8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

قلق فرنسي من تراجع أوباما داخلياً وغرقه في أفغانستان وغياب الأفكار الجديدة لمسارات السلام

لم يشعر الرئيس سعد الحريري والوفد الوزاري الكبير المرافق له بالصقيع الاستثنائي الذي يلف باريس هذا العام، بسبب ارتفاع درجة حرارة الاستقبال الفرنسي له على جميع الصعد. البرنامج تجاوز قواعد البروتوكول، كان عملياً مسألة تأكيد على المعرفة والتعاون بين الرئيس الحريري وجميع المسؤولين، وفي طليعتهم الرئيس نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء فرانسوا فيون. بهذا شكلت هذه اللقاءات والاتفاقات التي وقعت، في الزيارة التي وصفت بأنها زيارة دولة، رسالة رسمية واضحة بأن العلاقات التي تربط باريس بالحريري عميقة وجدية ومستقبلية وان كان قد غاب الطابع الشخصي الحار، فإنّ الطابع الرسمي الحار انتج وينتج توازناً واضحاً، يبقي على فرادة العلاقات الفرنسية اللبنانية التاريخية.
الحريري: رجل الدولة
لم تخفِ باريس، على مختلف الصعد، اغتباطها وهي ترى سعد الحريري يتصرف كرجل دولة عريق وعتيق، وكونه أصبح عضواً في نادي الرؤساء في لبنان. بعيداً من الطابع الشخصي، فإن باريس التي خصت الحريري والوفد المرافق له ارادت التأكيد مباشرة بانها تدعم في شخص الحريري دولة المؤسسات. لا شيء يعادل، برأي باريس العمل لقيامة لبنان وتثبيت استقراره ودفع مسارات التنمية والإصلاحات فيه مثل دفع مسارات إكمال بناء المؤسسات فيه.
طبعاً باريس تعترف أن طريقتها في الزمن الساركوزي للتعامل والعمل مع لبنان مختلفة جداً عن الزمن الشيراكي. لكن الاختلاف في أسلوب العمل لم يلحق بالأهداف. فرنسا الساركوزية ما زالت متعلقة بتحقيق الأهداف الموضوعة من قبلها، لكي يتأكد استقرار لبنان ودعم عملية التنمية فيه. وفي خطوة فائقة السرعة بهذا الاتجاه لوحظت ليونة لا سابق لها فرنسياً في التعامل مع احتياجات لبنان الاقتصادية والمالية، وقد لوحظ أيضاً اغتباط فرنسوا فيون وهو يعلن أن فرنسا هي الشريك الاقتصادي للبنان متمنياً تزايد التعاون بين البلدين.
الرئيس سعد الحريري ركز أمام مضيفيه على أن أولويته الحفاظ على الاستقرار والتنمية والديموقراطية بهذا أوضح الحريري أن أهدافه وهي تتقاطع مع رؤية فرنسا، يستحق انتباهاً أكثر وخصوصاً أن حركته داخلياً وخارجياً لم يكتمل بناؤها بعد لان لبنان بالكاد خرج من الشلل الذي عاناه طوال الفترة الماضية.
باريس، وهي تؤكد على ارادتها في دعم لبنان ومساعداتها ارادت معرفة الجهات التي تساعده في انجاز ما يريده على طريق الاستقرار والتنمية والجهات التي تعرقل مسيرته هذه. عبر هذه المعرفة يمكن لباريس صياغة مساعداتها السياسية والاقتصادية وتحديد كيفية التدخل مع الأطراف المعنية سواء كانت داخلية أو خارجية للإصلاح أو لإزالة العراقيل وفتح المعابر.
عنوانان كبيران برزا اثناء المباحثات الرئاسية الى جانب مسألة بناء الداخل اللبناني وخصوصاً انهما متداخلان بقوة وهما: العلاقات مع دمشق وهواجس التهديدات الإسرائيلية. فرنسا أكثر من جميع الدول معنية بالعلاقات مع دمشق، فهي التي بادرت من بين كل الدول الى تطبيع علاقاتها بها متحملة اللوم وأحياناً النقد الصريح الى درجة اتهامها بالخيانة. لذلك فإن فرنسوا فيون هنأ نفسه وبلاده على السبق في الانفتاح على دمشق.
الواقعية السياسية
الواقعية السياسية طبعت كلام الرئيس سعد الحريري الذي أكد ان استئناف العلاقات بين لبنان وسوريا بحاجة الى الوقت بعد سنوات كانت فيها مغلقة، ولذلك نحتاج الى الوقت والهدوء ومساعدة الأصدقاء. فيون سارع الى الرد ايجابياً فهو سيزور دمشق في الشهر المقبل. بذلك أكد رئيس الوزراء الفرنسي لنظيره اللبناني أن بلاده تتابع مسار العلاقات اللبنانية السورية وانها ناشطة في مساعدتها وصولاً الى التطبيع الشامل والكامل على أسس صحية وسليمة.
إسرائيل لها في كل عرس قرص كما يقال.
لقد كانت تهديداتها حاضرة، باريس لا تستطيع أن تقوم بهذا الخصوص أكثر من التطمينات. الضمانات تبقى غائبة وخصوصاً ان كوشنير وزير الخارجية الفرنسي الصريح جداً ربط عملياً بين التهديدات الإسرائيلية والملف الإيراني. باريس تبقى متخوفة من أمرين:
أن تقوم إيران بالهروب الى الأمام بسبب وضعها الداخلي فتعمل على تفجير الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية عن طريق حزب الله.
أن تقدم إسرائيل على عمل ما بحُجة سلاح حزب الله. في الواقع أن تقوم بعملية هروب الى الأمام لفشلها في مواجهة الملف النووي الإيراني.
بدوره، رد الرئيس الحريري على ذلك بالطلب من فرنسا العمل لوضع حد للخروق والتهديدات الإسرائيلية المرتبطة برفض إسرائيل الدخول في عملية السلام.
تبدو باريس على صعيد عملية السلام متشائمة وتشاؤمها نابع من التراجع الذي لحق بالجهود الأميركية، فهي عملياً تعاني الفشل والرئيس باراك أوباما، وهو يحتفل بمرور عام على دخوله البيت الأبيض، يعاني التراجع داخلياً وفي الشرق الأوسط وغرقه المستمر والمتواصل في المستنقع الأفغاني الباكستاني.
كل ذلك أدى برأي باريس الى تراجع أولوية ملف الشرق الأوسط على الصعيد الأميركي. وقد فوجئت باريس بأن جورج ميتشيل المبعوث الرئاسي الأميركي لا يملك افكاراً جديدة حول الشرق الأوسط، خلال زيارته باريس ولقائه الرئيس الفرنسي. لذلك باريس تريد العثور بالاتفاق مع واشنطن على طريقة أو أفكار جديدة لإطلاق مسارات الحل السياسي للنزاع العربي الإسرائيلي.
من الضروري في ظل هذا الشلل أو على الأقل التأخير الواقع على مسار العملية السياسية لحل النزاع العربي الإسرائيلي، أن يحصن لبنان جبهته الداخلية وعلاقاته الخارجية. باريس تبدو مستعدة للقيام بذلك الى جانب المظلة العربية المشكلة فوق لبنان. كل يوم تأخير في العملية السلمية هو يوم صعب للبنان وللمنطقة. أخطر ما يمكن حصوله ان يعتقد أي طرف من الأطراف أن الطريقة المثلى للخروج من الافق المسدود الإقدام على مغامرة لفتح ثغرة قد لا يتمكن أحد من فتحها فتكون بداية للانهيار وليس للحل.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00