8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الانتخابات في العراق أفرزت قوى متقاربة في قوتها الطائفية والمذهبية وعلاقاتها الخارجية

لن تتشكل الحكومة العراقية غداة إعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية. أمام العراق والعراقيين، تجربة طويلة للتعايش مع الوقت الضائع. الأصعب في هذه التجربة أنها ستكون معجونة بالدماء والدموع. رحلة العراقيين مع الألم والحزن ما زالت كما يبدو طويلة، نتيجة للإرهاب والتفجيرات الإرهابية العمياء المتداخلة مع تعقيدات إقليمية ودولية.
المفاوضات حول تشكيل الحكومة المقبلة بدأت بعد ظهور أقل من ثلاثين في المئة من النتائج. معرفة القوى المشاركة أن وظيفة الانتخابات تنتهي مع ظهور الرسم التفصيلي لتضاريس خريطة القوى السياسية، دفعتها للتعجيل بالمفاوضات، لكي تنتج تحالفات ضرورية وحاسمة قادرة على فرض تسوية معينة تصيغ السلطة التنفيذية في الأسماء والمواقف.
التضاريس الواضحة في كثير من المواقع أكدت أن القوى متقاربة في قوتها الى درجة أن المنافسة تكاد تكون عـالمنخار أو الكتف بالكتف. لن تفوز قوة بالأغلبية التي يمكنها فرض نفسها على الجميع.
نوري المالكي واياد العلاوي في المقدمة يليهما مباشرة رؤوس لائحة الائتلاف الوطني وهم رئيسها السيد عمار الحكيم وعادل عبد المهدي وأحمد الجلبي وابراهيم الجعفري وموفق الربيعي وابراهيم بحر العلوم. كل رأس من هؤلاء مشروع رئيس وزراء. قد لا تقع الحرب بينهم علناً لكن من المؤكد لو سنحت الفرصة أن التنافس بينهم سيكون دامياً، وإن كان عادل عبد المهدي يبقى الأبرز والأقوى بينهم.
المنافسة الحقيقية هي بين المالكي والعلاوي. كل واحد منهما يملك أوراقاً رابحة داخلياً وخارجياً. الأول يعتبر مع حزبه الدعوة أن له حقاً شرعياً في ولاية ثانية برئاسة الوزراء، وأن هذه الولاية رغم أنها لم تترسخ بأغلبية شعبية واسعة تجعل منه الرقم الصعب في المعادلة الداخلية، فإنها تحولت بين ليلة وضحاها الى سلاح يتم التهديد بها في إشعال انتفاضة شعبية. مشكلة المالكي أنه فاز بالانتخابات سواء كان الأول أو الثاني، إلا أن حزبه حزب الدعوة لم يفز لا بل خسر الكثير من المواقع والأسماء البارزة فيه ومنهم: حيدر العبادي وحسن سنيد وأبو ادريس وسامي العسكري. هذا الفشل خلق للمالكي مشكلة حزبية داخلية تشدد على أنه أمسك بالسلطة التنفيذية ووضع الحزب وراءه، فجاءت النتائج طبيعية. مهما يكن لا يستطيع حزب الدعوة استبداله خصوصاً وأن الأبرز من وجوهه هو علي الأديب المعروف بأنه الحصان الإيراني بلا مقارنة مع أي حصان آخر. وإذا كان من المهم أن يكون للمرشح علاقات مهمة مع طهران تبعاً للمعادلات الداخلية والخارجية معاً فإنه من غير المقبول أن يكون محصوراً في هذه الزاوية. أيضاً للمالكي مشكلة مع دمشق والرياض، والسؤال بعد تقدم العلاوي ولائحته هذا التقدم الى أي درجة تسمح الواقعية السياسية الناشئة عن الانتخابات بتجاهل هذه الخصوصية؟
العلاوي أثبت قوته. أخذ نسبة حقيقية قد لا تكون كبيرة من أصوات الشيعة إلا أنها تكفي لتلوين حضوره السياسي مذهبياً. المهم أيضاً أن العلاوي امتلك تمثيل السنة العائدين الى الحياة السياسية العراقية بعد أن غابوا عنها غداة سقوط نظام الرئيس صدام حسين. هذا المزيج في تمثيل العلاوي صبغ عليه صبغة المشروع الوطني في ولادة العراق الجديد مهما كان الرأي حوله يحتمل الإشكالية، قوة علاوي أنه الحاضر الكبير في المعادلة الخارجية فهو يرتكز على مربع أميركي سوري سعودي تركي، مع غياب الفيتو الإيراني عنه، لأن طهران تعتبر أن أي شخص يتسلم رئاسة الوزراء في العراق لها حصة فيه ولا يستطيع أن يتجاهلها فهو يحتاج الى موقف شيعي داعم له، وحالياً طهران في قلب النسيج الشيعي العراقي.
الباقون من الأسماء المعروفة لدى كل واحد منهم نسبة من الحضور وعوامل القوة لكنها كما يبدو لا تكفي، إلا في حال حصول انقلاب في التحالفات والدخول في عملية تصفية للأسماء الكبيرة بما يحقق الإجماع والتوافق حول اسم واحد قادر على جمع التناقضات حوله ومعه. ويبقى عادل عبد المهدي أبرز هذه الأسماء وأقواها، الى جانب فلتات شوط معروفة أو مفاجئة.
لا شك أن الائتلاف الكردي كلمة مرجحة لأنه أساسي في طبيعة تركيبة العراق ونظامه. تجاهل الموقف الكردي مستحيل. بالنهاية فإنه يشكل بيضة القبّان. تراجع التحفظات الكردية على العلاوي أعطته قوة دفع مهمة. وانفتاح جلال الطالباني عليه يدعمه. مسعود البرزاني وأن أثبت أنه الأقوى كردياً إلا أنه لا يستطيع تغييب رأي حليفه الطالباني، ما زال للطالباني وزن وشرعية تاريخية لدى الأكراد لا يمكن التقليل منها.
يبقى أن لواشنطن رأياً كبيراً في كل ما يحدث وسيحدث في العراق. واشنطن تريد إنجاز انسحاب قواتها تدريجياً من دون انزلاق العراق في الفراغ السياسي والأمني معاً. لذلك كل ما يحقق نوعاً من القاعدة الصلبة والقوة القادرة على مواجهات الاستحقاقات القادمة ستدعمها. واشنطن أكثر الدول معرفة بحقيقة واقع القوى الداخلية والخارجية معاً. حتى الآن ليس لديها حصاناً وحيداً تراهن عليه. من يأتي سيأخذ موقفها في الاعتبار. الواقعية السياسية هي النهج الذي تتبعه واشنطن، من يساعدها في تحقيق انسحابها بهدوء، ويؤكد تعاونه في ما بعد بما يضمن الاستقرار ولو نسبياً ستتعامل معه. واشنطن مستعدة للأخذ في الاعتبار موقف طهران مما يجري وسيجري، وهي بذلك لن تتجاهل وجودها ومصالحها لأنها تعرف أن الأمر مسألة حياة أو موت بالنسبة لها.
بعد اختيار رئيس الوزراء سيأتي اختيار الوزراء والحقائب. هذه العملية ستأخذ وقتاً طويلاً، لأن كل حقيبة وزارية لها حساسيتها، خصوصاً النفط والداخلية والدفاع. يضاف الى ذلك موقع الرئاسة الذي وإن كان محجوزاً للأكراد فإن نوعاً من الحراك العربي السني بدأ يلوح في الأفق لاستعادة هذا الموقع لهم، التحالفات ستوقع باتجاه تفاهمات محدودة على كل المستويات.
لبننة النظام في العراق مستمرة لا بل إنها تتأكد أكثر فأكثر، وهي بلا شك أكثر تعقيداً، لأنه الى جانب التركيبة الطائفية والمذهبية توجد العرقية أيضاً لأن الجوائز في العراق أكبر بكثير من لبنان على مختلف المستويات، لذلك فإن التنافس أكثر حدة داخلياً وخارجياً. ولا يعادل الضربات الموجهة من هذا الطرف ضد الطرف الآخر إلا حجم التنازلات التي تقدمها القوى من جيبها أو من جيوب الآخرين.
الحدث العراقي، دخل كل بيت على مساحة منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً العالم العربي. لبنان طرف في كل هذه المعادلات التي أفرزتها الانتخابات والتي ستصيغها التحالفات بين مختلف القوى. مصلحة لبنان ألا تطول فترة الوقت الضائع في العراق كما طالت في لبنان، كلما ظهرت النتائج بسرعة وتشكلت السلطة التنفيذية بسرعة أكبر، استطاع لبنان واللبنانيون أن يعرفوا الى أين يتجهون مستقبلياً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00