8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

معركة اقليمية كبرى تدور في العراق أطرافها واشنطن وطهران ودمشق والرياض وأنقرة

قرع طبول الحرب بهذه القوة في لبنان وغزة، لا يعني وقوع الحرب. اتصال الرئيس أحمدي نجاد بالرئيس ميشال سليمان والسيد حسن نصرالله، ليس أكثر من تصعيد صوتي لهذه الطبول يكاد يشبه الى حد كبير صوت أحمد سعيد مع الفارق ان الأول رئيس والثاني اعلامي كان يقول ما يتلقى. كل ما يحصل من تصعيد يكاد يصح فيه المثل الشعبي الدبكة هنا والعرس هناك. الدبكة القائمة حالياً رغم أنها تخيف ولا تسلي، تخفي ما يجري في مراكز المواجهة وهي في العراق وأفغانستان والغرف المغلقة التي تجمع الرسل والوسطاء بين طهران وواشنطن.
المختبر من لبنان الى العراق
يمكن القول دون تردد ان المفاوضات بالنار تقترب من تواريخ استحقاقاتها. ساعة الرمل تكاد تفرغ من حباتها، من الصعب البدء بعد عكسي جديد. كل طرف يختبر الطرف الآخر ملاحقاً الاتفاقات المعلنة والسرية التي جرى التباحث حولها سابقاً. دون أي مبالغات، المعركة الاقليمية الكبرى تدور اليوم وحتى منتصف آذار المقبل في العراق، كل ما يجري في المنطقة يتم ترجمته سلباً أو ايجاباً في العراق. تماماً كما كان يحصل في السابق في لبنان في العقدين الماضيين عندما كان مختبر منطقة الشرق الأوسط. فيه كان يجري اختبار كل المعادلات الكيميائية المصاغة بعيداً عنه، ومتابعة وملاحظة ودراسة نتائجها.
الانتخابات التشريعية التي ستجري في العراق في مطلع آذار المقبل استحقاق حقيقي ليس كثيراً عليه اذا ما قيل عنه انه تاريخي. كل القوى الاقليمية تختبر حضورها ووجودها ومستقبلها على وقع الكراسي الموسيقية لهذه الانتخابات. الولايات المتحدة تتابع ما يجري عن كثب لأن الأمر يعني أمنها القومي وليس مصالحها القومية فقط. نجاح هذا الاستحقاق الكبير معلق الى أقصى حد على صيغ حركة القوى الاقليمية وهي ايران وسوريا وتركيا والسعودية، كل دولة من هذه الدول لها مصلحة معينة في هذه الانتخابات ونتائجها. وهي في شكل أو آخر متداخلة المصالح ثنائياً أو أكثر.
قمة جبل الجليد العالية والمرئية من كل الزوايا في المنطقة عنوانها مستقبل صيغة السلطة العراقية من حيث موقع كل من الشيعة والسّنة فيها. بعد سنوات الاحتلال والدماء والنار، اصبح ثابتاً للجميع ان لا أحد يمكنه إلغاء أحد. ان تجربة السنوات الطويلة من عهد الملكية حتى سقوط صدام حسين في ابعاد الشيعة عن السلطة بقرار ذاتي أو خارجي قد سقطت نهائياً. أيضاً ان تجربة السنوات الست الأخيرة في محاولة امساك الشيعة بالسلطة وجعل تمثيل الآخرين خصوصاً السنة شكلياً قد سقط أيضاً. دون ذلك بركان العرقنة الذي لا يبقي ولا يذر بعد أن يحرق الأخضر واليابس معاً.
السؤال الكبير هو كيف يمكن بناء نظام سياسي متماسك وقوي في العراق، دون أن يشكل تهديداً لأحد في أي مرحلة مستقبلية ولو بعيدة؟. الجواب على ذلك ليس سهلاً، خصوصاً أن الداخل متشابك مع الخارج الى درجة التشابك العضوي. رحلة العراق مع التدمير والموت طوال السنوات الست الماضية اقحمت كل القوى الاقليمية في النسيج العراقي المهيأ بتركيبته الفسيفسائية كما لبنان، الى درجة ان لكل واحدة أصبح لها قطبة أو أكثر من هذا النسيج. رغم البعد الجغرافي النسبي، تكرر في العراق الى حد كبير ما حصل في لبنان غداة العام 1860 عندما دخلت القوى العظمى آنذاك لتحمي كل واحدة منها طائفة معينة وهي في الواقع كانت تزرع حضورها السياسي والاقتصادي في المنطقة تمهيداً لتقاسمها بعد سقوط الدولة العثمانية التي كان موتها المعلن قد أصبح مبرمجاً.
الثأر الايراني
*ايران ثأرت لهزيمتها العسكرية على يد الرئيس الراحل صدام حسين وكل الدول التي دعمته، فنجحت بما قام به الأميركيون في الدخول الى العراق من أوسع أبوابه في الجنوب وصولاً الى الشمال. ايران حاضرة بقوة في الجنوب وهي تمسك الى حد كبير معظم مفاصل القرار الشيعي لأنها تحتضن معظم التنظيمات الاسلامية الشيعية. لا يعني ذلك ان شيعة العراق أصبحوا فرساً، لكن حالياً معظم تكوينات الطبقة السياسية العراقية تصيغ قراراتها على السكة المفتوحة بين طهران وبغداد. لايران مصالح حيوية في العراق وهو يشكل عمقها الاستراتيجي. العراقيون على مختلف انتماءاتهم لا يرون لأنفسهم مصلحة في استصدار ايران لكن على الأقل لا يجمعون على تحمل نقل القرار الايراني عليهم. يرى كثيرون أن لا مصلحة لإيران في عراق قوي، لأنه متى أصبح موحداً وقوياً فإن نفوذها سيتراجع ويضعف. من مصلحتها أن يبقى القرار في يد الشيعة وتنظيماتهم، رغم ان العديد من هذه القوى لم تعد ترى استبعاد السّنة عن القرار الفعلي ممكناً.
*سوريا تريد العراق عربياً وموحداً. ترجمة ذلك عودة السّنة الى السلطة بالتفاهم مع الشيعة. المشكلة كيف يمكن الفصل بين السنة والبعث بالنسبة للتنظيمات والقوى الشيعية. دمشق تريد عودة الاثنين السّنة والبعث بعد أن نجحت في حضانة البعث الجديد المولود بعد مخاض طويل ومضني ومتطهر من الصدامية. مأزق دمشق في العراق ان مصالحتها الحقيقية مع السعودية وعودة الثقة كاملة بينهما تتم في انجاز عودة السّنة الى السلطة بالمشاركة مع الشيعة، من جهة، ومن جهة أخرى في عدم ازعاج وحتى التعارض مع طهران التي لا تريد سماع عودة البعث ولو شكلياً الى السلطة. الدمشقيون يؤكدون ان دمشق قادرة على حل هذه المشكلة، أحد الأدلة على ذلك انها أصبحت الحاضنة الطبيعية لكل العشائر وللشيعة وللبعث، وان واحداً مثل أحمد الجلبي الأميركي أيام الغزو، والمرفوض من دمشق والمتهم حالياً من بعض الأميركيين بأنه ايراني، استعادته دمشق واستقبلته لأيام، أيام القطيعة السابقة أصبحت في خبر كان.
*تركيا العائدة الى الشرق بقوة، تشكل اليوم عامل توازن قوي وحاضر مع ايران دون أن تدخل في اللعبة المذهبية الدامية. ولذلك فإنها تريد استعادة العراق لوحدته كاملة خصوصاً أن مثل هذه الوحدة التي تضم الأكراد الى جانب الشيعة والسنة العرب، تخفف عنها أثقالاً كثيرة من المشكلة الكردية. أهمية الدور التركي انه يبقى متوازناً مع ايران ودائماً تحت السقف الأميركي.
*السعودية تخوض مع ايران معركة حقيقية في العراق وحوله. عودة العراق موحداً من بوابة استعادة السّنة لحقهم النسبي في السلطة يريحها. لا شك ان عراقاً مسيّراً أو خاضعاً لإيران يلحق أضراراً حقيقية بمصالحها الأمنية والقومية اذا صح التعبير. لذلك من الطبيعي أن يكون اختبار المصالحة الحقيقية مع دمشق في نجاح الاستحقاق العراقي.
تبقى الولايات المتحدة الأميركية، التي كما تقول مصادر شيعية عراقية انها قد تعبت من الشيعة خلال السنوات الست الماضية بسبب تناحرهم وتقاتلهم ومزاحماتهم وجشعهم للسلطة الى درجة استعادة ما قام به السنة سابقاً على يدهم مما يبقي حكماً العراق غير مستقر ومعرّض للزلازل من عقد الى عقد. لذلك تعمل على التفاهم مع دمشق والتنسيق مع الرياض وأنقرة لصياغة نظام شبه متوازن لا تستبعد منه ايران لأنه لا يمكن ذلك خصوصاً وان الخلل في موازين القوى سيكون فادحاً على صيغة الحل، وهي مستعدة في حال الفشل بعد استحقاق الانتخابات تجربة خيار الانقلاب العسكري على يد جنرال عراقي مقبول خصوصاً من دمشق، حتى ولو أغضبت طهران. ما يشجع واشنطن على خوض مثل هذا الحل، بالاتفاق مع دمشق في حالة الاحباط واليأس، ان قالب الكاتوه العراقي مغر جداً لقوى عظمى، فكيف لدمشق؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00