8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أربعينية منتظري والتطورات الايرانية والعراقية تثير النقاش حول استعادة العلماء الشيعة استقلاليّتهم

عشرية احتفالات الثورة في الجمهورية الاسلامية في ايران، هذا العام، مهمة، حساسة، دقيقة وربما خطيرة. كل يوم استحقاق جديد يشكل وحده امتحاناً للسلطة وللمعارضة معاً. لا يعني ذلك ان الثورة ستقوم، ولا أن انقلاباً سيقع، ولا أن الحرب ستشتعل. أسباب الثورة وشروطها لم تتبلور بعد. طبيعة الايرانيين وخصوصية المؤسسة العسكرية بعيدة جداً عن فكرة الانقلاب العسكري والبلاغ رقم واحد. والحرب، كل الأطراف تدق الطبول لها ولا أحد يريدها.
الفضيلة والفضيحة
أربعينية آية الله العظمى حسين علي منتظري، مرت بهدوء لأن السلطات والمقلّدين في اصفهان وقم ونجف آباد أرادوا ذلك. لكن ذلك لا يعني ان الهدوء المتميز مرّ من دون أن يرسم دوائر واضحة لها مفاعيلها لاحقاً. أبرز هذه الدوائر في قم وفي قلب حوزاتها. عملية فرز واسعة وعميقة تجري بهدوء داخل الحوزات، على قاعدة سؤال كبير يؤكد مستقبلية التطورات.
السؤال يدور تحت صيغة الفضيلة والفضيحة. الفضيلة في عمل المرجع ومعه استلحاقاً الشيوخ والعلماء، مستقلين عن السلطة، تأكيداً لاستقلالية المراجع في المذهب الشيعي عن السلطة مالياً وفكرياً. والفضيحة في الانخراط في السلطة بكل ما يعني ذلك من خسارتهم لاستقلاليتهم. الاتجاه هو التقاطع مع المسار الذي خطّه المرجع آية الله العظمى السيستاني أي عدم الجمع بين العمامة والسلطة. الفصل بينهما يعني ضرورة اختيار العلماء موقعهم في بغداد وطهران أو النجف وقم.
أربعينية الامام الحسين التي تجري بعد غد في النجف وكربلاء، تشكل أيضاً يوماً حساساً في ايران. هل يمر هذا اليوم بهدوء، أم يكسر فيه التقليد كما حصل في عاشوراء، فوقع القتلى والجرحى وعشرات المعتقلين؟ أم ان الاربعينية ستمر بهدوء باعتبار ان التركيز يتمّ على ترك هذه المناسبة خارج المواجهات؟.
تبقى ذكرى الثورة. الحدث المهم الذي مرّ وكأنه عادي جداً، هو صلاة المرشد آية الله علي خامنئي في ضريح الامام الخميني قبل ذكرى يوم عودة الامام الخميني بيوم واحد. العادة جرت أن تكون الصلاة في احتشاد ضخم في ضريح الامام الخميني، وأن يلقي كما جرت العادة أيضاً الشيخ هاشمي رفسنجاني خطبة الذكرى. القلق من مضمون خطاب رفسنجاني ومن شخصه أصلاً ومن الجموع التي ستحضر، كل ذلك دفع السلطة على ما يبدو الى تغيير كل روزنامة الاحتفالات.
المرشد آية الله خامنئي قام بالصلاة وحده، ثم انتقل الى بهشت زهراء حيث قرأ الفاتحة على أضرحة قادة الثورة ومجاهديها وفي مقدمتهم آية الله بهشتي وآية الله مطهري أحد أبرز مؤدلجي الثورة الذي اغتيل في مطلعها. وتزامنت صلاة المرشد مع إصابة رضا ابن آية الله بهشتي بأزمة قلبية في السجن بعد اعتقاله لدوره في الانتفاضة الخضراء، خصوصاً وأنه كان الرجل الأول في حملة مير حسين موسوي، وكان مرشحاً ليكون رئيساً للوزراء، وهو الخبير الاقتصادي المميز، كما يقبع مع رضا بهشتي ابن مطهري لدوره أيضاً في الانتفاضة.
حداد عادل بدلاً من رفسنجاني
التعديل الآخر ان الصلاة الاحتفالية ستبقى أمام ضريح الامام الخميني، لكن حداد عادل الذي شغل منصب رئيس مجلس الشورى والذي تربطه بالمرشد آية الله علي خامنئي علاقة مصاهرة عبر أولادهما، سيلقي الخطاب بدلاً من رفسنجاني، رغم أن عادل يعتبر من المحافظين المعتدلين، لكن في النهاية يبقى الأقرب ضمن الدائرة الضيقة للمرشد.
أيضاً يجب مراقبة مسألة مشاركة عائلة الامام الخميني باحتفالات الثورة، مشاركة حفيد الإمام الخميني السيد حسن أحمد الخميني رئيس هيئة تراث الإمام الخميني، في الاحتفالات أمام ضريح جدّه. غيابه مسألة فيها نظر على المدى البعيد. ما يضيف الى ذلك أهمية خاصة، المصاهرة التي جمعت خلال الشهر الماضي بين أربعة بيوت من عائلات المراجع الشيعية الكبرى وهي: الخميني والشهرستاني والسيستاني والخوئي. هذه المصاهرة تشكل نوعاً من المصالحة بين خطين: الخط الخميني الذي يدعو الى دمج الدين بالسياسة والذي أنتج الثورة في ايران، وخط الخوئي الذي يدعو الى الفصل بين السياسة والدين. المعروف ان المصاهرات بين هذه البيوت هي قرار سياسي واجتماعي مرتّب بعناية شديدة، وليس مجرد مصاهرات عادية.
اليوم الحساس وربما الخطير، هو نهاية العشرية، عندما يلقي رئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد خطابه، كما جرت العادة، في ساحة آزادي (ساحة الحرية). كل عام يحتشد أكثر من مليون ايراني في الساحة، التي تشهد ايضاً استعراضاً عسكرياً قد يكون استثنائياً هذا العام. السلطات الايرانية وخصوصاً الحرس الثوري قد يعرض عضلاته الصاروخية رداً على حشد الصواريخ الأميركية المضادة للصواريخ في المنطقة.
القلق نابع من طبيعة الحشود في ساحة آزادي وحولها ابتداء من ساحة انقلاب (ساحة الثورة). قيادات المعارضة دعت جماهيرها للمشاركة في الاحتفالات لأنها متعددة الوجوه أي الاحتفالات ليست حكراً للسلطة وما تمثله. مير حسين موسوي ومهدي كروبي دعيا مجتمعَين جماهيرهما للمشاركة، في حين ان خاتمي ورفسنجاني دعا كل واحد منهما على حدة للمشاركة. السؤال، هل تتحول المظاهرات والاحتفالات الى شراكة بصوتين متعارضين: الأكثر قرباً من منصة الرئاسة مع أحمدي نجاد وما يمثله، والأبعد مع قادة المعارضة، وما يمثلونه؟. من يضمن عدم وقوع مصادمات بين هذه الجماهير المتعارضة، ومن سيمنع انزلاق القوى الأمنية نحو عمليات قمع واسعة وربما دموية؟.
إعدام المعارضين قبل ايام شكّل رسالة تحذير قاسية جداً للمعارضة وللشباب خصوصاً حتى لا ينزلوا الى الشوارع. والمتوقع حصول موجة إعدامات أخرى خصوصاً اذا وقعت المواجهات خلال أربعينية الإمام الحسين. رغم ذلك، فإن أمراً واحداً ما زال موضع اتفاق وهو، ان المرشد آية الله علي خامنئي يعمل على ضبط الوضع كي لا ينزلق نحو المواجهة الشاملة، ولذلك حال حتى الآن دون أن يلعب المتشددون داخل النظام وخصوصاً الحرس منه، لعبتهم في تنفيذ عمليات قمع واسعة تشمل وضع قادة المعارضة خاتمي وموسوي وكروبي في السجون؛ على أمل التوصل الى حل سياسي فيما بعد. السؤال أيضاً متى يستطيع مقاومة ضغوط المتشددين عليه؟.
الحدث إيراني بامتياز، لكنه حدث شرق أوسطي يعني العالم كله. تطورات المنطقة تتشكل على وقع التطورات في ايران.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00