8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الأزمة السياسية في العراق طويلة لأن الاتفاق يشمل سلّة تضمّ الرئاسة والحكومة والبرلمان

الأزمة السياسية في العراق طويلة. ينتهي الصيف كله، والعراق بلا حكومة جديدة خارجة من المعادلات التي أفرزتها الانتخابات التشريعية. لبننة النظام العراقي تفرض الاتفاق الكامل والمتكامل على سلة من المواقع والمسؤوليات. من المستحيل حالياً الفصل بين الرئاسات الثلاث، الجمهورية والحكومة والبرلمان. طبعاً يبقى اسم رئيس الحكومة العقدة الكبيرة. حل هذه العقدة يسهّل الاتفاق على السلة. المشكلة أساساً في الشيعة العرب وتزاحمهم وتنافسهم. موقع رئاسة الحكومة أصبح المفتاح الأول للسلطة. عدم اتفاق الشيعة أولاًً يحول دون التقدم نحو الحل. بعد ذلك يأتي دور السنّة العرب وموقعهم في السلطة، بعد أن انخرطوا في مسار العملية السياسية.
تعرف مختلف القوى في العراق، ان استمرار الأزمة وعدم حلّها بما يحقّق التوازن بين مكوّنات الشعب العراقي، سيعيد العراق كلّه الى المربّع الأول الذي نشأ بعد الاحتلال، أي مربّع العنف وأخطار العرقنة والحرب الأهلية الشاملة هذه المرة. رغم ذلك فإن تبادل الشروط والإصرار على المواقف المسبقة مستمران، على وقع انعدام الثقة العميق. ما يساهم أيضاً في ذلك، التداخل القائم بين الداخل والخارج معاً. مهما حاول العراقيون أن يخفّفوا من حجم التدخل الخارجي في صناعة القرارات الداخلية فإن الواقع يكذّبها.
الجديد في العراق، الايمان القوي بواجب الاحتكام الى الدستور. حتى ولو كانت توجد ثغرات حقيقية في الدستور العراقي الحالي، يمكن التسلل عبرها، فإن ذلك لا يلغي موقعه، بل يثبته لحماية العراق من المفاجآت. من الواضح أيضاً ان العراقيين تعبوا جداً من العيش في ظل مفاجآت العسكر ونظام الرجل الواحد. ما يدعم هذا التوجه أن الحصيلة من الالتزام بالدستور تبدو ايجابية يمكن البناء عليها من خلال الأخذ بحصيلة الدروس المستفادة منه. يمكن، برأي السيد ابراهيم بحر العلوم الوزير السابق للعمل، تطوير العملية السياسية باتجاه وضع برامج سياسية واقتصادية واجتماعية تضمن عدم رجوع العراق الى الوراء.
ابراهيم بحر العلوم يعطي مثلاً بنفسه، يقول انه حصل على سبعة آلاف صوت ولم يفز بالانتخابات، في حين حصل غيري في دوائر انتخابية على خمسمائة صوت ودخل البرلمان. هذا هو نظام النسبية. قبلتُ النتيجة كما قبِلها الآخرون. هذه حصيلة القبول بالديموقراطية وتثبيت عملية تبادل السلطة.
رغم رفض العراقيين، خصوصاً السياسيين منهم، لصيغة اللبننة لنظامهم، فإن مسارات السياسة العراقية تثبتها. الحل يكمن في اقامة طاولة مستديرة لكل الأفرقاء، يطرحون ما لهم وما عليهم، عبر الانطلاق أولاً وأساساً من ثوابت للحوار. النقطة الثانية هي الابتعاد عن الشخصانية، بمعنى أن الحل لا يكمن في شخص معيّن. العراق خرج من صيغة سلطة الشخص المنقذ، ولا يريد أن يرجع اليها. البديل هو التحوّل نحو بناء المؤسسات وتثبيت العمل بها. الحوار يجب أن يقيم الثقة بين الأطراف، والقبول بالمشاركة والشراكة هو الطريق نحو الخلاص.
من ثوابت الوضع الجديد المعترف به، أن فوز اياد العلاوي ولو بنائبين وليس عشرين نائباً كما كان متوقعاً قلب المعادلات السياسية. من أصل 91 نائباً في قائمة العراقية يوجد 76 نائباً سنياً. كيف يمكن تجاهل العلاوي وهذا الجسم السياسي؟ المشكلة في العلاوي، كما يعترف الجميع، انه صعد برافعة سنية، لذا تخشى قوى شيعية كبيرة ومؤثرة خياراته.
لا يمكن الا العمل بهذه المعادلات، لذلك الحل بالاتفاق عن شخصية تسووية كما يقول بحر العلوم. من الطبيعي أن تكون اللبنة الأولى في الاتفاق على اسم هذه الشخصية بين الأطراف الشيعية نفسها، بعد ذلك يمكن التفاهم مع باقي القوى، خصوصاً وان من صلب هذا الاتفاق سيولد اتفاقاً مكملاً يتعلق برئاستي الجمهورية والبرلمان.
دور المرجعية في النجف مؤثر ولكنه غير حاسم باتفاق مختلف الأفرقاء. ارادة المرجعية في شخص آية الله العظمى السيستاني، بعدم التدخل في التفاصيل هو الذي يحدّد دورها. المرجعية التي وضعت لنفسها سقفاً لا تخترقه وحدوداً لا تسمح لأحد بالقفز فوقها، قامت بخطوة ضخمة مؤخراً. استقبل السيستاني وفداً من قائمة العراقية التي يرأسها اياد علاوي. الوفد ضم شخصيات سنية معروفة منها: طارق الهاشمي ورافع العيساوي واسامة النجمي. هذا اللقاء ما كان ليتم لولا التحوّل الحاصل لدى السنة العرب بالانخراط في العملية السياسية. سماع المرجعية من هذه الشخصيات التفاصيل العميقة للحالة السنية مباشرة مهم جداً.
يرى عراقيون، ومنهم نوري المالكي وابراهيم بحر العلوم وأحمد الجلبي، ان الجانب العراقي اصبح هو المهم في التسوية الداخلية. الايرانيون كانوا حاضرين في التسوية وإقامة الائتلاف بين الائتلافيين، لكن لم تعد طهران تقرر والعراقيون ينفّذون. العراق الرسمي يعمل على طمأنة الجميع من المحيطين به اقليمياً انه لا يريد أن يكون طرفاً في محور ضد محور. من الأفضل أن يشكل وسيطاً بين العرب والايرانيين والعرب والأتراك.
يبقى ان الدور الأميركي ايضاً الى تراجع بقرار أميركي. الادارة الأوبامية غير الادارة البوشية. الدور الأميركي عام 2010 بعيد جداً عن 2005. واشنطن تريد حالياً استقرار العراق وليس التحكم في صيغة العملية السياسية ونتائجها. كل ما يخدم الاستقرار تقف معه واشنطن لأن في هذه المعادلة يكن تنفيذ الانسحاب العسكري دون قلق من حصول فراغ سياسي وعسكري وأمني قاتل، يضطرها الى البقاء لوقت أطول. لذلك هذا الصمت الأميركي حيال الأزمة الحالية، بانتظار نضوج الوضع.
في كل ذلك شيء من الواقع والكثير من الآمال والطموحات. الواقعية السياسية تفرض الاعتراف بأن الحل مؤجل في العراق، لأن المواجهة الأميركية الايرانية ما زالت قائمة. دخول تركيا على خط هذه الأزمة بعد الاتفاق النووي زاد من تعقيدات الوضع العراقي. تركيا لاعب اساسي في الساحة العراقية، يجب أخذها بقوة في كل الحسابات. تحولات الأزمة النووية تلعب دوراً حاسماً في مسارات الأزمات في منطقة الشرق الأوسط سواء في العراق أو فلسطين أو لبنان.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00