خوفان يثيرهما الوضع الفلسطيني. الخوف الأوّل يعني لبنان، أما الثاني فيعني العالم. لم يعد يوجد الوقت لخسارته أمام الأفق المسدود. 19 سنة مرّت على مؤتمر مدريد للسلام ولم يقع السلام، لا بل انّ الوضع حالياً أسوأ وربما أخطر ممّا كان عندما عُقد مؤتمر مدريد. لبنان دفع اثماناً مرتفعة جداً منذ المؤتمر حتى الآن، أكبرها في حرب تموز 2006. أيضاً الفلسطينيون دفعوا ويدفعون يومياً من دمائهم ولقمة عيشهم وكرامتهم وآمالهم هذا العجز الاستثنائي الذي يعيشه العالم حيالهم. يجب أن يفتح أحدٌ الطريق. المفترض أن تتولى الولايات المتحدة الأميركية ذلك ولكنها رغم مجيء باراك اوباما تبدو عاجزة أيضاً، في حين أنّ أوروبا أو على الأقل فرنسا تريد لعب دور أساسي ولكن بدون دخول واشنطن إلى الحلبة فإنّ هذه الإرادة ستبقى عربة بلا حصان.
المظلة الأمنية
لبنان يعيش تحت مظلة أمنية عربية واقليمية ودولية. التوتر فيه مضبوط جيداً. حكومة الوفاق الوطني تريد أن تنتج وأن تقدم فرصاً جديدة للبناني اقتصادية ومعيشية، لكن كثرة الاستحقاقات الخارجية، وعدم وضوح الأوضاع في المنطقة توصد الأبواب أمام المحاولات العديدة. في هذه الأثناء تتصاعد طبول الحرب، ولا حرب. لكن ذلك لا يمنع ولا يحول من اللعب بقساوة مع النار الكامنة خصوصاً على مساحة الحالة الفلسطينية في لبنان. الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي لا يُحسد على وضعه الدقيق والصعب والمأزوم اعترف من باريس، وجود نذير شؤم وخطر وانه:
يخشى ممَن يريد تكرار مأساة مخيم نهر البارد، في عين الحلوة. لم يحدّد أبو مازن مَن يريد ذلك أو يسعى إلى ذلك. لكن الاشتباكات الرسائل التي تقع في المخيم تؤشر إلى أنّ المنظمات الإسلامية الأصولية تعمل على ذلك، علماً انّ قرار معظم هذه المنظمات ممسوك من الخارج وانّها تتحرّك على الروموت كونترول.
انّ السلطة الوطنية الفلسطينية تترك للدولة اللبنانية التصرّف كما تريد بكل ما يتعلق بالسلاح الفلسطيني خارج المخيّمات وأيضاً ما يتعلق بتنظيم السلاح داخل المخيمات، وأنّ أي قرار تأخذه الدولة اللبنانية توافق عليه السلطة الفلسطينية. الدولة اللبنانية تريد تنفيذ ما اتفق حوله في مؤتمر الحوار. لكن بين الرغبة والإرادة من جهة والامكانات من جهة اخرى مسافة كبيرة جداً. هذه المسافة تضع لبنان أمام استحقاق خطير جداً بالتحديد في مخيم عين الحلوة. منذ فترة تعود إلى أكثر من عامين والتحذيرات تتوالى، وقد سبق أن جاء في هذه الزاوية أن عين الحلوة.. حمراء. كما سبق وأن جاء في الزاوية نفسها في 17/11/2009 ان اقتراحاً بنقل المسلحين من قوسايا والناعمة إلى داخل المخيمات الفلسطينية قد قدم وانه جرى رفضه لبنانياً وفلسطينياً في وقت واحد. ذلك أنّ دخول هؤلاء المسلحين المنتمين إلى القيادة العامة وفتح أبو موسى إلى أي مخيم فلسطيني سيؤدي إلى خلل انقلابي في موازين القوى ما يجعل المخيم تحت رحمة وإرادة دمشق تحديداً.
طبعاً هذا الملف معقّد جداً. فلا دمشق مستعدّة كما يبدو لقبول سحب المسلحين في قوسايا وعين الحلوة إلى داخل المخيمات وتقريع الموقعين وغيرهما من المسلحين، لأنّ في ذلك كما نقل عن بعض الدمشقيين ترك الخاصرة الضعيفة لدمشق عارية، ذلك انّ موقع قوسايا وغيره وظيفتهما تلقي الضربة الأولى من أي اعتداء إسرائيلي. المزج بين هذا السلاح والأمن السوري القومي، يؤجّل إلى إشعار آخر الحديث عن تنفيذ ما اتفق عليه في مؤتمر الحوار.
تحذير أبو مازن عن تكرار مأساة مخيم نهر البارد في عين الحلوة، جدّي ويجب التعامل معه بجدّية. الحذر ضروري جداً. يجب ملاحقة عناصر الظلام الأصولي من المجموعات المتواجدة في المخيمات خصوصاً في عين الحلوة، لكن يجب عدم الانزلاق نحو الكمين الذي ينصبونه للبنان ولحركة فتح وللمدنيين الفلسطينيين بهدف زعزعة الوفاق وزرع الكراهية والحقد بينهم وبين اللبنانيين وتحديداً الجيش اللبناني.
عين الحلوة.. حمراء
الخوف الثاني لم يعد ناتجاً عن عمليات فلسطينية في الخارج كما كان يحصل في السبعينات. الخوف نابع من الإدراك الدولي خصوصاً الأوروبي أنّ الحالة الفلسطينية تشكّل مركزاً رئيسياً لصناعة أو لتغذية التطرّف الأصولي الذي يستولد نفسه بنفسه عنفاً أقسى وأعنف من كل ما سبقه. انهيار للأمل بحل يضمن للفلسطينيين الكرامة والعيش في وطن ولو محدود يحمل اسم فلسطين.
صحيح ان الرئيس نيكولا ساركوزي سارع إلى وأد فكرة وزير خارجيته بالاعتراف بدولة فلسطينية دون حدود، تحت شعار أنّ المطلوب قيام دولة قابلة للحياة لأنه لا معنى لدولة دون حدود ولا تواصل أرضي. لكن الأهمّ أن ساركوزي الطامح للعب دور في العثور على حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أولاً والعربي الإسرائيلي ثانياً، اعترف بأنّ العالم قد يشهد انفجار انتفاضة ثالثة في الأراضي الفلسطينية.
احتمال وقوع انتفاضة فلسطينية ثالثة احتمال فعلي وجدّي. من الطبيعي أن يرفع ساركوزي منسوب الخطر المحتمل لكي يُطلب دوره بسرعة من الرئيس باراك اوباما لصياغة حل سياسي في مؤتمر دولي أو محدود. سبق وأن عبّرت قوى فلسطينية ميدانية عن وجود مثل هذا التوجّه لدى شرائح واسعة من القوى والشباب الفلسطيني. اليأس قد يدفع هذه الشرائح إلى طرق الأبواب بكل ما يمكنها وما تمنحها الأرض. تحذير ساركوزي ليس نابعاً من قلقه على مصير آلاف الشباب الفلسطيني لكن لأن:
وقوع انتفاضة ثالثة يعني انها ستكون انتفاضة أكثر دموية. الفلسطينيون سيقدمون على مثل هذه الانتفاضة وهم يعلمون انهم سيدفعون ثمناً مرتفعاً يقدّر بالآلاف من الشهداء. الحكومة الإسرائيلية التي صبّت الرصاص المسكوب على غزة لن تكتفي بتكسير أيدي الفلسطينيين كما حصل في الانتفاضة الأولى. لا شك أنّها مستعدّة لارتكاب جرائم حقيقية باسم الدفاع المشروع عن النفس.
انّ العالم سيشعر هذه المرة بإحراج كبير. أوروبا لا يمكنها إغلاق عينيها لمدة طويلة، لا شيء يضمن بقاء منطقة الشرق الأوسط ساكنة في وقت توجد فيه على حافة الهاوية. حتى واشنطن لا يمكنها الاستمرار في دعم إسرائيل خصوصاً إذا ما اقتصرت الانتفاضة على المواجهة بين الصدور العارية والحجارة ضد الآلة العسكرية الإسرائيلية وتحديداً آلة الموساد للقتل والإرهاب.
ربما هذه الانتفاضة قد تصبح حلاً يجبر الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي معاً على تقديم تنازلات تجبرهما على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. الواقعية الأميركية يمكنها ان تتعامل مع هكذا وضع إذا ما كانت واعدة بفتح الأبواب أمام الحل. لكن أوروبا، وتحديداً الدول القابعة على الضفة الشمالية من حوض البحر الأبيض المتوسط لا يمكنها انتظار وقوع مثل هذا التطوّر. ما يؤشر إلى ذلك قول كوشنير ان الجمود والاستثمار الخطر الطريق المسدود للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي أصبح يتعلق بأمن أوروبا وليس أطراف الصراع وحدهم.
لبنان على موعد مع استحقاقات خارجية عديدة منها القمّة العربية المقبلة وإكمال المصالحات العربية العربية، والكشف عن المقترحات الأميركية التي قُدِّمت إلى محمود عباس التي يجب أن تتضمن الضمانات المطمئنة للفلسطينيين لدخول مغامرة مفاوضات جديدة مع إسرائيل.
يبقى ان عين الحلوة .. حمراء أكثر مما يجب.. الحذر والتعامل بهدوء شديد دون تراخ يجب ألا يدفع قوى الشر إلى المراهنة على ضعف إرادة لبنان واللبنانيين بالمواجهة ودفع الثمن مع الفلسطينيين مهما كان مرتفعاً وغالياً لإزالة هذا الخطر.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.