هدأت الأوضاع في الداخل الايراني، لكنها لم تنته. الصبر الايراني المعروف، يفرض هذه الحالة التي تخفي فعلياً تطورات غنية.
مرّت ذكرى وفاة الامام الخميني بهدوء تقريباً. من المرجح أن تمر الذكرى الأولى في 12 حزيران الجاري للانتخابات الرئاسة بهدوء أيضاً. حالة ايران اليوم، مثل السجادة على نول الحائك الصبور. غنى ألوانها واضح جداً من كثرة الخيوط الملونة وتعددها، لكن من المبكر جداً معرفة مواقعها وأهميتها، حتى ينتهي الحائك من حياكته. القطبة الأخيرة تحمل دائماً أسرار اللوحة المحاكة. ما زال الوقت مبكراً حتى يقال كل شيء عن النهايات، سواء كانت سعيدة أو حزينة.
في ذكرى وفاة الامام الخميني، التي أقيمت عند ضريحه وحضرها مئات الآلاف من الايرانيين، مُنع السيد حسن أحمد الخميني حفيد الامام الخميني، من إتمام كلمته، واضطر للنزول عن المنبر، بعد أن ملأت مجموعة صغيرة من الحاضرين الجو بالشعارات المضادة والضجيج المبرمج. السيد حسن الخميني، هو ابن السيد أحمد الخميني، الذي شكّل قبل وفاته مع الشيخ هاشمي رفسنجاني والسيد علي خامنئي، ترويكا فاعلة ومؤثرة نجحت في تولي السيد خامنئي الخلافة بعد اقصاء الشيخ حسين علي منتظري عن الخلافة بعد أن تحولت صراحته الى عبء مربك للجميع.
لم يكن منع السيد حسن أحمد الخميني من اتمام كلمته، عملية عفوية ولا مجرد صدفة. من الواضح ان الحادثة كانت معدة جيداً وعن سابق تصور وتصميم. ذلك ان المجموعة التي هتفت ضده، كانت صغيرة ومحدودة العدد. كان يكفي صدور اشارة من المرشد آية الله علي خامنئي حتى تتوقف الهمروجة. المرشد طيّب خاطر السيد حسن الخميني فقبّل جبينه. بهذا أمسك المرشد العصا من وسطها وعاد الى لعب دور الحكم بعد أن غاب عنه قبل عام في الانتخابات الرئاسية عندما وقف الى جانب انتخاب أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية.
عندما رفض المعترضون السكوت وتابعوا الهمروجة، فهم السيد حسن الخميني الرسالة، فنزل عن المنبر، تلافياً منه لتطور لا يريده في ذكرى جده خصوصاً وأنه الوكيل الشرعي لإرث الامام الخميني منذ سنوات. الهتافات التي تصاعدت ضد الحفيد تجاوزت مواقفه السياسية التي أعلنها علناً والمؤيدة للتيار الاصلاحي، لكن دون تطرف. أوساط ايرانية مطلعة ترى ان الهمروجة وقطع كلمة الحفيد، مرتبطة بالمستقبل. ذلك ان النجاديين المصباحيين يتخوفون جدياً من أن يكون السيد حسن أحمد الخميني مرشح الاصلاحيين المقبل لرئاسة الجمهورية. عندئد ستصبح المعركة الانتخابية صعبة جداً ان لم تكن خاسرة، كائناً من كان مرشحهم. الشرعية التي يتمتع بها حسن الخميني حاضرة وكاملة، وهو نجح في السنوات القليلة الأخيرة من تكوين حضور لافت له في مختلف الأوساط نتيجة لمواقعه المعتدلة والثابتة. حتى لو لم يترشح للرئاسة فإن دعم الحفيد للمرشح الاصلاحي علناً سيأخذ بعداً مهما يكسبه القوة والحصانة.
بعد عام على الانتخابات الرئاسية، لم تعد رئاسة أحمدي نجاد مركز المواجهة. هموم الايرانيين أكبر من ذلك بكثير. أمامهم وضع اقتصادي صعب، وخطر عقوبات حتى ولو لم تكن ذات أنياب فإنها ستكون مؤذية، والملف النووي الذي تبدو كل الحلول معلقة حتى اشعار آخر. من هذا الحاضر المعقد يتم النظر الى المستقبل المنظور. كل القوى تعمل على تفصيل الحلول على قياسها وطموحاتها. خريطة القوى السياسية في ايران، تبدو خطوطها متداخلة أحياناً، لأن بعض تشكيلاتها لم تتبلور نهائياً. تضم هذه الخريطة:
[ النجاديون المصباحيون. المقصود بذلك انصار الرئيس أحمدي نجاد وتداخلهم مع آية الله مصباح يزدي. في الحقيقة لا أحد يمكنه تحديد حجم التداخل، هل هو اندماجي فكرياً وعقائدياً، أم أن كل طرف يستخدم الطرف الآخر لتمرير أهدافه. المعروف ان يزدي متهم من أوساط المعتدلين والاصلاحيين بأنه ينحو نحو رفض الجمهورية والعمل على اقامة الامارة الاسلامية. أي انه بشكل أو بآخر يمثل طالبان الشيعة. وهو في الأساس صاعد من تنظيم الحجتية الذي كان الامام الخميني قد حظّره لخطورته على الجمهورية، كما ان النجاديين والمصباحيين يأخذون بفكرة عودة الامام المهدي وظهوره وإن إشارات كثيرة تؤشر الى ذلك، لهذا يعرف هؤلاء بالمهدويين. من الطبيعي ان أحمدي نجاد والمصباحيين يحضّرون لواحد منهم لخلافة نجاد في الرئاسة عاجلاً أو بعد سنوات ثلاث.
[ المحافظون المتشددون، تبدو مروحة المحافظين واسعة جداً فهي تضم عملياً أنصار نجاد وفي الوقت نفسه تضم ما يمكن أن يطلق عليهم اللاريجانيين نسبة لرئيس مجلس الشورى علي لاريجاني وشقيقه رئيس القضاة صادق لاريجاني، وأيضاً المؤتلفة الذين تراجع موقعهم كما يبدو، ومن أبرز وجوههم عسكر أولادي..
مهما تراجع حضورهم فإن ذلك لا يعني نهايتهم، يستطيعون أن ينهضوا ويتقدموا الى الامام بسبب مروحتهم الواسعة التي تستوعب تيارات محافظة متنوعة في تشددها، وايضاً في اختلافاتها كما هو حاصل بين نجاد ولاريجاني. يمكن أيضاً القول ان هاشمي رفسنجاني وحزبه كوادر البناء ضمن هذه المروحة المحافظة.
[ الحرس الثوري، الذي تحول الى مركز أساسي في تشكيل السلطة، خصوصاً في الجانب الاقتصادي. لكن يبدو أن تململاً ما بدأ يظهر داخل الحرس نتيجة لتحميله تطورات الأوضاع أكثر مما يتحمل. الى جانب أنه كان وسيكون الهدف الأول لكل العقوبات الدولية المقبلة اضافة الى القديمة منها. يبدو أن الحرس لا يريد أن يُحمّل أمام الشعب الايراني المسؤولية الكاملة عن الأوضاع الاقتصادية التي يعانيها وسيعانيها، الى جانب تحميله مسؤولية عمليات القمع التي جرت طوال أشهر عقب الانتخابات الرئاسية. لذلك بدا لافتاً تصريح الجنرال رحيم صفوي القائد السابق للحرس الذي جاء بعد الجنرال محسن رضائي وقبل القائد الحالي جعفري، الذي انتقد فيه ادارة الرئيس أحمدي نجاد للملف النووي. يمكن توقع تطورات أخرى على هذا الصعيد خصوصاً اذا ما زاد الضغط على الحرس الثوري ونأى الآخرون ومنهم أحمدي نجاد عن المسؤولية.
[ الاصلاحيون. أيضاً مروحة الاصلاحيين واسعة جداً حالياً. الترويكا المشكّلة من الرئيس محمد خاتمي والشيخ مهدي كروبي ومير حسين موسوي تتابع نشاطها الاعتراضي بقوة لكن بهدوء. تعرف الترويكا جيداً أنه ليس مناسباً في الوقت الحاضر تعريض جماهيرهم للضغوط في الشارع، خصوصاً وان تطورات الملف النووي قد تتطور نحو مزيد من سياسة العقوبات الدولية، التي ستحد من حرية حركتهم حتى لا يسهل اتهامهم بالعمل ضد المصلحة القومية. لكن من الواضح انهم يستطيعون الاعتماد على الوقت لانضاج تحركاتهم في الوقت المناسب، وذلك بأقل خسائر ممكنة.
الحراك السياسي الداخلي مستمر في ايران. الشارع لن يدخل في مواجهة حاسمة، خصوصاً اذا ما تم اصدار قرار دولي بتشديد العقوبات. القلق من أن يلجأ النجاديون المصباحيون، الى اشعال أكثر من ساحة في الخارج هرباً من المحاسبة في الداخل.
العراق وغزة في قلب الإعصار.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.