8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

اوباما نصب لإسرائيل فخاً نووياً لنزع الألغام في الشرق الأوسط طالما أن الحل متعذر

استقطبت دمشق الحركة الاقليمية والدولية في هذه المرحلة الانتقالية، لأنها تملك مفتاح الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط. مهما كانت إيران صانعة للمسارات في المنطقة، تبقى دمشق حالياً، الخط الأمامي للدفاع والهجوم معاً، إن بحكم الواقع الجغرافي، أو الانتماء القومي، أو لأنها وهو الأهم عرفت كيف تمسك بقوّة وفعالية وببرودة جليدية لا تردّد فيها بالملفات النارية. دمشق حاضرة في فلسطين ولبنان والعراق، وهي قادرة على التحريك والتوفيق، على الإشعال والإطفاء وإن بنسب مختلفة ومتفاوتة. في هذا المثلث، تنمو حالة الحرب والسلام معاً، وما بينهما من ترقّب وهواجس وتوتّر.
من الآن وحتى تحسم التطورات والمتغيّرات الوضع إن باتجاه الحرب أو السلام، فإنّ الوقت لم يعد وقتاً ضائعاً. يوجد سباق حقيقي في المنطقة لكل القوى. كما السباق الجاري في العالم بين القوى القديمة والجديدة، لكي يأخذ كل واحد موقعه في نظام دولي جديد، ونظام اقليمي جديد، يتشكلان تحت مظلة العولمة.
في منطقة الشرق الأوسط ثلاثة لاعبين كبار هم: إيران وتركيا وإسرائيل. لكن هؤلاء الثلاثة لا يستطيعون أن يغفلوا أو يتغافلوا عن موقع دمشق في الخريطة الجديدة. إذا لم تأخذ دمشق موقعاً في النظام المتشكّل فإنّها قادرة على قلب الطاولة في أي لحظة. حساباتها الباردة تمكّنها والجميع يعلم ذلك، من إشعال الوضع وجرّ الجميع إلى الهاوية التي تختارها. ليس بالضرورة أن يقرّر الكبار وأن يتبعهم الصغار في هذا العالم وعلى جميع المستويات، المهم أن يعرف كل طرف قدراته ومواطن قوّته وضعفه، وأن يحسن استخدامها واستثمارها.
الرئيس بشار الأسد ليس بحاجة إلى دعوة تركية للذهاب إلى اسطمبول أو أنقرة، والعكس صحيح. العلاقات بين أنقرة ودمشق أصبحت شاملة واستراتيجية. رغم ذلك، القمّة الأخيرة التي شارك في بعض تفاصيلها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لها أهميتها. الوضوح في الإعلان عن الملفات التي تدارسها القادة الثلاثة تؤكد ذلك:
[ صياغة الشرق الأوسط تتم عبر أبنائه وليس من الخارج. هذا طموح مبرّر لأصحاب الأرض، لكن واقعياً لا توجد حركة على هذا المستوى تتناول المستقبل كله، يتم الفصل فيها بين الداخل والخارج. المهم أن يكون لاعبو الداخل مترقبين ومتابعين ومطلعين على مخططات الخارج، بحيث يمكن التعامل معها من موقع الاستعداد وليس المفاجأة.
[ أن يكون العالم عالماً خالياً من السلاح النووي، مع ضمان حق إيران بالطاقة النووية. أخيراً رب ضارة نافعة. هذا الشعار كان وما زال بعيداً عن التنفيذ. عندما تعترف واشنطن لأول مرة بأنها تملك 5113 رأساً نووياً فقط، من الممكن تخيل ماذا تعني هذه الثروة التدميرية. حالياً على الأقل يمكن المطالبة بشرق أوسط دون سلاح نووي. الملف النووي الإيراني، فتح الباب أمام مثل هذا الطرح. الهدف الكبير منه ان لا تملك إيران القوة النووية العسكرية. طهران تنفي ليلاً ونهاراً رغبتها بالحصول عليها. هذه المطالبة أصابت إسرائيل في الصميم. الإسرائيليون اعترفوا أخيراً بأن زمن الغموض النووي ولّى.
لكن هذه المطالبة ما كانت لتصبح واقعية لولا موقف الرئيس الأميركي باراك اوباما. حان الوقت للتوقف عن حفلة اللطم العربية بأن إسرائيل تحكم واشنطن ولا مجال للأمل بحصول تغيير. موقف الإدارة الأوبامية لا يعني الانقلاب لكنه إعلان موقف يستحق ويتوجب العمل للبناء عليه. الإسرائيليون يقولون الآن ان موقف واشنطن من القوة النووية الإسرائيلية قد نزع جزءاً من السترة الواقية التي أحاطت إسرائيل بها. وان أوباما ما كان ليقوم بذلك لو لم يكن ليبرالياً على الصعيد الأميركي. تل أبيب ترى اليوم ان اوباما قد نصب لها كميناً نووياً. ماذا يفعل العرب غير الوقوع في كمين المفاضلة بين رعب نووي إيراني محتمل ورعب نووي إسرائيلي قائم؟
التوازن المدروس في الموقف الأميركي في التعامل مع الملفين النوويين لإيران وإسرائيل يدفع باتجاه حل ديبلوماسي للملف النووي الايراني. استعداد طهران للتعامل مع تركيا والبرازيل وحتى الولايات المتحدة الاميركية لحل مسألة الوقود المخصب بنسبة 20 في المئة، من المفترض ان تكون جدّية. أولاً لأن أمام طهران استحقاقا حقيقيا وهو الحصول على كمية ضرورية من الاورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة لصناعتها النووية الطبية قبل نهاية حزيران على أبعد تقدير. وثانياً لأن الوقت بدأ ينفد. لم يعد يوجد مجال للمناورة. حتى حلفاء طهران من موسكو إلى بكين لم يعد لديهم الكثير من هامش التأجيل ولو بحجة المحافظة على مصالحهما القومية والاقتصادية.
[ العراق، الاتفاق علني وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل مكونات الشعب العراقي وتضمن الأمن والاستقرار، حتى إيران تبدو مستعجلة هذه المرة على حسم الأزمة العراقية. العراق ليس وحده تحت السكين، المنطقة كلها معه تحت السكين نفسها. يبدو ان الجميع يستعد لتقديم تنازلات ولو مؤلمة حتى لا يبقى العراق معلقاً على حبل المفاجآت أو أسير التنقل في حقل من الألغام. واشنطن أيضاً تستعد للفصل، لأنها تقلق من تأخير انسحابها العسكري من العراق، واشنطن لا تستعجل انسحابها للمحافظة على كلمتها. مصداقية التزامها آخر همومها. ما تريده واشنطن سحب جنودها الرهائن بيد التطورات مع إيران. الانسحاب يجعلها طليقة اليدين وقادرة على الضغط على إيران بكلتا يديها للتوصل إلى حل مناسب لها.
التحرر العسكري الأميركي من العراق وتزاوجه مع طريقة التعامل مع إيران، يطلق أيضاً يديها باتجاه إسرائيل. لا تعود تل أبيب قادرة على تحصين رفضها في مربع الموقف الأميركي من الملف النووي الايراني. تل أبيب بدأت تقتنع بوجود رؤية اوبامية بأنه يمكن تفكيك برميل البارود القائم في منطقة الشرق الأوسط حتى قبل أن يحل السلام. في ذلك الكثير من الواقعية، إذا لم يكن من الممكن إقامة السلام الشامل والعادل، فليجر العمل على الأقل على نزع العديد من الألغام وإيقاف العديد من ساعات القنابل الموقوتة.
في هذا الوقت يصل الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف إلى دمشق. طموح موسكو الصاعدة التي تعمل على إعادة الإمساك بزوايا الامبراطورية السوفياتية ومفاتيحها، المشاركة الفاعلة في صياغة جارتها منطقة الشرق الأوسط، في اطار رؤيتها بأن نظاماً دولياً جديداً متعدد الأقطاب في طريقه للتشكل. ميدفيديف يريد نظاماً دولياً عادلاً ومستقراً. ربما هذا العالم لن يتشكل لأنه طوباوي، لا يتناسب مع صراعات القوى الدولية وخصوصاً واشنطن منها. على الأقل تستطيع موسكو تشجيع التحرك نحو السلام.
التشجيع مطلوب خصوصاً ان لحالة اللاحرب واللاسلم نهاية عنوانها الحرب أو السلام.
الأمل خصوصاً للصغار الذين يُحركون ولا يتحركون على طاولة الشطرنج أو الزهر أن يقع السلام، حتى لا يتحولوا كما يقول المثل الشعبي فرق عملة.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00