8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

واشنطن بين التحضير لعقوبات ذات أنياب حادة ضد إيران وضرورة إطلاق مسار التفاوض الفلسطيني ـ الإسرائيلي

إيران لا تريد الحرب. تعرف جيداً وفي العمق وأدق التفاصيل، أن أي حرب أميركية ضدها ستعيدها مئة سنة الى الوراء. كل نفط المستقبل لن يعود كافياً لإعادة بناء ما سيتهدم. ما تريده إيران التفاوض من موقع القوة.
التصعيد الخطابي للرئيس أحمدي نجاد في ساحة آزادي (ساحة الحرية) رسالة اقتدارية الى الداخل. لا يمكن تبرير التشدد الأمني واختصار الاحتفالات الى أقصى مدى وغياب شخصيات تاريخية عنها مثل الشيخ هاشمي رفسنجاني الا برفع سقف الخطاب الموجه الى الخارج. وحده الملف النووي يجمع الإيرانيين حتى الآن. خارج هذا الملف الانقسام قائم، والشرخ الذي وقع في 12 حزيران من العام الماضي يزداد اتساعاً وعمقاً بعيداً عن الهدوء الذي ساد الشارع الإيراني. هذا الهدوء لا يعني مطلقاً أن كل شيء عاد الى حاله. ما لم يتم طرح وتنفيذ حل سياسي حقيقي قائم على الحوار وعدم إلغاء أي طرف لطرف آخر، فإن النار ستبقى كامنة تحت الرماد، والشرخ القائم قابل للتحول في أي لحظة الى خط زلازل.
التخصيب والحرب النفسية
قد تكون طهران قادرة على التخصيب بنسبة 20 في المئة. لديها العلماء والعدة لذلك. لكن إعلان هذا الإنجاز يثير الغرب أكثر مما هو مثار. أحمدي نجاد تعمّد ذلك، وهو كان قد اشار الى هذا الإعلان قبل فترة قصيرة. لكن هذا الإعلان لم يمنع حصول تسريبات تتعلق بمفاوضات سرية إيرانية أميركية، أحد أبرز أطرافها الإيرانيين صهر نجاد نفسه الذي رفض مجلس الشورى تعيينه نائباً للرئيس. هذه المفاوضات وغيرها، تفسر هذا الهدوء الأميركي الى درجة دعوة باريس وتل أبيب مثلاً لخفض سقفهما حول العقوبات وحتى الحرب. واشنطن تدرك أن زمن العمل الأحادي قد انتهى. العراق شكل المسمار الأخير في نعش مثل هذه الحروب. ما تريده واشنطن إذا ما وقع المحظور، أن يكون العالم معها، خصوصاً وأن المواجهة مع إيران مختلفة جداً بجميع المقاييس عن العراق.
أي عقوبات محدودة لن تغير شيئاً من الموقف الإيراني. بالعكس سترفع من رصيدها الداخلي وتصبح رمزاً دولياً للممانعة ضد القرار الأميركي.
العقوبات ذات الانياب كما توصف حالياً التوجهات الدولية، يجب أن تكون جامعة وشاملة. ما معنى أن يصدر قرار متشدد لا توافق عليه بكين وموسكو؟ وما فعالية تنفيذ أي قرار إذا لم يقع الإقتناع الإقليمي بذلك؟ في الحالتين صفر على الشمال.
افتتاح هذه العواصم مجتمعة بصحة القرار الدولي، يفتح الباب أمام تنفيذه بدقة وفعالية. بالنسبة لموسكو والصين، تتعلق القناعة بالمحافظة على مصالحهما. المصالح هي التي تتكلم وتصيغ القرارات في زمن العولمة.
لا بكين ولا موسكو مستعدتان للسير في مسار هذه العقوبات إذا لم تحفظ مصالحهما اليوم وغداً. الى جانب ذلك، لكل من العاصمتين مطالب في قطاعات استراتيجية. موسكو لها مطالبها الاستراتيجية على مساحة الامبراطورية السوفياتية القديمة. وبكين لها مطالبها الاستراتيجية وما يتعلق بغوغل والدالاي لاما وتايوان. من هنا فإن قرار العقوبات ذات الأنياب معلّق.
القلق من القوة النووية الإيرانية قائم، ليس على مستوى دول الخليج وحدها وانما على مستوى المنطقة كلها، حتى تركيا ليست سعيدة بتحول إيران الى قوة نووية لأن ذلك سيجبرها على سلوك الطريق نفسه. بذلك تتحول مليارات عديدة من مشاريع التنمية الى المشاريع النووية. لكن أيضاً لدول هذه المنطقة بما فيها تركيا، هماً أكبر هو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يضع المنطقة على فوهة بركان دائمة أولاً، وثانياً يعمل على توليد واستيلاد العنف الاصولي الذي تحوّل الى مشكلة دولية.
الخطران: القائم والمحتمل
واشنطن تدرك ذلك. هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية، أعلنت أن هذه السنة ستشهد بدء مفاوضات جدية في منطقة الشرق الأوسط. النوايا الطيبة لا تقنع أحداً في المنطقة. مضت سنوات خصوصاً العام الأخير، والمنطقة قابعة أمام أفق مسدود أثار الاحباط ومشاعر الحقد. لا يمكن إقناع أحد بخطر محتمل في ظل خطر قائم وعجز كامل في مواجهته. لا يوجد أي انسان على مساحة الشرق الأوسط يستطيع التصديق بأن العجز الأميركي في مواجهة التطرف الإسرائيلي حقيقي. مهما كانت قواعد السياسة الأميركية الداخلية والعلاقة الاستثنائية بين أميركا وإسرائيل لا تبرر هذا العجز، في وقت تكشّر فيها واشنطن عن أنيابها أمام أي حدث دولي مهما بدا صغيراً لا يعني الأمن العالمي ولا الأمن القومي الأميركي.
اللعبة أصبحت مكشوفة. البند الأول فيها غياب عامل الثقة. يجب البدء من تحت الصفر. إيران حصلت على شرعية التخصيب بنسبة 3,5 في المئة، أي شعور بالخطر. أن يكون التبادل في الأراضي الإيرانية تحت بند أسلمكم كلغ من الاورانيوم المخصب بنسبة 3,5 في المئة تسلموني كلغ من الاورانيوم المخصب 20 في المئة قد يكون هو الحل الاسلم. طهران تخاف أن تسلم ما لديها ويمنع عنها ما تريده تحت أي بند مثل حقوق الانسان. ربما تكون تركيا هي الحل.
الى جانب هذا الملف تريد طهران معرفة الخطط الأميركية الحقيقية حول كل ما يتعلق بالعراق. لن تقبل أي تلاعب ضد مصالحها الاستراتيجية في العراق. حصول مثل هذا التلاعب يؤرقها ويجعلها تضع الجميع بما فيهم دمشق في موقع الشك والاختبار. هذه الفترة هي فترة اختبار للنوايا وليس للاستعدادات الحربية. واشنطن تعرف جيداً أن الحرب ضد إيران ليست نزهة كما حصل في العراق.
المنطقة كلها ستكون في قلب الاعصار. لذلك من الافضل أن تعمل القوى الرديفة في هذه اللعبة المعقدة على التهدئة والهدوء أولاً، والعمل على إطلاق مسارات جديدة تنعش الأوضاع الداخلية في كل دولة على حدة. الحرب السادسة في اليمن لم تتوقف لأن الأطراف المعنية أدركت استحالة النصر فيها فقط، وانما لأن وضع منطقة الشرق الأوسط يتطلب ذلك، تحضيراً لمواجهة الاستحقاقات الأكبر والأخطر.
ساعة الحسم تقترب. قد لا يصدر قرار بتشديد العقوبات في الأسابيع المقبلة. لكن من المؤكد أن كل شيء سيتوضح. طهران مجبرة على تحديد ما تريده وما يمكنها تقديمه. وواشنطن ومعها الغرب مجبرة على القول الى أين يمكنها الوصول في تعاملها مع طهران. المفاوضات السرية لم تعد تكفي. العالم خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط يريد أن يرى ويعرف الى أين سيصل دون مفاجآت، خصوصاً وان بعضها قد يكون من العيار الثقيل.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00