إسرائيل مأزومة. القوة غير المسبوقة التي تتمتع بها، لا تمنحها صياغة السلام الذي تأمله، ولا تعطيها القدرة على فرض ما تريده. بنيامين نتنياهو مشتت بين الغرائز اليمينية وشركائه في الائتلاف من ناحية، ومن ناحية أخرى بين هالة صانع السلام وكاتب التاريخ. هذا التشتت يجعله أيضاً مأزوماً. نتنياهو ليس قادراً على الحسم. من المستحيل في مثل حالته الاختيار بين النار والماء، لذلك عليه أن يستمر في التعايش مع هذه الحالة النادرة حتى يقع التحول الضروري والواجب للحسم.
في عمق هذه الحالة الإسرائيلية، التحول المهم في العلاقات الأميركية الإسرائيلية. من لا يريد أن يصدق أن التحول حقيقي وعميق يعني أنه إما لا يقرأ، وإما أعمى بسبب إصراره على مواقفه المسبقة. باراك أوباما لم يحدث التحول الاستراتيجي الجوهري في توجهات بلاده، فقط بسبب الاهانة والخطوة الهدامة جداً جداً بما حصل خلال زيارة نائبه جوزيف بايدن لإسرائيل، أسباب هذا التحول عميقة قائمة على قاعدة ان مصالح الولايات المتحدة ستتضرر بسبب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأن من المصلحة الأميركية الاستراتيجية قيام السلام في منطقة الشرق الأوسط. أكثر من ذلك كما يرى محافظون أميركيون جدد مثل دانيال بلتيكا ان تغييراً كبيراً قد حصل يبعد إسرائيل ما بعد الصهيونية عن الولايات المتحدة الأميركية - القرن الواحد والعشرين.
أيضاً العرب مأزومون. لا هم قادرون على الحرب ولا هم يرغبون بها. لا هم يملكون إرادة الدخول في مغامرة السلام. العرب أيضاً عاجزون. لا هم يتحملون عجزهم ولا هم قادرون على الخروج من حالتهم هذه. باختصار انهم غير قادرين على الحرب ولا على السلام. لعل أفضل مثال يدل على هذا العجز غير المسبوق في تاريخهم الحديث، أن كل ما استطاعوا الإجماع عليه في مواجهة القرار الإسرائيلي بإبعاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين أي ترانسفير جديد دعوة الفلسطينيين للصمود وعدم تنفيذ القرار إذا ما أرادت تنفيذه. في دعوتهم هذه نسوا أن يقولوا للفلسطينيين كيف سيقاومون القرار وكيف سيساعدهم ويدعمهم، مثلاً بربط أنفسهم بأشجار الزيتون التي تقتلعها إسرائيل يومياً؟
هذه الأزمة المثلثة الأضلاع، تضع عتاة اليمين المتطرف في إسرائيل أمام سيناريوهين متباعدين:
الأول: إسرائيل غير قادرة على الحرب ضد إيران، رغم كل رغباتها في تحقيق هذا الإنجاز تحت دعوى ضرب القنبلة النووية الإيرانية، قبل أن تكتمل وتصبح موجودة. أولاً لانها لا تستطيع رغم كل قوتها القيام بذلك وحدها، فإيران ليست لبنان، وثانياً لأنه يلزمها ضوء أخضر أميركي. وواشنطن غير مستعدة للقيام بذلك لا اليوم ولا غداً. واشنطن وحدها تملك قرار الحرب والسلام، ولن تعطيه لأحد حتى لإسرائيل.
الرئيس الأميركي باراك أوباما أوضح ذلك بطريقة لا لبس فيها في المؤتمر الدولي في واشنطن. قال أوباما: لا نزال دولة عسكرية قوية. عندما تنفجر النزاعات بطريقة أو أخرى نزج فيها، وهذا يؤدي الى ثمن باهظ ندفعه بالدم والموارد. من مصلحتنا الحيوية خفض هذه النزاعات.
غياب الضوء الأخضر الأميركي غائب أيضاً عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. واشنطن منعت إسرائيل من شن ولو عملية انتقامية واسعة ضد غزة بعد العملية الأخيرة التي قتل فيها ضابط وجندي إسرائيلي مؤخراً. واشنطن كانت تسمع إسرائيل أكثر مما يجب وتسد أذنيها عن العرب أكثر مما يجب. حان الوقت لتسمع واشنطن إسرائيل كما يجب والعرب كما هو ممكن ومطلوب. يبقى لبنان.
السيناريو الذي يرى فتح أبواب الجحيم في لبنان، يرسم أن إسرائيل تريد العثور على ثغرة لتدخل عبرها في مواجهة مع حزب الله. الطريقة الممكنة لتشريع هذه الحرب أمام واشنطن تقوم على تأكيد الانباء حول امتلاك حزب الله صواريخ سكود ومنظومة صواريخ مضادة للطائرات مما يهدد التوازن والهدوء القائمين. إسرائيل التي ترى كما قال باراك لدينا طائرات من أفضل الطائرات في العالم.. والجيش الإسرائيلي مدرب وجاهز وأعينه مفتوحة في كل اتجاه. اقفال السماء اللبنانية المفتوحة أمام الطيران الإسرائيلي، يقلب كل المعادلات في المنطقة. إسرائيل لن تسمح بذلك، لان تسليمها بهذا التحول يشكل بداية النهاية بالنسبة لها.
الثغرة التي تريد إسرائيل افتعالها واستغلالها تمر ليس فقط ببعض التهديدات وانما في التقدم خطوة هنا على الخط الأزرق وربما أبعد من ذلك فيما بعد. إسرائيل تقوم حسب هذا السيناريو بعمليات استطلاع ميدانية على أمل حصول انزلاق غير مضبوط من المقاومة فتقع الواقعة، وتقدم إسرائيل نفسها أمام واشنطن في موقع المدافع عن النفس وليس المهاجم.
السيناريو الثاني: أن كل ما يجري مجرد مفرقعات إعلامية وسياسية تعبئ الأجواء دون أن تدفعها نحو الانفجار. إسرائيل مستمرة في قبول الهدوء غير المسبوق على حدودها الشمالية منذ ثلاث سنوات. بالنسبة لها ما تحقق يشكل انجازاً لا مثيل له في جميع الموازين. تعكير الوضع المتوتر غير سليم ولا هو مضمون. تستطيع إسرائيل انتظار تحولات أساسية تكفل لها انخراط الولايات المتحدة الأميركية كلياً في الحرب التي تريدها، وتعمل من أجل انجازها. ما يعزز هذا الموقف أن وجود اليمين المتطرف في السلطة في إسرائيل واستمرار نتنياهو في ترؤس هذه السلطة غير مهدد. أغلبية الإسرائيليين يميلون اليوم الى هذا اليمين المتطرف. التحول نحو يمين أكثر اعتدالاً غير متوقع ولا هو مأمول في المستقبل المنظور. فلماذا صب الزيت على النار بدلاً من العمل على حصر النار المشتعلة في بيت العلاقات الأميركية الإسرائيلية؟.
ماذا يستطيع أن يفعل لبنان في مثل هذه الحالة حتى لا ينزلق الوضع نحو المواجهة الشاملة؟
الجيش اللبناني التقط في اللحظة المناسبة القرار، فوقف في وجه القوة الإسرائيلية التي عملت على استفزاز لبنان عند الخط الأزرق في العباسية. هذا فعل دولة ومقاومة. بهذا يكون قرار الحرب والسلام بيد الدولة. وفي الوقت نفسه يعفي المقاومة من فخ الانزلاق نحو مواجهة لم تخطط لها ولا تريدها.
طوال ما تبقى من العام 2010 ستشهد المنطقة مزيداً من عمليات الاستطلاع بالنار، ومزيداً من المفرقعات الإعلامية. المهم ضبط الأعصاب والانضباط، حتى تتوضح نهائياً صورة الخيارات في المنطقة وللمنطقة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.