وجّهت ايران ضربة قوية ضد الحرب الناعمة التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية والدول المتعاونة معها، بنجاحها في القبض على عبد الملك ريغي زعيم حركة جند الله. تفاصيل العملية لم تعد مهمة جداً، لأنه يمكن بعد هذا النجاح رواية أو فبركة ألف قصة وقصة، التي تؤكد كل واحدة منها براعة المخابرات الايرانية. من الطبيعي جداً أن يتم الحديث بكثافة عن هذه البراعة في وقت تتزايد فيه المعلومات عن الفشل العظيم لإسرائيل في عملية اغتيال القيادي الفلسطيني في حماس محمود المبحوح من جهة، ومن جهة أخرى لتغطية التصعيد الأمني في الداخل ضد المتظاهرين من الاصلاحيين في انتفاضة خضراء لم تشهد بعد ربيعها حتى يمكن الكلام بعد عن خريفها.
حرب في بداياتها
ربحت ايران معركة لكنها لم تربح الحرب. بالعكس، ما زالت الحرب في بداياتها وهي ما زالت مقتصرة على الجانب الناعم منها، أي العمل في الخفاء والظلام في مواطن ومواقع الضعف والحساسية القومية والمذهبية من الفسيفساء الايرانية على أمل تفكيك الوحدة القائمة حول النظام في طهران، وإجباره على تقديم تنازلات يطالبها بها هذا التحالف الأميركي الأوروبي. يجب ألا يتم التغافل أو التناسي أن طهران اعترفت بأن أكثر من ستة من علمائها النوويين قد قتلوا أو اختفوا، كما أن لها في فرنسا وغيرها من العواصم حوالي ثلاثة من الذين لهم علاقة بمشروعها النووي تم ايقافهم في ظروف معينة ويجري التفاوض حولهم منذ فترة لمبادلتهم كما في الحالة الفرنسية بالسجينة كلود رايس.
رغم أهمية الحرب الناعمة وخطورتها، لأنها في معظمها حرب في الخفاء تغيب عنها في كثير من الأحيان المقاييس الأخلاقية وتتحكم فيها الارادة بتحقيق أهداف يمكن استثمارها على المدى المنظور، فإن للمواجهة مع النظام الايراني، ذلك لا يحرف الاهتمام عن الحرب الأخرى الدائرة حول الملف النووي، كعنوان شامل، علماً أن في طياته حروباً أخرى تتعلق بموازين القوى وصناعتها على مساحة الشرق الأوسط.
طهران، رغم كل طبول الحرب، تبدو وكأنها تنام على حرير عدم وقوع حرب عسكرية مع الولايات المتحدة الاميركية، لأن الادارة الأوبامية لا تبني استراتيجيتها على الحرب كما الادارة البوشية، ولأن العملاق الأميركي غارق حتى ركبتيه في وحول أفغانستان والعراق. أما بالنسبة لاسرائيل فإنها بدون موافقة أميركية واضحة على قرارها بالحرب فإنها لن تقدم عليها.
وأخيراً لأن ايران تستطيع إشعال الهلال الاسلامي كما لم يحصل من قبل، اضافة الى مأزق خسارة أوروبا للنفط وارتفاع أسعاره جنونياً. كل ذلك أصبح معروفاً من الجميع، لكن هذه المعرفة لا تمنع كما يبدو الاستعداد للحرب من الطرفين وكأنها واقعة اليوم قبل الغد.
ألعاب الحرب في مراكز الدراسات الاستراتيجية مستمرة. وهي ليست ألعاباً بالمعنى العادي. بالعكس، في مثل الحالة الايرانية فإنها في محاكاتها للطبيعة الديناميكية والتنافسية للأوضاع القائمة في عالمنا الحقيقي، تكون في أساسها من أدوات التخطيط الاستراتيجي. من الفشل أو النجاح لهذه الألعاب يتم تصحيح الأدوات والخطط والوسائل، وحتى خلق البديل عنها. خلاصة ألعاب ثلاثة مراكز هي: جامعة هارفرد وجامعة تل أبيب ومؤسسة بروكنغز، التي شارك فيها مدنيون وعسكريون من صناع القرار السابقين، ومن الخبراء الاقليميين من أكاديميين وصحافيين، أن ايران ستتصرف بقوة. أن الاجماع الدولي لن يتحقق. أن عواقب العمل الاسرائيلي وخيمة. وأخيراً أن ايران ستربح لأن: يدها قوية، واستراتيجيتها متماسكة، وأهدافها واضحة، وقيادتها حازمة. أما أخطر النتائج فهي أن أزمة عميقة ستنشب بين واشنطن وتل أبيب.
بعد التوقعات/ النصائح التي تهدف من خلال تغيير الاستراتيجيات الى تحقيق نتائج أكثر ايجابية أبرز خلاصة موجهة للولايات المتحدة الأميركية هي: العمل على تغيير النظام في ايران، لأن العقوبات فاشلة والحرب شبه مستحيلة.
نتائج للدراسة والتطوير
هذه النتائج لا تلزم واشنطن بشيء، لكنها حكماً ستكون موضع دراسات معمقة. البراغماتية الأميركية هي سيدة صياغة القرارات في واشنطن. من الواضح ان الادارة الأميركية تريد متابعة جهودها السياسية والمكثفة لصياغة عقوبات مشددة ضد ايران، تحديداً ضد الحرس الثوري. على الأقل تعمل واشنطن على اللعب وحدها في هذا المجال الى حين تحقيق أي نوع من الاجماع الدولي. إعادة ستيوارت ليفي الى الادارة الأوبامية علماً أنه نتاج خالص للادارة البوشية يؤكد هذا التوجه. ليفي الذي يتولى منصب وكيل وزير الخزانة الأميركية معروف جيداً من الايرانيين لأنه يلاحق مؤسساتهم وشركاتهم الالتفافية منذ عدة أعوام. وهو يؤكد في نشاطه المستمر: ان الحرس الثوري يختبئ وراء شركات مثل خاتم الأنبياء والشركات التابعة لها للإبقاء على روابط أساسية مع العالم الخارجي. وكان قد سبق لليفي في العام 2007 أن صنف في وزارة المالية قوة القدس وتسعة كيانات مرتبطة بالحرس في خانة المنظمات الارهابية بحجة أنها تقدم دعماً مادياً لطالبان. ويعدّ ليفي حالياً عقوبات تشمل الشركات التي تقوم ببناء أنابيب الغاز والنفط ومحاصرة الشركات التي توفر ناقلات للنفط الايراني وتحديداً البنزين فيما أصبح يعرف بـحرب البنزين.
في هذا الوقت، تتدارس مختلف الأوساط السياسية من واشنطن الى المنطقة مروراً بباريس التي أخذت مكان لندن في الحرب ضد العراق، العمل على دفع أوباما للخروج من تحفظاته وشن الحرب ضد ايران، سيناريوهات للحرب القادمة من حيث موعدها وأهدافها. وتؤشر هذه العواصم وأبرزها باريس الى أن الحرب القادمة تنتظر:
*نتائج الانتخابات العراقية وما سيتلوها من تشكيل للسلطة التنفيذية الجديدة التي قد تأخذ وقتاً. وعلى ضوء ذلك تتم دراسة تسريع أو ابطاء انسحاب الجيش الأميركي من العراق الذي يشكل برأي طهران تفاحة ناضجة لقطفها في أي حرب شاملة.
*تطور العلاقات السورية الأميركية، بحيث يمكن وضع خريطة طريق نهائياً لردة فعل دمشق على أي حرب ضد ايران. أي هل ينتج عن مسار التطبيع الحالي بين واشنطن ودمشق، قرار سوري بعدم الدخول في المواجهة مباشرة، والأهم منع حزب الله من اشعال الجبهة عبر لبنان، خصوصاً وأن الحرب هذه المرة لن تكون محدودة ومحصورة في لبنان بل ستشمل سوريا مباشرة.
باريس تصر على ان حبّات ساعة الرمل تكاد تنتهي. الوقت بدأ ينفد أمام ايران. القرار نهائي بأنه لا يمكن قبول ايران في النادي النووي أولاً، ولا في موقع القرار بكل ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط. هذه القناعة يترجمها اصرار الرئيس نيكولا ساركوزي أمام من يلتقيهم من الزعماء والمسؤولين العرب رداً على تساؤلاتهم حول احتمال وقوع الحرب مع ايران قوله: أنا أعرف بأنها ستقع.
الذين يرون بأن الحرب واقعة لا محالة يرون أيضاً أن خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط ستخرج من قلب هذه الحرب. مشروع جورج بوش فشل في خلق شرق أوسط جديد، لكن ذلك لا يعني ان واشنطن تخلت عن مشروع بهذا الحجم، ولو بصيغة أخرى ونتائج مختلفة. الواقعية الأميركية قادرة على التعامل مع المتغيرات الجديدة أو الطارئة طالما انها تخدم استراتيجيتها وأهدافها. أولى ثوابتها الامساك بقوة وفعالية بهذه المنطقة الحيوية لأمنها القومي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.