8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

واشنطن لا تريد الضغط على الوضع العراقي الهش وطهران مطمئنة الى وضعها والعرب بلا رؤية

الركود التام، الذي يسود الوضع العراقي، يبقي العراق على حافة الهاوية، ما لم يخرج الحل السياسي من المخاض الصعب. الركود ناتج من عمق الأزمة وغياب الحل. أسباب ذلك ليست عراقية ناتجة من الصراع على السلطة فقط. تشابك الداخل بالخارج المأزوم بدوره بالمزاحمات والصراعات الاقليمية الدولية، تزيد من المخاطر، وتدفع نحو هذا الركود، الذي يبقى أكثر أمناً، لأن البديل هو الانفجار الدامي.
تتفق قوى عراقية متعددة، على ان الحل بعيد، كل يوم اضافي على الأزمة يرفع منسوب التعقيدات. الأزمة بدأت في عدم نجاح أي قوة عراقية الحصول على نسبة تمكنها من فرض حضورها. حصول التعادل بين القوى، خصوصاً بين اياد العلاوي ونوري المالكي، حرم العراق من حل سريع، التحالفات بدت أكثر صعوبة، عودة السّنة تحت قيادة علاوي الشيعي، وضعت العراق أمام معادلة صعبة ومعقدة. تحالف القوى الأخرى بدون العراقية، يعني استبعاد السنة. النواب السنة الفائزون في لائحتي الائتلاف الوطني ودولة القانون، غير كاف.
تحالف العراقية ودولة القانون، مستحيل حتى الآن، في الوقت نفسه اذا حصل يؤدي الى ابعاد المجلس الأعلى والتيار الصدري ومنظمة بدر. أيضاً هذا الحل غير صحي. قيام حكومة وفاق وطني، تضم جميع القوى يعني دخول العراق مرحلة المحاصصة الطائفية. لبننة النظام العراقي ما زالت حتى الآن موقتة. تشكيل حكومة وفاق وطني على غرار لبنان، يعني تثبيت المحاصصة الطائفية وتحويل اللبننة من نظام موقت الى دائم. برأي العراقيين، الأزمة الحالية أهون شراً وشروراً من اللبننة الدائمة للنظام، ما يعزز هذا الموقف ان العراقيين لم يصدقوا كيف أوقفوا انفجار بركان العرقنة والحرب الأهلية، فهل يمكن أن يقبلوا وضع العراق في عنق زجاجة الحروب الأهلية المتنقلة كما يحصل في لبنان؟. الجواب كلا عريضة.
نوري المالكي رئيس الحكومة الحالي، يعرف أنه ربح الانتخابات وفي حين خسر حزبه أي حزب الدعوة الذي لم يحصل سوى على 22 مقعداً من أصل 89 مقعداً للائحة دولة القانون. هذا الربح الشخصي يدفع المالكي الى الاصرار على ترؤس الحكومة المقبلة. لديه بعض الأوراق الداخلية ومنها نجاحه في بعض المجالات الأمنية. يعرف المالكي كيف يستثمرها بقوة، يكفي مراقبة كيفية مزاوجته لإعلان قتل زعيمي القاعدة والقرار بإعادة الفرز في بغداد لتقدير براعته في ذلك. المالكي يستطيع انتظار انفراج الأزمة طويلاً. حتى لو طالت الى الخريف المقبل كما هو مقدّر لها، فإنه باقٍ في رئاسة الحكومة بلا مراقبة برلمانية في ظل غياب البرلمان. اعادة الفرز في بغداد وربما غيرها فيما بعد يبقي على تعليق عمل البرلمان. صيغة تشكيل حكومة تصريف أعمال، أيضاً تريح المالكي لأنه سيترأسها.
أربعة شهور تحمل في طياتها الكثير من التحولات، خصوصاً وأنه قادر خلالها على التفاوض مع كافة القوى الخارجية ومتابعة تقديم أوراق اعتماده لها معتمداً في ذلك على أوراقه في الداخل. الخطر الكبير الذي يتهدد المالكي ومعه العملية السياسية، انسحاب لائحة العراقية من العملية السياسية. هذا الانسحاب يعني عودة شرائح واسعة من السنّة الى المربّع القديم للمقاومة المتداخلة بالارهاب. العراق لن يتحمل مثل هذه العودة، لأنها هذه المرة ستكون أكثر دموية لأنها نتاج القناعة باستحالة التفاهم والتعاون مع القوى الأخرى وهي تحديداً شيعية، ليس من السهل اسقاط هذه القناعة كما حصل في الأعوام الثلاثة الماضية.
حتى لو جرى الاتفاق والتوافق على اسم رئيس الحكومة نتيجة للمفاوضات والتحالفات، فإن تسمية الوزراء وتوزيع الحقائب ستأخذ وقتاً اضافياً. الخلاف لن يكون محصوراً على وزارات السيادة. كل وزارة اليوم في العراق منجم ذهب يطمح الجميع الحصول عليها، صفقات السلاح حاضراً ومستقبلاً أكثر من مغرية. وزارة النفط طموح غير محدود لكل القوى. لكن ايضاً وزارة الصحة مثلاً ذات أهمية خاصة مثلها في ذلك مثل وزارة التعليم، مثال ذلك يجب بناء 11 مستشفى في العراق. فرنسا تقاتل للحصول عليها أو على معظمها، فاتورة أدوية السرطان تبلغ خمسين مليون دولار. يجب بناء آلاف المدارس وتجهيزها. لذلك كله الصراع ليس عراقياً فقط وانما أيضاً خارجياً. دول كثيرة تريد الحصول على جزء من قالب الكاتو العراقي. شهية الأطراف الداخلية والخارجية غير محدودة وغير مضبوطة. التنافس فيما بينها ينعكس حكماً على تعقيد تشكيل الحكومة.
أما ما يتعلق بالخارج، فإن القوى موزعة على مربع يضم: الولايات المتحدة الأميركية وإيران وتركيا والدول العربية (علماً أن المروحة العربية عديدة ومتعددة المشارب والأهداف). المشكلة ان الولايات المتحدة الأميركية التي هي الحاضر الأكبر، لم تقل حتى الآن ماذا تريد ولم يسألها أحد ماذا تريد. عدم التدخل الأميركي لا يعود الى العجز وانما لأن الوضع لا يتحمل الضغط. وضع العراق هش الى درجة أن الضغط عليه سيكون كما لو انه على بيضة موضوعة على الصخر.
مشكلة الولايات المتحدة الأميركية في العراق، انها تريد انجاز الانسحاب العسكري بأقل خسائر وبضمانات أكثر وأقوى بكل ما يتعلق باستقرار الحالة العراقية، واشنطن تواجه في العراق معضلة صياغة الحل وليس ماذا تستطيع أن تعمله.
رغم كل قوتها تواجه واشنطن صعوبات كبيرة في مقاربة الحلول، أي ضغط تمارسه حالياً لاستعجال الحل يخلط الملفات. من ذلك أن انفجار الملف الأمني يضعها أمام سؤال كبير وهو انسحاب أو لا انسحاب. القبول بإعادة اجراء الانتخابات يعني تأجيل الحل الى الربيع القادم وبالتالي تأجيل انسحابها لأنه لا يمكنها ترك العراق وسط فراغ سياسي متزاوج مع فراغ أمني. اللجوء الى الحل الأمني واعتقال المالكي مثلاً لأنه يعطل الحل السياسي يحوله الى قضية عراقية تتحلق حوله ومعه تختلف القوى السياسية. الآخرون مثل المالكي وإن بنسب متفاوتة، الى كل ذلك فإن واشنطن لم تصل بعد الى معادلات واضحة وثانية حول ماذا تريد طهران ودمشق والرياض من العراق وفيه، رغم فارق العلاقات الثنائية بينها وبينهم.
طهران أيضاً تعتمد الصمت أمام الأزمة العراقية. يعتبر الايرانيون، انه ليس عليهم الانحياز الى أحد الأطراف العراقية، لأن لها حصة في كل واحد بنسبة مختلفة، حتى هذا الاختلاف يستقر مع امساك الطرف الذي سيتولى السلطة بالواقع السياسي للعلاقات الايرانية العراقية فيضطر للأخذ بتفاصيل معادلاتها وأوزانها. لذلك كله تراقب طهران من قريب، تاركة للقوى العراقية متابعة تنافسها على السلطة في بغداد. طهران مطمئنة الى درجة أنها ستتقبل واقع تسمية المالكي.
يبقى العرب، مشكلة الدول العربية المعنية بالعراق ووضعه، انها كما يجمع العراقيون بلا رؤية، يلومون ايران لأنها قوية، فيما هم لم يفعلوا الا القليل طوال سبع سنوات للدخول الى العراق واعادة ربط ما انقطع، لا بل ان بعضهم يعمل على وصل الماضي بالحاضر مسبباً لنفسه وللعراقيين الألم والمساءلة. دمشق والرياض تريدان عودة العراق العربي والموحد، وهذا يتطلب مشاركة كل القوى السياسية والمذهبية في العملية السياسية وفي المساواة في الحقوق والواجبات. دمشق الجارة الناشطة تريد لدورها الوحدوي مردودات اقتصادية، المهم أن تأكل دمشق العنب ولا يموت الناطور. لكن أمام دمشق في العراق خطاً أحمر لا تريد ولا تعمل على كسره وهو الدخول في خلاف مع إيران حتى ولو اضطرت الى التخلي عن خياراتها الأولى قبل تزكية العلاوي، لذلك فإن معادلة تبدو قائمة أمام دمشق في العراق، وهي تثبيت التحالف مع الرياض بكل ما يتعلق بوحدة العراق وعروبته، والتأكيد على عدم الوقوع في مزاحمة مع إيران القوية.
لا توجد ضمانات بأن الركود الحالي سيبقي الأزمة مضبوطة تحت سقف التوتر المحدود. الخطر كبير من حصول اغتيالات سياسية تخلط الأوراق، وفي الوقت نفسه وقوع تفجيرات أمنية على غرار ما حصل غداة الانتخابات، أي أكثر من انفجار سيارة مفخخة في اليوم الواحد، كما يرى عراقي مسؤول واقعي وعقلاني.
حمى الله.. العراق، خصوصاً أنه إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في المنطقة ومنها لبنان عليك ان تعرف ماذا يجري في العراق..
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00