية عقاب واسعة لا تفرق بين أطياف المعارضة، التي الأكثرية منها تريد التغيير من داخل الجمهورية وفيها، وبين الذين يعملون لإسقاطها. مثل هكذا سياسة عقاب جماعية، تشكل تصعيداً لن يحل شيئاً. الأخطر أن ينتج عن ذلك انقسام عمودي داخل المجتمع الإيراني يمكّن الخارج من القيام بما لم يقم به حتى الآن، وهو تحويل المواجهة المحدودة بين إصلاحيين تغييريين ومحافظين متشددين الى مواجهة غير محدودة ضد الجمهورية. بذلك تتحول الانتفاضة الخضراء الى ثورة كانت خارج كل الحسابات في 12 حزيران الماضي.
انخراط المرشد في مسار المواجهة الحاسمة له مؤشراته رغم إمكانية انسحابه منها في لحظة معينة. الاعتقالات طالت الدائرة الأولى حول الترويكا القيادية. الشيخ طبسي طالب بـوضع الحد على ترويكا قيادة الانتفاضة الخضراء: الرئيس السابق محمد خاتمي والمرشحان للرئاسة مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي. من مجموعة خاتمي اعتقل حسن رسولي ومرتضى حجي، ومن مجموعة موسوي علي رضا بهشتي وقربان بهرديان ومحمد باقريان، الرجل الأول في مجموعة موسوي هو ابن آية الله بهشتي أبرز مؤسسي الثورة الذي كان مرشحاً للعب دور أساسي لو لم يقتل في حادثة التفجير الضخمة ضد الحزب الجمهوري.
كما قتل ابن شقيقه وهو من مساعديه في عملية وصفها أنصار موسوي بأنها عملية إعدام مبرمجة، بينما برأ النظام نفسه منها واعتبرها جريمة قام بها الأعداء. وبالنسبة للشيخ مهدي كروبي فإنه سبق أن اعتقل وحُوكم أبرز مساعديه ومنهم الشيخ أبطحي، كما جرى التعرض له أكثر من مرة، وأخيراً حُوصر منزله بما يفرض عليه الإقامة الجبرية عملياً.
اختار المرشد حلاً وسطاً. القرار بنفي موسوي وكروبي يحول دون اعتقالهما ومحاكمتهما حتى الآن. لكن المطالبة بوضع الحد الشرعي على الآخرين يعني تصعيداً غير مسبوق مع الباقين. التطورات تؤشر الى صدور أحكام قاسية جداً، بعضها الإعدام وتنفيذها فوراً، لفرض موجة من الخوف والذعر. سؤال كبير يبقى مطروحاً: ماذا عن الشيخ هاشمي رفسنجاني، هل يحافظ على صمته ورأسه، وهل سيحميه ذلك، وماذا عن عائلته؟
الخوف والقدرة
آلية هذا التصعيد إذا نفذت رغم كل المحاذير والمخاطر، سيقوم بها النظام ليس فقط تحت ضغط الخوف من تطور الشارع الإيراني وإنما لأنه يشعر بقدرته على ذلك أولاً، ولأنه بحاجة شديدة لذلك، خصوصاً أن الظروف تساعده داخلياً وخارجياً في وقت واحد، من ذلك:
إن الحرس الثوري ومعه الباسيج يمسكان الجانب الأمني بقوة، وهما لم يستعملا حتى الآن قوتهما وهما يملكان الكثير منها، ما يضمن ذلك التزامهما الايديولوجي والديني، بعكس الجيش المبعد في الثكنات، وعلى الحدود.
إن الانتفاضة الخضراء لم تستطع بعد أكثر من ستة أشهر من كسر دائرة انتشارها شعبياً وجغرافياً. فالانتفاضة ما زالت محصورة داخل الطبقة المتوسطة التي وإن كانت واسعة وقوية إلا أن من يشعل الشارع فعلياً هي الجماهير الريفية التي ما زالت ساكتة. الدليل على ذلك أن جنوب طهران (حيث الوجود العميق للطبقة الفقيرة) لم يشهد حتى الآن تحركاً شعبياً ولو محدوداً، كما أن المظاهرات لم تصل الى عمق إيران في الريف والمدن الأساسية، وإن شملت في الفترة الأخيرة بشكل محدود أصفهان بسبب وفاة آية الله العظمى حسين منتظري ابن نجف آباد.
إن البازار ما زال خارج كل الأحداث حتى الآن لم يقفل متجر واحد احتجاجاً على ما يحصل. مشاركة البازار في المعارضة أكثر من ضرورية لكي يقع التحول الكبير.
إن المؤسسة الدينية شبه ساكتة رغم وجود بعض المعترضين من آيات الله. وفاة الشيخ منتظري أفقدت قم الجامع المانع للمعارضة داخل المؤسسة الدينية. المعارضون الباقون لا يملكون الجرأة كما يبدو للقيام بدورهم. طوال العشرين سنة الماضية جرى تفريغ المؤسسة الدينية من المراجع القادرة على الجمع والجرأة في التمثيل.
خارجياً، الغرب وعلى رأسه واشنطن وباريس المتشددة يشعر أن دعم المعارضة بقوة، سيعطي نتائج عكسية داخل إيران، لأن النظام سيشرع قمعه بتأكيده لـعمالة المعارضة للغرب. كما أن باريس وواشنطن تعتقدان أن النظام قادر على استثمار الملف النووي سلاحاً لتوحيد الشعب الإيراني حوله. أخيراً وهو الأخطر أن بعض الدوائر الغربية لا تعتقد فعلاً بقدرة الشارع الإيراني على التغيير استناداً الى ما يحصل حالياً.
الغرب (وتحديداً باريس وواشنطن) أصبح قلقاً من فرض عقوبات جديدة على إيران لأن النظام سيستخدمها لتأليب الشعب الإيراني حوله بدعوى أن الغرب يريد تجويعه وضرب عزته. إضافة الى أن الغرب كله يعرف جيداً أنه حتى ولو انضمت روسيا الى العقوبات، فإن إيران ليست العراق، حدودها مفتوحة مع الدول المحيطة بها، وهي قادرة على كسر العقوبات عملياً. كل ما سيحصل أن كلفتها ستكون أكبر.
النظام الإيراني يعلم جيداً حراجة الموقف الغربي ويثق بقدرته على المناورة والذهاب بعيداً في التصعيد داخلياً وخارجياً في وقت واحد. لذلك فإن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التصعيد في استخدام القوة. الحل السياسي ما زال بعيداً. وعلى الرغم من الثقة الزائدة للنظام فإن عقبه نقطة اخيل، وهي قاتلة، إما بسبب خطأ في الحسابات، وإما لأن كل ذلك يقود نحو عسكرة النظام، خصوصاً وأن تفريغ قم من الأسماء القادرة على خلافة المرشد آية الله علي خامنئي سترتد ضد نظام ولاية الفقيه.
الحل الأمني قد يدفع نحو فرض الهدوء على الشارع الإيراني. السكون سيكون موقتاً، كمثل سكون البراكين التي تهمد لتنفجر أحياناً في أسوأ الأوقات.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.