8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الخوف من الانفجار الكارثي يحرّك العمليّة السياسيّة ويقرب الرؤى الإقليمية والدولية حول الملفات المتّصلة

الحراك السياسي والديبلوماسي النامي والمتصاعد في منطقة الشرق الأوسط، يؤكد أن حالة اللاحرب واللاسلم تقلق العالم. البحث عن حلول سياسية لكل الملفات المشتعلة، أصبح ضرورة ودفاعاً مطلوباً عن أمن واستقرار كل القوى الدولية. من الواضح ان القوى الدولية المعنية بالمنطقة وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية اقتنعت بأن التعامل مع كل ملف مستقلاً وكأنه ليس حلقة في سلسلة واحدة، لن ينتج حلاً. عندما يدخل في العقل الاستراتيجي الأميركي ان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هو مركز الصراعات في المنطقة، معنى ذلك ان قراءة واقعية جديدة قد اعتمدتها واشنطن وأن القوى المترددة ستلتحق بها عاجلاً أو آجلاً.
توقف البحث عن حلول سياسية، ينتج عنه فوراً الانفجار، الذي لا يريده أحد. الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف التقط بسرعة خلال زيارته لسوريا وتركها نبض الأوضاع فرأى أنها تزداد توتراً وسوءاً. أمام هذا المأزق، ليس من الضروري أن تكون كل حركة سياسية أو تحرك ديبلوماسي منتجاً. في بعض الحالات، يكفي أن يشكل عامل دفع لعملية لإدارة الأزمات. حتى يأتي الحسم في فترة الادارة، يمكن أيضاً رسم خريطة طريق للحل. الجميع يحاول كل على حدة تقديم موقفه أو رؤيته لهذه الخريطة، انطلاقاً من همومه القائمة والملحّة.
القمة الخليجية التشاورية التي عقدت في الرياض، أكدت تلازم الملفات وبطريقة أو أخرى تلازم مسارات الحل. القمة قالت كلمتها في كل الملفات انطلاقاً من قاعدة ثابتة ومشتركة هي حل النزاعات بالطرق السلمية.
[ الملف النووي: ضرورة حلّه حلاً سلمياً مع جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي، وأسلحة الدمار الشامل. رغم التركيز الدائر على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وضرورة العثور على حل له، لا شك ان الملف النووي الايراني، تحوّل الى أم الملفات في هذه الفترة.
قد يكون هذا الملف موقتاً وليس ملفاً دائماً يقتل الزمن ولا يقتله كما يحصل بالنسبة للملف الفلسطيني، لكن دون العثور على حل يرضي ايران والولايات المتحدة الأميركية والغرب معها ويشعر الشرق الأوسط خصوصاً منطقة الخليج العربية بالأمن والطمأنينة، فإن هذا الملف سيبقي المنطقة كلها ترقص فوق صفيح ساخن. المأزق ان الملفات كلها مترابطة مثل الأوعية المتصلة. الحل للملف النووي يفتح الباب نحو تهدئة طهران وواشنطن ويخفف من الاحتقان القائم. حل الملف العراقي مثلاً يفتح المسار أمام حل ملف العلاقات الأميركية الايرانية وبالتالي الملف النووي والعكس صحيح. اشتعال المواجهة بين الايرانيين والأميركيين مثله مثل تحريك البيادق والأحصنة والقلاع، على رقعة الشطرنج. كل الحركات والتحركات في خدمة الملك. ملك الملفات حالياً هو الملف النووي بلا منازع.
القمة الروسية السورية شاركت القمة الخليجية في رؤيتها للحل السلمي. والذي يتضمن التنسيق لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ووسائل نقلها.. مع الاعتراف المشترك في حق ايران بتطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية. هذا التطابق في الرؤية وفي رسم المسار النووي ضمن خريطة الطريق يؤكد ان الرؤى لأسباب الأزمة ولشروط حلها بدأت تتقارب وأحياناً تتطابق.
[ العراق أقرت القمة بأهمية احترام وحدة وسيادة واستقلال العراق والحفاظ على هويته العربية والاسلامية وأن تسهم الانتخابات في تشكيل حكومة عراقية وطنية بعيدة من الطائفية والعرقية والتدخلات الخارجية وتحقيق المصالحة الوطنية. لا شك ان هذا الحل المنشود يخرج العراق من دائرة النار التي تحرقه، وتنقذه من براثن كل القوى الداخلية والخارجية معاً التي تستثمر يومياً الدماء العراقية لتحقيق مصالحها التي مهما قيل عنها مهمة تبقى ضيقة وصغيرة وخارجة عن مصلحة الشعب العراقي والشعوب العربية.
[ الأمل بأن تسهم الجهود المبذولة لاحياء المفاوضات على المسار الفلسطيني. ايضاً من الواضح ان المفاوضات غير المباشرة هي الفرصة الأخيرة قبل اقدام الادارة الأوبامية على خطوة كبيرة تشكل انقلاباً في تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي أو خطوة معاكسة واسعة باتجاه الهاوية التي لا يعرف أحد كيف ستنتهي وحجم أثمانها وتكاليفها.
القمة الروسية السورية، حددت بشكل واضح الموقف من هذا الملف لأنه يعني دمشق وجودياً. البند الرابع في بيان القمة لا يختلف مطلقاً عن الموقف العربي التاريخي، الى جانب ان كلمات البيان موجودة في حيثيات الموقف السوفياتي التاريخي من ذلك: ايجاد حل للصراع العربي الاسرائيلي يقوم على انسحاب اسرائيل من الجولان السوري المحتل.. حتى حدود 4 حزيران 1967 واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة. هذا الموقف الروسي يجدد الثقة العربية بموسكو وبالشراكة معها، وضرورة ان تكون حاضرة بقوة إلى طاولة أي مؤتمر دولي للسلام وقبله في كل التحركات المؤدية له.
ربما ليس جديداً ولكن وروده أثناء القمة الروسية السورية وفي ظل تجديد الكلام عن ضرورة احياء المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب، فإن الكلام الذي قاله الرئيس بشار الأسد يؤكد مرونة علنية مهمة في ظل غياب الشريك الاسرائيلي في المفاوضات، بسبب جموده وتجمد مواقفه المتطرفة. الأسد أكد على ثابت غير قابل للتفاوض وهو عودة الأرض المحتلة كاملة. وقضايا متحركة قابلة للتفاوض تتعلق بالعلاقات والترتيبات الأمنية والتفاصيل الأخرى بهدف الوصول الى حلول وسط بما يعني ضرورة تقديم تنازلات مؤلمة كما جرت العادة من الطرفين.
الملفات الأخرى تفاصيل كبيرة أو صغيرة في الملفات الكبرى. الاستقرار ورفع سيف التهديد بالحرب ضد لبنان وسوريا حالياً، جزء من عملية التفاوض حول الملفين الأساسيين حالياً: النووي الايراني والعراق. لكن لا يمنع هذا أن الفشل والسقوط في فخ أي مغامرة عسكرية من أي طرف جاء ستكون عواقبه كارثية على المنطقة والعالم معا.
لا يمكن للمنطقة تحمّل حالة المفاوضات للمفاوضات في ملفات فلسطين واسرائيل، والنووي الايراني، والعراق. وصول الأطراف الى اليأس من المفاوضات، سيدفع باتجاه الانفجار. تركيبة المؤسسة في الولايات المتحدة الأميركية لا تسمح للرئيس باراك أوباما بالاستمرار في لعبة المفاوضات الى ما لا نهاية. يجب التوصل الى نتيجة. اللعب على الصبر، مهما كان طويلاً بالنهاية لا بد أن يقف أمام خط أحمر لا يمكن قطعة دون محضر كلفته عالية لكل الأطراف، خصوصاً البيادق على طاولة الشطرنج، الذين تكون التضحية بأكثر من واحد منهم ضرورية لحماية القلعة فكيف بالملك؟.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00