لبنان معني مباشرة بالمفاوضات غير المباشرة بين السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية. سواء نجحت هذه المفاوضات أم لم تنجح، فإنّ ارتداداتها ستطال لبنان بقوّة. فلسطين والفلسطينيون حالة لبنانية داخلية، والعكس صحيح. أهمية هذه المفاوضات انّ السلطة دخلت هذا المسار:
بموافقة ودعم من منظمة التحرير الفلسطينية، مما يمنحها شرعية فلسطينية في مواجهة معارضة منظمات الممانعة بدءاً من حماس وانتهاء بـفتح الانتفاضة.
موافقة عربية صادرة عن وزراء الخارجية العرب، مما يضمن لها فترة سماح عربية تصل إلى درجة الدعم العلني رغم معارضة عاصمة الممانعة دمشق. المشكلة انه ليس من مصلحة دمشق فتح المسار الفلسطيني الإسرائيلي في ظل جمود المسار السوري الإسرائيلي. فتح المسار السوري عاجلاً أم آجلاً يعيد التوازن إلى المواقف ويخفف حكماً من حدّة الاعتراض الذي لا يصل إلى حالة المعارضة المطلقة.
توافر رعاية أميركية، التي بدونها لا يمكن أن ينطلق قطار المفاوضات. من المهم جداً أن جوزيف بايدن نائب الرئيس الأميركي يرى أنّ لبلاده مصلحة موازية لمصلحة الفلسطينيين والإسرائيليين بالسلام، ولذلك فإنّه سيكون لواشنطن دور فاعل ومستديم، وهذا يشمل المشاركة بالرسائل بين الفريقين وتقديم الأفكار وتقريب وجهات النظر حول الاقتراحات كلما دعت الحاجة.
اختبار الدور السوري
دمشق تريد بقوّة وإصرار دوراً أميركياً في المفاوضات غير المباشرة التي ستنطلق مع إسرائيل عاجلاً أم آجلاً مماثلاً لدورها المحدّد على المسار الفلسطيني الإسرائيلي حسب بايدن، دون الراعي الأميركي يبدو انّ إمكانية انطلاق المسار السوري الإسرائيلي ضئيلة جداً وحظوظ نجاح هذا المسار ستكون محدودة. نائب الرئيس الأميركي وجّه رسالة تطمينية لدمشق تتعلق بأنّ دورها آت مع تل أبيب بقوله كنا نعي دوماً انّ المفاوضات ستمضي على مسارات عدة بعضها مباشر وبعضها غير مباشر.. نحن نستكشف إعادة استئناف المفاوضات عبر خليط من هذه المسارات. طبعاً وضع بايدن شروطاً واضحة على دمشق تتعلق بمسار التطبيع معها الذي يسبق أي مسار آخر.
لبنان له في هذا العرس قرص. سواء كانت لديه حقوقا أو مطالب، بالنهاية سيُدعى إلى المفاوضات. ما يعزّز ذلك انّ مؤتمراً على غرار مؤتمر مدريد لبلورة السلام الشامل يجب أن يُعقد. حالياً واشنطن لا تريد الدخول في مزاحمة أو منافسة غير متكافئة مع باريس وموسكو، ليس من مصلحتها أن تستنكف موسكو عن دعم مسارات التفاوض لأن ليس لها دور فيها حالياً. ولا أيضاً من طبيعة العلاقات ومستقبلها مع فرنسا أن تشعر الأخيرة أنّها مستبعدة وهي العاصمة الأكثر حماساً للعب دور رئيسي وأساسي بسبب طموحات رئيسها نيكولا ساركوزي. متى دُعي لبنان إلى مؤتمر دولي لا يستطيع إلا تلبية هذا الطلب. أصلاً دمشق أكدت مراراً انها مستعدة لإدخال لبنان في مسار المفاوضات الشاملة. إذا كان زمن وحدة المسارين قد انتهت، على الأقل فإنّ سياسة التنسيق الشامل والكامل بين العاصمتين ستكون حاضرة بقوّة مستقبلاً.
منظمات الممانعة والرفض الفلسطينية لها الحق بالمعارضة وشحن الساحة الفلسطينية ضدّ السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية. لكن كما يبدو لا يمكنها حالياً الإقدام على أي عمل تحديداً في الميدان العسكري، للالتفاف على المفاوضات، تأكيداً منها لموقفها. دمشق التي ثم في مرحلة اختبار أميركية تحدث عنها نائب الرئيس الأميركي بوضوح وقال إنّ بلاده تأمل بالعمل مع سوريا لنشر السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. أيضاً مَن يريد الإقدام على عمل عسكري عليه أن يتحمّل تبعات ردّ إسرائيلي قاس وربما بربري بموافقة وحتى رعاية أميركية.
الخوف في لبنان الذي يشكّل حلقة القطع والوصل في الملف الفلسطيني كله. ما لا تستطيع حماس وغيرها القيام به ضدّ المفاوضات، يمكن لـالمنظمات الأصولية الإقدام عليه تحت ألف شعار وألف حجّة. لا شك انّ هذه المنظمات مهما كان حجمها لديها ما يكفي من خلل في حساباتها وجنون في خياراتها لتفجير الوضع في المخيمات الفلسطينية وتحديداً في مخيم عين الحلوة. ما يخيف في هذا التوجّه هو محاولة الربط بين الخارج الذي لن يأخذ ضمنها المصلحتين الفلسطينية واللبنانية معاً في حساباته وأهدافه، والداخل حيث يعاني الفلسطينيون في المخيمات منذ عقود هضماً لحقوقهم المدنية والمعيشية.
ترتيب البيت الفتحاوي
العمل على ترتيب البيت الفلسطيني خصوصاً البيت الفتحاوي منه مستمر، لا بل انّه منذ أسابيع انطلق بسرعة معقولة حتى الآن. هذه العملية بدأت من القمّة في استبدال اللواء سلطان أبو العينين بفتحي أبو العردات، وهي عملية اقتضت مخاضاً طويلاً وصعباً، لم يكن يتوقع الكثير من الفلسطينيين واللبنانيين انجازها بهذه السرعة والدقّة وخصوصاً أنها مترافقة مع تغييرات على صعد أخرى.
كان لافتا، خلال المواجهة المسلحة الأخيرة داخل مخيم عين الحلوة، ان قوى عديدة داخلية وخارجية حاولت خلال الاشتباكات المفتعلة اختبار فتح ووحدتها. لذلك فإنّ السيناريو الذي اعدّ بعناية، كان يهدف إلى استثمار بعض الخلافات حول التعيينات القيادية وبالتالي تأليب فريق فتحاوي على الفريق الآخر، والنفاذ من خلاله لتغيير التوازنات داخل المخيم لمصلحة المنظمات الأصولية المتطرفة القديمة منها أو الناشئة حديثاً منها، بذلك يكتمل إلغاء القرار الفتحاوي المشدود إلى التفاهم والتعاون اللبناني الفلسطيني.
الهدف من هذه العملية إعادة الاعتبار لوجود فتح كعمود للوجود الفلسطيني في المخيمات، ما يدعم الترقب اللبناني لهذه العملية التزام السلطة الوطنية وضمنها فتح بالقرار اللبناني الرسمي، ضمن هذا يقع ملف السلاح الفلسطيني. القيادة الجديدة لحركة فتح وبتوجيه ودعم من السلطة تريد حلاً شاملاً ونهائياً لمشكلة السلاح داخل المخيمات وخارجه. هذه القيادة ترى أنه لا بندقية خارج الشرعية اللبنانية. أكثر من ذلك توافق قوى فلسطينية على ان السلاح الفلسطيني داخل المخيمات لم يعد له أي مهمة في المقاومة. بالعكس هذا السلاح أصبح مربكاً ومتعباً للجميع ويضع أمن المخيمات وأمن لبنان في عين الإعصار. مَن يريد الاحتفاظ بسلاحه للمقاومة، فليتفاهم مع حزب الله للانضمام إليه ولينشط في المقاومة معه إذا قَبِلَ حزب الله انخراطه معها.
لا تريد هذه القوى الفلسطينية مبادلة السلاح بالحقوق المدنية. لكن في الوقت نفسه تريد أن تعمل الدولة اللبنانية من موقع الأخوة أولاً وانطلاقاً من ان تغيير الواقع الفلسطيني على أساس احداث التنمية البشرية والاقتصادية خصوصاً مع توافر الدعم الاقتصادي من الاتحاد الأوروبي ينزع كل الحجج التي تحاول أطراف معينة جعلها قنابل موقوتة في العلاقات الفلسطينية اللبنانية. هذا التحوّل قد يكون صعباً في بعض الملفات لكنه ليس مستحيلاً.
أما التخويف في كل مرة بشبح التوطين فإنّه نوع من القتال على شيء غير موجود على الأرض. أصبح من الملحّ تقديم تعريف مشترك قانوني وميداني للتوطين بكل ما يتعلق بالجنسية والوظائف وغير ذلك، حتى يتم سحب هذا الشبح من التداول.
من الطبيعي جداً أن الساحة الفلسطينية في المخيمات تتطلب وقتاً وجهوداً أكبر لتنظيفها من الألغام الداخلية. والقنابل الموقوتة على ساعات خارجية. ايضاً من الواضح انه يوجد وعي فلسطيني لبناني لكل ذلك. المطلوب فقط تمرير المرحلة الانتقالية الحالية بأقل ما يمكن من الهزّات لأنها تأتي في مرحلة دقيقة جداً للجميع، خصوصاً للجانب الفلسطيني الذي يخوض اختباراً حساساً جداً لفترة محدودة زمنياً، إذا نجحت فيها فإنّ ذلك سيفتح مسارات أخرى أما إذا فشل فإنّ استقالة السلطة الوطنية كلها وليس أبو مازن فقط هي المطروحة جدّياً هذه المرة، مما يعني وضع القرار الفلسطيني كله أمام تجربة جديدة غير واضحة المعالم وغير محددة في ارتداداتها على الوضع العربي خصوصاً على لبنان.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.