8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

آبادي سفير غير عادي لمرحلة استثنائية تعمل طهران فيها على تعزيز تحالفاتها وترطيب علاقاتها بالجوار

زيارة غضنفر ركن آبادي، السفير الايراني الجديد في لبنان، ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في بداية عمله، لفتت الانتباه الرسمي والشعبي اللبناني. من الواضح ان الزيارة المبادرة، لم تأتِ من الفراغ، لذا شكّلت خطوة سياسية إيرانية محسوبة بدقة، تدل على قراءة واقعية قائمة على تقدير عميق للتحولات السياسية في لبنان والمنطقة. السفير آبادي الجديد القديم في لبنان، أقرن الزيارة بكلام يؤكد طبيعة الرسالة التي أرادت طهران توجيهها إذ قال: جئت لزيارة هذا المكان الشريف نظراً للدور الذي لعبه الشهيد رفيق الحريري طيلة السنوات الماضية وفي فترات عصيبة وصعبة في لبنان، خصوصاً دوره في توحيد الساحة الداخلية اللبنانية ووقوفه الى جانب المقاومة ودعمه لاستتاب الأمن والاستقرار في لبنان، وأيضاً الجهود الجبارة التي بذلها من أجل ترسيخ العلاقات بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والجمهورية اللبنانية.
اختيار غضنفر ركن آبادي سفيراً لإيران في لبنان، طُبخ على نار هادئة، اقتضى نضوج تعيينه أشهراً عدة. في هذه الأثناء كانت ايران تعبر استتباعات نتائج الانتخابات الرئاسية، وفي الوقت نفسه كان لبنان يعبر بدوره المرحلة الجديدة التي قامت مع انتخابات المجلس النيابي وتكليف سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة بحكم كونه زعيماً للأغلبية النيابية. لا شك ان تشكيل الحكومة الوفاقية وضع النقاط على حروف المسار السياسي في لبنان، مما انعكس أيضاً على حسم اختيار السفير الجديد. ذلك ان مزاحمة حقيقية دارت بين أصحاب القرار في طهران حول السفير الذي سيتم تعيينه لأن للبنان موقعاً خاصاً وأساسياً في السياسة الاستراتيجية الايرانية، لا يمكن إلا تلبية شروطها واحتياجاتها.
صدور القرار النهائي بتسمية آبادي سفيراً في لبنان جاء لأنه يملك الخبرة والمتابعة للدوائر الثلاث المتداخلة في اطار السياسة الايرانية وهي: لبنان وسوريا وفلسطين. فقد أطل دائماً حيث عمل منذ العام 1990 على بيروت ودمشق وغزة. فقد تولى مناصب: السكرتير الأول في سفارة لبنان ونائب السفير في دمشق ورئيس اللجنة السياسية لدعم ثورة الشعب الفلسطيني، والمتحدث باسم مركز إعادة إعمار غزة في الديوان الرئاسي. وعندما انتقل من دمشق الى طهران تولى في وزارة الخارجية موقع النائب الأول في وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وفلسطين. وأخيراً فإنه يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من الجامعة اللبنانية حيث أشرف على أطروحته الدكتور عدنان السيد حسين وزير الدولة الحالي.
طهران تأخذ بالاعتبار وضع لبنان بعد مؤتمر الدوحة المختلف جداً عما سبقه. يمكن القول ان السلام الداخلي البارد بدأ يتجه نحو التطبيع الحقيقي. الجهود تبذل من كل الأطراف للوصول الى التطبيع وإقامة السلام الحار. من دون ذلك، فإنه يسهل اختراق الجبهة الداخلية وتعريض التوازن للخلل. ايضاً لبنان اليوم هو العضو غير الدائم في مجلس الأمن. لا يمكن لطهران الا ان تتعامل مع لبنان انطلاقاً من هذا الوضع الاستثنائي خصوصاً وانها تمر في مرحلة حاسمة، احدى أبرز ساحاتها وميادينها مجلس الأمن. فارق كبير بين أن يكون الموقف اللبناني عن قناعة أو عن إكراه.
لبنان المتصالح مع دمشق لا يمكن الا أخذ معادلات المصالحة في حسابات السياسة الايرانية. التحالف السوري الايراني، قائم ومستمر، لكن أيضاً مسار التعامل مع بيروت المختلفة مع دمشق مختلف جداً عن مسار الأجواء التصالحية على طريق التطبيع الشامل. تجسيد هذا الفهم الواقعي لكل ذلك في السياسة الايرانية كما تشدد طهران حالياً وكما يجسده اختيار آبادي سفيراً في لبنان يتم:
[ بناء علاقات متينة وجديّة وصحيحة مع الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها: لم يعد ممكناً لطهران حصر تعاملها مع حزب الله ومن لفّ لفيفه من القوى السياسية. طهران تؤكد على توسيع مروحة علاقاتها مع جميع اللبنانيين، خصوصاً مع الدولة اللبنانية. في هذه العلاقة تكمن القراءة الايرانية الجديدة مع لبنان. لا يمكن لطهران أن تسير على حافة العلاقات مع الدولة اللبنانية، في وقت تم فيه التبادل الديبلوماسي بين بيروت ودمشق. هذا الاعتراف السياسي السوري بلبنان لا يمكن لطهران الا ان تأخذه بالاعتبار، وأن توثّق علاقاته مع مؤسسات الدولة. أيضاً لذلك تلحّ طهران على الرئيس سعد رفيق الحريري القيام بزيارة لها، ليس لتأكيد أهمية موقعها في الساحة اللبنانية وإنما لأنها تريد أيضاً تثبيت مسار التعامل مع لبنان من دولة لدولة.
[ طهران أبلغت في السابق وتكرر اليوم، انها تريد رفع نسبة مساعداتها واستثماراتها في لبنان بالاتفاق مع الدولة اللبنانية. في هذا الاطار فإنها تبدو مستعدة لتنفيذ ما لم ينفذ من الاتفاقات وتوقيع اتفاقات جديدة مع الحكومة اللبنانية تعزيزاً منها للتعاون مع لبنان كله وليس مع فئة معيّنة.
[ ان التوجه للتعامل مع الدولة اللبنانية لن يلغي ولن يخفف من دعم ايران للمقاومة، سواء لأسباب ايديولوجية أو لأسباب تتعلق بالحضور الايراني في صلب القضية المركزية للبنان والعرب، وهي الأرض وتحريرها والقضية الفلسطينية. لا يمكن لطهران أن تتغلب على سياستها، مهما بلغ حجم المتغيرات. لطهران ثوابت أساسية لا تعرّضها لرياح التغيير الا اذا حصل تحول استراتيجي انقلابي. حالياً طهران، وهي تدعم المقاومة وحزب الله، ترفع رصيدها أمام واشنطن، كذلك عندما تدعم حماس في غزة. لكل ملف وقضية حساباته في السياسة الايرانية.
ايران التي وان نجحت حالياً في رمي الكرة في الملعب الأميركي، بعد الاتفاق الايراني التركي البرازيلي، الا انها تبقى في عين الاعصار. ذلك ان قوى دولية عديدة سواء داخل الولايات المتحدة الأميركية أو في عواصم أخرى، تريد استغلال الموقف سواء لزيادة الضغوط وأخذ تنازلات معينة من ايران خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، أو لكي تنزلق نحو الهاوية فتقع المواجهة معها تحت شعار الشرعية. أمام هكذا وضع لا يمكن لطهران سوى العمل لتوسيع تحالفاتها أو لاختراق جبهة العداء ضدها. التعاون الذي أبدته طهران مع تركيا والبرازيل كان خطوة مدروسة لتأليب الجنوب على الشمال في العالم. نجحت في معركة لكن الحرب ما زالت طويلة. أي خطأ ترتكبه يمكن أن يوسع دائرة المعادين لها، بحيث تنضم دول من الجنوب الى تحالف الشمال ضدها.
أيضاً أمام هذا التعامل الواقعي، لا يمكن لطهران الا ان تهتم بنهجها في التعامل مع محيطها الجغرافي وتحديداً دول الخليج العربية. لا يمكن لطهران أن تتصالح وتتعاون مع تركيا والبرازيل ودول الجنوب، وأن تكون علاقاتها قلقة ومتوترة مع هذا المحيط. بالنهاية هذا المحيط هو الذي يحميها ميدانياً من الاعصار الأميركي الدولي اذا قدّر له أن يهب لذلك تنهج طهران نحو ترتيب علاقاتها مع مملكة المنطقة أي السعودية. وتتحدث أوساط ايرانية مطلعة عن قرب لقاء مهم بين وزيري خارجية السعودية الأمير سعود الفيصل والايرانية متكي. وقد قدّمت طهران لهذا اللقاء المتوقع بزيارة أحد ديبلوماسييها الى الرياض، الذي وان كانت نتائجها محدودة بسبب موقع الديبلوماسي المحدود فإنها على الأقل فتحت الباب نحو الحوار وتطوير العلاقات باتجاه اللقاء السياسي والديبلوماسي الرفيع.
مهمّة السفير غضنفر ركن آبادي في لبنان ليست سهلة. ربما خبرته من جهة ومسار السياسة الايرانية الجديد يساعدانه في تحقيق النجاح الذي يريده.
لبنان يتأثر كثيراً بالأقوال والإشارات، لكنه لا شك أنه أصبح بحاجة أكثر للأفعال والممارسات!.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00