المناخ التصعيدي الذي يخيم فوق منطقة الشرق الأوسط لا يعني ان الحرب ستقع اليوم أو غداً، لكنها تدع التقديرات تذهب الى درجة انها خلف الأبواب. يكفي أي خطأ في الحسابات، حتى تنقلب الطاولة على الجميع وتفتح الأبواب على الحجيم. الأمن المسدود الذي لا يبدو أن ثغرة فيه ستقع رغم انهيار ساعة الرمل بكاملها، يسد باب الأمل نحو التغيير. من الطبيعي في مثل هذا الوضع، الانتقال بسرعة قياسية من حالة التوتر المضبوط الى حالة أخرى أكثر انفلاتاً على المخاطر بسرعة قياسية. التعامل مع هذا الوضع بانتباه وصبر وبكثير من الحسابات الدقيقة ملحّ أكثر من أي وقت مضى. العيش على حافة الهاوية يقلق وحتى خوف أهون بكثير من الانزلاق بسرعة نحو الهاوية.
زعران
الأزمة عميقة جداً، والجميع في المنطقة من أطراف وقوى عربية وإسرائيلية وإقليمية ودولية مأزوم. أزمة كل واحد على قياسه وفعله. التزاوج الحاصل بين حكومة التطرف اليميني الاسرائيلي والعجز العربي يعمّق يومياً هذه الأزمة.
في الديبلوماسية لا توجد كلمة زعران. في الواقع الحالي للمنطقة، التوصيف الذي أطلقه وزير الخارجية السوري وليد المعلم على الحكومة الاسرائلية أكثر من واقعي. الحكومة الاسرائيلية بقيادة الثنائي أفيغدور ليبرمان وبنيامين نتنياهو تتصرف فعلاً مثل زعران أو بلطجية الحارة. لغتها اليومية وحتى فعلها المستمر أطلب الشرّ ودع الأخرين يهربون منه، فيقوى موقفك وتأخذ ما تريد على الأرض.
يومياً تهدد إسرائيل بالحرب، وهي ترفق التهديدات بالمناورات الواسعة. ليس هذا كل شيء. لا تترك حكومة ليبرمان نتنياهو لحظة واحدة تمرّ إلا وتقوم بعملية تؤكد فيها ان يدها طويلة. تنفذ من العمليات الارهابية ما تشاء، لأنها تمسك بالحرب والسلم رهينة بين يديها.
رغم ان يد اسرائيل طويلة وقاتلة، لكنها عاجزة على فرض الاستسلام باسم السلام وإشعال الحرب بلا مقدمات موجبة. لذلك تفرض على المنطقة مناخاً حربياً. تغتال من تريده، تاركة للآخرين اجراء الحسابات التي تحيلهم رهينة لها. هذا العجز في ترجمة ما تقوم به سياسياً هو الذي يعمّق الأزمة الاسرائيلية. ما فائدة أن تكون قوية وهي غير قادرة على التغيير.
العرب بدورهم يرفضون التطرف الاسرائيلي ومفاعيله، لكنهم غير قادرين على صياغة مبادرة واحدة للخروج من بين حجري الرحى، الخطر الإسرائيلي القائم والخطر الايراني المحتمل. نزاعاتهم الداخلية وفيما بينهم البعض، ترفع منسوب العجز. إسرائيل تريد محاربة ايران بنا، والغرب يعمل على فرض مظلة أمنية والدفع باتجاه شراء مزيد من الأسلحة والمفاعلات النووية. بذلك تبقى المجتمعات العربية بلا تنمية التي تشكل العامل الضروري والملحّ للخروج من حالة الانحدار نحو ظلام الأصولية المتطرفة والفقر والجهل واليأس.
المصالحة المصرية ـ السورية ضرورية
القمة العربية قادمة، وهي تشكل فرصة استثنائية للخروج العربي من حالة التقاتل والتفرقة، شرط ألا يحولها العقيد القذافي الى حفلة فولكلورية له وعلى قياسه. بعد المصالحة السعودية السورية، وما أنتجته من مفاعيل ايجابية على الصعيد اللبناني، حان الوقت لانجاز مصالحة مصرية سورية لكي تترجم مفاعيلها فلسطينياً. من دون ذلك سيبقى الحال على حاله.
أيضاً من دون تفاهم عربي ايراني بحضور تركي، سيستمر الابتزاز الإسرائيلي الغربي للعرب ولإيران. هذا التفاهم ممكن، اذا لم يحصل وخرج الجميع على خلاف، يمكن فهم وحتى قبول مشروعية الخلاف حتى المقاطعة. يجب أن يضع كل طرف النقاط على الحروف في مواجهة الطرف الآخر. ما يحدث في الداخل الايراني شأن داخلي. ما يحدث على مساحة الوطن العربي شأن عربي داخلي. يجب أن يعرف ذلك الجميع، في هذه الحالة يصبح للخلاف مشروعيته. حصول مؤتمر عربي ايراني على مستوى رفيع كما طرحه مسؤول عربي مهم يبدو الأن أكثر من ضروري.
مثل هذا المؤتمر يجب أن يسبق الحسم الغربي وخصوصاً الأميركي لتعاملها مع ايران ومع ملف النزاع العربي الاسرائيلي. وضوح الصورة، في ظل الدور التركي الناشط والايجابي، يخفف من اندفاع زعرنة التطرف الإسرائيلي.
دون ذلك، فإن هذا الجمود وهذا العجز، اضافة الى التصلب والتعنت الإسرائيلي الى درجة إحراج الرئيس باراك أوباما شخصياً، قد يدينان واشنطن في مطلع العام 2011 وربما قبل ذلك الى تجربة الحل الكسينجري. هذا الحل الذي سبق وأن اختبرته المنطقة، أي ترك الانزلاق نحو الهاوية يتم بإرادة الطرفين العربي والاسرائيلي وحتى الايراني، حتى يشعر الجميع بالانهاك، فيسارعوا الى طلب الدور الأميركي الناشط، وبحيث يصبح الحد الأدنى من شروط القبول هو المقبول.
الحل الكسينجري أنتج الانسحاب الاسرائيلي من سيناء، لكنه ايضاً سحب مصر من قرار الحرب والسلام في المنطقة فتراجع دورها من جهة، وأصيب العرب بالضعف أكثر. ما يستطيعون فعله الممانعة بالآخرين. كما أبقى على الجولان وأراض فلسطينية واسعة تحت الاحتلال.
هذا الحل، ليس قدراً. ما زال باستطاعة أهل المنطقة المزورعين فيها، من عرب وأتراك وإيرانيين، أن يصنعوا قدرهم بأيديهم اذا أرادوا.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.