8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

عدم القدرة على الحرب والسلام ترفع حدة الخُطَب السياسية وتروّع المواطن العادي الذي يريد المزيد من الخبز والخدمات

كل يوم يزداد الالتباس القائم بين وقوع الحرب اليوم، وعدم وقوعها غداً. لا أحد يجزم بحال من الحالين. أكثر من ذلك، الخطابات السياسية اللبنانية والعربية والاقليمية حتى الدولية، ترفع كل يوم من منسوب هذا الالتباس. هذه الحال تعكر حياة المواطن العاديّ في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في لبنان، من مارون الراس جنوباً الى القنطرة وأبعد شمالاً. لا يمكن للمواطن الباحث عن لقمة عيشه بعرق جبينه أن يأمن على غد أبنائه مهما بلغ ايمانه واعتقاده بأن ما هو مكتوب قدرٌ لا مهرب له.
الحرب النفسية والخفية
في يوم واحد تقريباً عاش اللبناني العاديّ وهو مثال في أكثر من غيره لكل المواطنين العاديين على مساحة الشرق الأوسط على وقع أربعة خطابات أو تصريحات تحمل في طياتها نصاً ومضموناً، هذا الالتباس المتعب والمرهق معاً مسار الأحداث بدون ترتيب مقصود يتعلق بالأهمية:
[ السيد حسن نصرالله الأمين العام لـحزب الله، وفي خطاب ذكرى الشهيد عماد مغنية أعلن التحدي وهدد بضرب البنى التحتية لإسرائيل. الانطباع الأول للمواطن العاديّ، ان الحرب واقعة لا محالة اليوم وليس غداً. من الطبيعي أن يضع السيد نصرالله النقاط على الحروف، وأن يؤكد جاهزية المقاومة، وأن يرد على اسرائيل الصاع صاعين. لكن القراءة المتأنية للخطاب توضح ان الحرب بعيدة، وأن ما يجري هو رد على الحرب النفسية التي يشنها العدو الاسرائيلي بحرب نفسية من العيار نفسه.
لو كانت اسرائيل تضمن بأن تكون تكلفة الحرب أقل من عائداتها ومكاسبها وأن تنتج نصراً أكيداً يتمثل باقتلاع المقاومة من لبنان كما حصل مع المقاومة الفلسطينية في العام 1982، وأن تحصل على ضوء أخضر أميركي قبل اطلاق الرصاصة الأولى، لاعتدت اسرائيل على لبنان وعملت على اجتياحه اليوم قبل الغد. اسرائيل مأزومة مثلها مثل العرب، لذلك تعمل على تقطيع مرحلة الوقت الضائع بعمليات أمنية تريدها تعبيراً مباشراً عن يدها الطويلة القادرة والحرة، لكن حتى مثل هذه العمليات اصبحت صعبة ومكلفة. فشل عملية دبي رغم النجاح في اغتيال القيادي مبحوح يؤكد ذلك. لم يعد أحد يسكت على مثل هذه العمليات، الحرب الخفية لم تعد خفية. أصبحت مكشوفة. مأزق اسرائيل كما قال السيد نصرالله يقوم على:
[ عدم القدرة على فرض السلام بشروطها.
[ عدم القدرة على شن الحرب.
وبوضوح مؤلم أحياناً، فإن حزب الله يعيش مأزقاً مزدوجاً. العمليات العسكرية للمقاومة مهما كانت محدودة غير ممكنة حالياً تحت سقف القرارات التي خرجت من قلب نصر حرب العام 2006. في الوقت نفسه الاستمرار في التعبئة والجهوزية يتطلب خطاباً تجييشياً حتى لا ينام أحد على الحرير. في الوقت نفسه الحزب مطالب بعد أن أصبح شريكاً في السلطة عليه واجبات مثلما له الحقوق، أن يعمل على تسهيل حياة المواطنين العاديين. أي باختصار فتح الطريق أمام عبور قطار النشاط الحكومي على مختلف الصعد المالية والادارية والمعيشية. مهما كان الوضع الاقليمي ساخناً وعلى موعد مع استحقاقات مفصلية، لا يمكن للحزب وغيره من القوى السياسية تعليق الحياة اليومية للبنانيين على شمّاعة نتائج هذه الاستحقاقات.
* تصريحات الرئيس أحمدي نجاد في المؤتمر الصحافي الثاني الذي يعقده بعد الانتخابات الرئاسية، خصوصاً أنه أنجح مذياع للحرب النفسية، أبرز الاعلام عنه توقعه بوقوع حرب اسرائيلية في الربيع أو الصيف المقبلين. مجرد هذا الاعلان أثار الخوف والقلق لدى المواطن اللبناني العاديّ. لأن إسرائيل اذا شنت الحرب فانها ستكون ضد المفصل الضعيف وهو لبنان أو غزة ما دامت الحرب على إيران لن تقع.
آلية التخصيب
الواقع أن كلام نجاد كما هو منشور رسمياً في الاعلام الايراني الرسمي، لا يقول هذا التهديد مباشرة، لا بل أن موقعه في سياق كل ما قاله لا يؤشر الى وقوع الحرب، قال نجاد رسمياً: وجود معلومات تفيد أن قادة الكيان الصهيوني يسعون الى شن حرب في الربيع والصيف المقبلين إلا أن قرارهم ما زال غير نهائي. هذا الكلام لا يمكن اخذه حرفياً إلا على وقع يوميات تطور الملف النووي الإيراني. طهران تريد في كل كلمة وكل حركة تأكيد موقعها القوي وفي الوقت نفسه تقديم العروض للتفاوض والتفاهم، قرار الحرب معلق وهو غير نهائي.
قبل 72 ساعة قال احمدي نجاد ان تخصيب الاورانيوم بنسبة 20 في المئة قد بدأ ونقطة على السطر. في مؤتمره الصحافي، عرض استبدال الاورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة حتى مع واشنطن. المشكلة التي تعترض هذا الملف أصبحت محصورة في تحديد آلية تسلم وتسليم الاورانيوم المخصب بنسبة 3,5 في المئة والاورانيوم المخصب 20 في المئة. لم تعد المفاوضات تتعلق حول حق إيران تخصيب الاورانيوم لقد حصلت عليه، المشكلة في حصولها على ضمانات كافية وثابتة حول تسلمها الاورانيوم الصالح لمفاعلها في الوقت المحدد.
الباقي رسائل الى الداخل الايراني. لأحمدي نجاد مشكلة مع هذا الداخل، خاصة وان وأد الاعتراضات العلنية في الشوارع والساحات لن يكون إلا موقتاً إذا لم يصل المرشد الى حل سياسي للأزمة. وهي ايضاً رسائل تطمين لهذا الداخل بأن العقوبات لن تسبب مشاكل لايران، بعد أن اقترب منشارها بسبب النجاح الذي تحقق بالالتفاف على روسيا. النبأ السيئ للايرانيين ان موسكو ستنضم الى مشروع قرار بتشديد العقوبات. المطلوب تهدئة مخاوف الايرانيين، طالما أن الحرب ليست في الأفق مع الأميركيين فليكن التهديد بخطر الحرب الإسرائيلية هو البديل، وخصوصاً ان اصغر كلمة في الرد هي السحق.
الوزيرة هيلاري كلينتون والادميرال مايك مولن رئيس هيئة الاركان الأميركية المشتركة، دخلا على الخط جامعين الحرب واللاحرب في وعاء واحد، عدم القبول بحيازة طهران للسلاح النووي أمر مفهوم ومقبول دولياً واقليمياً، والتهديد بالمواجهة إذا حصل ذلك أيضاً منطقي. لكن المسؤولين الأميركيين اللذين يمثلان الديبلوماسية والعسكر أكدا ابقاء لغة الحوار والديبلوماسية مع إيران. بهذا يتم التأشير الى وجود قنوات للحوار ما زالت مفتوحة ويعمل على ابقائها وتطويرها.
مايكل وليامس موفد الأمين العام للأمم المتحدة، يؤكد أن الخبر السعيد هو عدم وقوع اصابة واحدة بالسلاح من جنوب لبنان منذ حرب 2006. معنى ذلك انه لم تطلق أي رصاصة من الجانبين الإسرائيلي واللبناني. يضيف الى ذلك أن لا حرب إسرائيلية على لبنان في المدى المنظور. وهو قول يحمل في مضمونه التطميني تحذيراً من المستقبل وإمكانية وقوع حرب. بهذا من حق المواطن اللبناني ان يبقى متيقظاً وقلقاً من هذا الاحتمال.
الحرب احتمال قائم لكنها ليست حتمية. الخطر موجود لان لبنان والمنطقة معه يعيشان منذ سنوات على حافة الهاوية. عروض السلام والحرب، تقدم على هذه الحافة أي حركة خطأ أو عن سابق تصور وتصميم ستدفع بسرعة للانزلاق نحو الهاوية. هذه هي العقدة الحقيقية.
مطلوب القليل من التصريحات والخطابات الحربية، والمزيد من الجهوزية الصامتة والمتواصلة، تروع المواطن اللبناني. حتى الآن، كل ما يطلبه هذا المواطن المزيد من الخبز والخدمات. أرحموه يرحمْكم الله.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00