رياح السماء عصفت بإسرائيل. بعد أيام على القرصنة ضد أسطول الحرية في المياه الدولية، بدأت تخرج الأسئلة في إسرائيل وفي العالم حول نهاية هروب القوة الى الأمام الذي تمارسه حكومة التطرف بزعامة ترويكا فريدة من نوعها عالمياً مشكلة من: بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان وايهودا باراك. أفضل تعليق على العملية جاء من إسرائيل وهو: نجحت العملية لكن المريض مات. هذا الوعي لدى شرائح إسرائيلية تراجع حضورها منذ عامين بعد غزو التطرف السلطة في إسرائيل، يؤشر الى عمق المأزق وصورة إسرائيل المهتزة في العالم اليوم، فهي تصرفت مثل القراصنة، وبخلاف القراصنة الصوماليين، اوقعت قتلى وجرحى من المدنيين من ناشطي السلام. وانها قبل هذه العملية وبعدها تتابع تجويع مليون ونصف فلسطيني محشورين في مدينة هي الأكثر اكتظاظاً في العالم. السؤال الذي يجتاح العالم خصوصاً لدى الذين ما زالوا يؤمنون بأنها دولة ديموقراطية في منطقة غير ديموقراطية: لماذا تقوم بذلك، لماذا وصلت الى هنا؟
إسرائيل تمارس عملية هروب أمني الى الأمام، مع العلم أن هذا الهروب غير فعال وغير منتج والأسوأ من كل ذلك انه مدمر كما كتب دومينيك دوفيلبان رئيس الوزراء الفرنسي السابق. دوفيلبان أجاب على ذلك بقوله: عندما تتحول القوة الى سلاح دائم فإنها توصل الى طريق مسدود. مسار العامين الماضيين حتى الآن يؤكد ذلك:
[تعاني إسرائيل من عزلة ديبلوماسية متزايدة. آخر مظاهرها أن مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط لم ينعقد لأن ليبرمان أراد تمثيل إسرائيل. لم تتحمل أكثر الدول العربية اعتدالاً هذا التحدي وفرنسا واسبانيا تفهمتا ذلك.
[أن علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة الأميركية قد أصيبت بالضعف. مهما حاولت الإدارة الأوبامية تغطية هذا الوضع لأسباب تتعلق بتوازنات السلطة فيها، فإن الوقائع تؤكدها. من الواضح أن الرئيس باراك أوباما هو الذي طلب من نتنياهو عدم الحضور الى واشنطن لعقد القمة التي كانت مقررة بينهما بعد وقوع عملية رياح السماء بساعات.
[التسريبات الإسرائيلية تؤكد ان الإدارة الأميركية حذرت إسرائيل وطالبتها بالتعامل بحكمة وضبط النفس عندما عرفت بالقرار الإسرائيلي بالتصدي لأسطول الحرية. يمكن للإسرائيليين خصوصاً القيادات العسكرية والأمنية أن يحتجوا بالتصدي للإرهاب لكن واشنطن تعرف جيداً ما حصل ولذلك لا يمكن اقناعها ولا تغير موقفها.
[انحدار الشراكة بين إسرائيل وتركيا الى درجة أن الترميم لم يعد يفيد فيها كثيراً في الوقت الحالي. العلاقات التركية الإسرائيلية لم تعد كما كانت. لأول مرة ظهرت تشققات انعدام الثقة في الجسور التي تربط أنقرة بتل أبيب. يلزم إعادة تطبيع العلاقات الكثير من الجهود الإسرائيلية فكيف بإعادة الشراكة؟
[ ان حصار غزة قد انقلب على إسرائيل. فقد عزز الحصار صورة الشهادة التي نشرتها حركة حماس مسألة فك الحصار عن غزة أصبح قضية إنسانية تأخذ بها شعوب وحكومات بكاملها. أكثر من ذلك، أخذت دول أوروبية تنحو للاتصال بحركة حماس. ليس أمراً بسيطاً اللقاء الذي عقد والرئيس الروسي ميدفيديف مع خالد مشعل أمين عام حركة حماس.
التطرف الإسرائيلي بدأ يؤرق العالم. البعض يخاف على إسرائيل والبعض الآخر يخاف على الأمن والاستقرار في منطقة لا تنقصها النزاعات ولا الحروب. لذلك بدلاً من لعن الظلام، يجري البحث جدياً خصوصاً في واشنطن عن السبل التي يمكن أن تحول القرصنة الى رافعة لحل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لذلك قال ميتشل مبعوث الرئيس الأميركي لا يمكننا ان نترك المأساة تخرج عن أي سيطرة وان تنسق التقدم المحدود وانما الحقيقي الذي تم تسجيله.
جوزيف بايدن نائب الرئيس الأميركي شدد على الحق المطلق لإسرائيل في الدفاع عن أمنها. لكن تحت ورقة التوت هذه، رسم صورة عارية للوضع فطالب:
[ضرورة ايجاد حل للوضع السيء في غزة، ينبغي الا ننسى آلام الفلسطينيين انهم في حالة سيئة.
[على حماس من جهة (وهي اشارة أميركية مهمة خصوصاً وانها تعتبرها حركة ارهابية) وإسرائيل من جهة أخرى أن تكونا أكثر سخاءً مع الناس الذين يعانون في غزة.
لا شك أن محاولات أميركية ودولية ستجري خلال الأسابيع القليلة المقبلة، للحد من تداعيات عملية رياح السماء حتى لا تعصف نهائياً بالمفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أولاً وبالآمال المعقودة لتطويرها وتحويلها الى مفاوضات مباشرة.
[الهدف الاول كما يبدو حالياً، كيفية اقحام حماس في مسار المفاوضات من جهة والزام إسرائيل بفك الحصار عن غزة. لكن هذا لا يكفي المطلوب أيضاً انسحاب الاحتلال عن الضفة الغربية. طالما أن الاحتلال قائم فإن المفاوضات التي تجريها السلطة الوطنية ستبقى ناقصة وبلا نتيجة.
لم تعد المشكلة الآن في كيفية كسر الحصار عن غزة أو في رفع الحصار. المشكلة هي كيفية الانطلاق من هذه العملية نحو تعزيز مسار المفاوضات. دون ذلك لن يستقر الوضع. بالعكس فإن بعد رياح السماء قد تعصف رياح جهنم بالمنطقة، خصوصاً وأن كل شيء فيها قابل للاشتعال.
القرصنة الإسرائيلية أقحمت تركيا بقوة في مسارات الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط. في البداية كانت تركيا وسيط سلام، الآن يلزم وسيط سلام بين تركيا وإسرائيل. مارتن انديك السفير الأميركي السابق في إسرائيل اختصر الوضع بقوله: يوجد احتمال كبير بأن تغرق المعركة حول اسطول غزة، كزورق أوباما للسلام الإسرائيلي الفلسطيني. البديل المنقذ برأي انديك القريب جداً من إسرائيل:
[إصلاح العلاقات بين إسرائيل وتركيا.
[التركيز على جهود السلام بين سوريا وإسرائيل.
يبقى كل هذه الطروحات لاطلاق مسارات السلام ايجابية ومرغوبة ومطلوبة، لكن السؤال الحقيقي هو: كيف يمكن اخراج إسرائيل من جنون التطرف الذي يعصف بها؟ دون ذلك ستبقى كل الحلول والجهود المطروحة معلقة فوق براكين مشتعلة لا تنفع جهود اللحظات الأخيرة كما جرى بعد عملية رياح السماء في انقاذ ما يمكن انقاذه، خصوصاً وأنه ليس مضموناً أن يحافظ الآخرون على قوة اعصابهم كما فعلت تركيا بعد خرق سيادتها بالقوة.
إسرائيل والعالم معها أمام اختيار جديد مع سفينة السلام الايرلندية.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.