8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

دعوة عربية لأوباما بالصمود في مواجهة الاستيطان الإسرائيلي واللوبي اليهودي ينشط مستقبلياً وكأنّه وُلد اليوم

القمّة العربية في سرت التي أُريد لها أن تكون قمّة صمود القدس كانت من نوع لزوم ما لا يلزم. لا جديد فيها سياسياً. قراراتها يمكن أن تجدها في معظم القمم السابقة، ما عدا ما يتناسب مع الأحداث الطارئة، كأنّ الحال على حاله منذ خمسين سنة. اللغة الخشبية التي تدعم الصمود والتصدّي ذاتها بكل تفاصيلها من المفردات إلى المطالبات وتعداد الأهداف. حتى الدعوة لإنشاء رابطة دول الجوار ليست جديدة في مضمونها. وجود تركيا في القمّة بشخص الطيب أردوغان ومواقفه على يسار المشاركين وفي مقدمتهم العقيد معمر القذافي، دفعت هذا المقترح إلى الواجهة وليس إلى التنفيذ. من الصعب جداً إنشاء رابطة للجوار والنظام العربي مريض في غرفة العناية الفائقة منذ سنوات طويلة. قبل أن تتم دعوة الخارج للانضمام إلى مثل هذه الرابطة، على الأقل يجب أن يتعافى النظام العربي. دون ذلك لا معنى للعرض ولا حتى للاجتماع حوله في قمّتين بدل القمّة الواحدة.
طبعاً تأجيل عرض مشروع اتحاد الدول العربية إلى القمّة الاستثنائية يرضي العقيد معمر القذافي هاوي التجارب الوحدوية العربيّة والافريقيّة والفلسطينية الإسرائيلية، ويرفع المسؤولية عن باقي القيادات العربية. إذا كان من الصعب جداً الاتفاق حول قضايا جوهرية تمس الحاضر العربي، كيف يمكن التعامل مع مشروع مستقبلي بحجم إقامة اتحاد للدول العربية. يظهر أنّ العقيد القذافي لم يتعب بعد أربعين سنة في السلطة من الدعوة للوحدة والاتحاد وعدم تنفيذ أي شيء منها. أكثر ما يؤلم في هذه الدعوات القذافية حالياً أنّها تأتي بعد أن خرج من العالم العربي إلى افريقيا من جهة، ومن جهة أخرى في وقت يخاف فيه الجميع من سرطانَي العرقنة واللبننة لأنّ بذورهما الطائفية والمذهبية مزروعة في كل مكان، والراغبين والعاملين لتفجير فسيفساءات المجتمع العربي موجودون ويتنافسون في الداخل والخارج على إلغاء هذه الأمّة.
أهم دعوة للقمّة في بيانها الختامي الذي أطلعت عليه الجماهير العربية القلقة على وقع نشيد الله أكبر، هي التي وجّهتها إلى الرئيس باراك اوباما. في البيان الختامي أكد القادة العرب دعوة الرئيس اوباما للتمسّك بموقفه المبدئي والأساسي الذي دعا فيه إلى الوقف الكامل لسياسة الاستيطان في كافة الأراضي المحتلة بما في ذلك النمو الطبيعي وفي القدس الشرقية باعتبار الاستيطان يشكّل عائقاً خطيراً أمام تحقيق السلام العادل والشامل. لم يقل البيان الختامي ماذا سيفعل العرب لدعم اوباما الذي لا شك انه بحاجة له.
يستطيع العرب كما يفعلون منذ أكثر من نصف قرن أن يعلنوا عجزهم عن التأثير في السياسة الأميركية. لذلك من الأفضل الاكتفاء بالدعوات. هذا العجز العربي التاريخي بالتأثير في السياسة الأميركية أصبح معروفاً في أسبابه ومظاهره. يمكن للعرب أن ينفقوا مليارات الدولارات على مشاريع وهمية، لكن أن ينفقوا عشرات الملايين على مشروع مستقبلي لبناء لوبي عربي قوي ومؤثر يخدم قضاياهم المصيرية فهذا من سابع المستحيلات. حاول الكثيرون وفشلوا، كإن المجتمع الأميركي مغلقاً وليس مفتوحاً أمام العقل والنشاط الواقعي المتواصل الذي لا ييأس من إقفال باب إذا قُرع، فالأبواب في الولايات المتحدة الأميركية أكثر من أن تُحصى. مطلوب إرادات حقيقية، وخطط عملية طويلة الأجل، وتمويل قانوني وشرعي، قواعده معروفة جداً. كل ما يفعله العرب هو التسليم بقوّة اللوبي اليهودي والتحسّر على فعاليته.
من المعروف جداً انّ اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية يلعب دوراً مؤثراً في صنع السياسة الأميركية تجاه إسرائيل. لهذا اللوبي ممثلوه داخل الكونغرس ونفوذ كبير داخل الإعلام الأميركي خصوصاً المملوك من المحافظين الجدد من جهة ونقيضهم من جهة أخرى من الليبراليين. لكن الأهم من كل ذلك أنّ هذا اللوبي وذراعه الفولاذية منظمة ايباك، يعمل بشكل متواصل على زرع حضوره في الأجيال الصاعدة خصوصاً طلاب الجامعات والثانويات. نعم الثانويات، حيث الطلاب الذين لم يبلغوا سن الثمانية عشرة ما زالوا عجينة قابلة لتقبّل كل الأفكار والتحوّلات.
موقع تقرير الأميركي نشر دراسة حول البرامج التي يعمل اللوبي اليهودي على نشرها في الأوساط الجامعية والثانوية. أحد هذه المشاريع،: اكتب من أجل إسرائيل الذي تعده صحيفة نيويورك جويش الأسبوعية وهي أكبر الصحف اليهودية في أميركا. قراءة متأنية لهذا المشروع تُوضّح كيف يحفر اللوبي اليهودي في قلب المجتمع الأميركي وكأنه يبدأ اليوم وليس أنه أقوى اللوبيات.
يُموّل مشروع أكتب لأجل إسرائيل مؤسسة آفي شي وهي كما تُعرِّف نفسها مؤسّسة خاصة تأسّست عام 1984 على يد زلمان برنستين الذي تعهّد بـتخليد الشعب اليهودي، والديانة اليهودية، ومركزية دولة إسرائيل إلى الشعب اليهودي. تعمل المؤسسة في الولايات المتحدة وإسرائيل. وتقوم بتمويل 80 مشروعاً في الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد السوفياتي السابق.
يهدف المشروع، كما يقول جاري روزنبلات، محرّر وناشر النيويورك جويش الأسبوعية، إلى تعليم طلاب المدارس الثانوية والجامعات حقائق الصراع الحالي في الشرق الأوسط. ومنحهم المعرفة التاريخية ومهارات الاتصال لجعل قضية إسرائيل فعّالة، وليغرس فيهم الثقة الأخلاقية كي يصبحوا محامين فخورين عندما يذهبون إلى الكلية.
يبدو واضحاً انّ المشروع يستهدف خلق مجموعة من المؤهلين للعمل في الصحافة أو في وسائل الإعلام بصفة عامة وذلك في اطار الدفاع المنظم عن إسرائيل وسياساتها داخل المجتمع الأميركي. ولا شك أن التركيز على فئة طلاب الجامعات يمنح الفرصة لخلق كوادر شبابية مؤهلة خاصة إذا ما التحقت هذه الكوادر بالجامعات، وستقوم هذه الكوادر بدورها داخل جامعاتها وحتى بعد أن تخرج إلى الحياة العملية.
يختار المشروع 30 طالباً ينخرطون في برنامج تعليمي وتدريبي مكثف. وتركّز الدروس التعليمية على اليهود وتاريخ إسرائيل وحقائق وأساطير الصراع العربي الإسرائيلي، بالإضافة إلى مواجهة انحياز الصحافة وجعل قضية إسرائيل في أجهزة الإعلام وكيفية التعامل مع التحدّيات في الحرم الجامعي. يُطلب من الطلاب المشاركين حضور سبع دورات دراسية أثناء السنة الأولى، والمشاركة في التكليفات التي تُطلب منهم في هذه الدورة والانضمام إلى مهمّة تقصّي حقائق لمدة عشرة أيام إلى إسرائيل في نهاية السنة الأولى والمشاركة في مشاريع الدفاع عن إسرائيل أثناء السنة الثانية.
يُتوّج العمل الدراسي في السنة الأولى برحلة إلى إسرائيل تشمل جولات موجّهة للمواقع التاريخية ولقاءات مع المسؤولين والصحفيين الإسرائيليين. تعد الرحلة الشيء المهم في البرنامج، إذ يساعد على حد قول مسؤول المشروع على ترسيخ دروس الدفاع عن إسرائيل التي تلقاها الطلاب أثناء الدورات السبع التي عقدتها مركز Kraft بجامعة كولومبيا.
تتسم عملية اختيار الطلاب بالدقّة، إذ انّ المطلوب هو انتقاء عناصر لديها القدرة على الكتابة وترغب في العمل بالصحافة أو وسائل الإعلام عموماً، ويفضّل بالطبع من له ارتباطات بإسرائيل وربما مَن تكون له مواقف مؤيّدة وداعمة لسياساتها.
تتم مطالبة المشاركين بكتابة مقالتين في حدود 500 كلمة عن بعض الموضوعات التي ترتبط بإسرائيل.
[ لماذا أريد الاشتراك في برنامج أكتب لأجل إسرائيل؟
[ أجهزة الإعلام والشرق الأوسط: تحيّز أم توازن؟
[ ماذا تعني إسرائيل بالنسبة لي؟
[ ما هي أكثر الكتب التي تأثرت بها في حياتك؟
[ يخطط اتحاد الطلبة في مدرستك لدعوة الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر لمناقشة كتابه الصادر بعنوان فلسطين... سلام لا فصل عنصري،. أكتب خطاباً إلى صحيفة المدرسة تعارض فيه أو تؤيّد قرار اتحاد الطلاب بدعوة الرئيس.
[ إيران لا تشكّل تهديداً وجودياً لإسرائيل. هل توافق أم لا ؟
يقوم بالتدريس في المشروع مجموعة متنوعة من المحاضرين، تغلب عليهم صفة التأييد لإسرائيل وسياساتها. تشمل هذه المجموعة: كبار المثقفين، صحفيين محترفين، مسؤولين ، وضباطا في الجيش الإسرائيلي، طلبة كليات، مدراء تنفيذيين ومحترفين كبارا آخرين.
أخيراً، فإنّ المشروع أصدر كتاباً على غلافه جملة واحدة: العاطفة وحدها لا تكفي، لا بد من معرفة الحقائق. العرب يملكون جبلاً من الحقائق دعماً لقضيتهم فلسطين والأراضي العربية المحتلة.
للأسف حتى هذا الجبل أغرقوه بالعواطف والبيانات المكرّرة.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00