سرّعت واشنطن ومعها باريس، اقرار مجلس الأمن للقرار 1929 المتعلق بالعقوبات ضد ايران، حتى يتوافق تنفيذه وذكرى مرور عام على قيام الانتفاضة الخضراء، وتثبيت انتخاب أحمدي نجاد لولاية رئاسية ثانية. أرادت العاصمتان، تقديم هدية مسمومة لنجاد، وقد نجحتا في ذلك. اعلان عن تشديد العقوبات كان وحده رسالة واضحة، حيث جرى التشديد على ان القرار هو لمعاقبة نجاد وليس ايران، الرسالة واضحة وهي الفصل بين النظام والشعب الايراني. لم تقر عقوبات ذات أنياب حتى لا تتكرر مأساة العراق والعراقيين أولاً، ولأن الوضع مختلف دولياً ثانياً، وأخيراً حتى يمكن توسيع الثغرة في الموقف الدولي وفتح المجال لموسكو وبكين للانضمام الى الجهود الغربية دون مخاوف من إلحاق أضرار بمصالحهما الاقتصادية على المدى الطويل وهو ما حصل.
عقوبات بلا أنياب، كيف يمكن أن تؤثر في النظام الايراني؟ هذا هو السؤال الكبير حول مفاعيلها والجدوى منها. في الواقع تبدو الصورة لقوة القرار 1929 وتأثيره من باريس أكبر بكثير مما تظهر في المنطقة وخصوصاً في بيروت.
التعامل بواقعية مع الوضع في ايران يرسم صورة أكثر حدة خصوصاً اذا ما أخذ بالاعتبار الوضع الداخلي الايراني الذي، كما يبدو، مليء بالحركة في عمقه أكثر مما يبدو على السطح.
من خطوط الصورة وألوانها:
ان الغاء قيادة الترويكا لـالانتفاضة الخضراء التي تجمع: الرئيس السابق محمد خاتمي ورئيس البرلمان السابق مهدي كروبي ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي، للتظاهرة التي كان من المقرر خروجها اليوم في 12 حزيران، تدل على تغيير في التكتيك وليس في الاستراتيجية، وهي برأي الايرانيين قد أوصلت الرسالة التي تريدها دون الخروج الى الشارع. فالنظام أكد ضعفه وقلقه وحتى خوفه عندما رفض منح الإذن بالتظاهر من دون شعارات وبعلم موحد ووحيد هو الأخضر.
عندما يخاف النظام من تظاهرة صامتة، يعني ان الحراك الشعبي قد أنتج خطاباً مسموعاً بقوة داخل ايران والعالم.
أكثر ما دفع القيادة الايرانية الى منع التظاهرة ، ما حصل في ذكرى وفاة الامام الخميني. رغم الانضباط الأمني الضخم نتيجة للاشراف الحديدي للأمن فإن النظام اضطر في النهاية الى جعل الاحتفال ينقضي في ثلاث ساعات بدلاً من أن يستمر ثلاثة ايام كما كان مقرراً. حادثة السيد حسن أحمد الخميني بمنعه من اتمام كلمته وهو الوريث والأمين على ارث جده الامام الخميني كانت أكبر مما نشر. المعارضة الايرانية وزعت على الشبكة مشاهد غير معروفة لما حصل تؤكد اشتباكاً بالأيدي خلف المنبر حيث السيد حسن أحمد الخميني يوجه لكمة الى وزير الداخلية والدماء تسيل من أنفه. بعد ذلك طيّب آية الله علي خامنئي خاطر حسن الخميني وقبّل جبينه. أوساط المعارضة الايرانية تقول ان قلق النظام من أن يكون السيد حسن أحمد الخميني مرشح الانتفاضة الخضراء وأطياف سياسية من قلب المحافظين المعتدلين للرئاسة اذا ما أكمل أحمدي نجاد ولايته الرئاسية، يقف خلف المحاولة الفاشلة لإفقاده حضوره الوازن شعبياً.
الـ1929 هو القرار الرابع ضد ايران، وهو قوي على اكثر من صعيد خصوصاً الاقتصادي منه. أخطر ما فيه أساساً أنه يشكل حلقة قاسية ومؤثرة في نهج لن يتوقف هنا.
يكاد القرار 1929 يشبه مرحلة العقوبات التي صدرت ضد العراق عام 1992. الفارق الوحيد ان الولايات المتحدة الأميركية لن تهاجم ايران عسكرياً كما هاجمت العراق.
من بين الأسباب التي تحول دون استخدام القوة العسكرية ان واشنطن لن تجد ادلاء ومترجمين ايرانيين لجيوشها، سواء بسبب عمق الشعور القومي وقوته لدى الايرانيين، من جهة ولأن تجربة العراق الفاشلة من جهة أخرى فعلت فعلها بحيث لن تكرر واشنطن أخطاء هذا التجربة وخطاياها.
الاقتصاد هو القلب في أهداف القرار 1929، ايران تمر أصلاً في أزمة اقتصادية نتيجة لتسخير أحمدي نجاد عائدات ايران لمد شعبيته في الريف الايراني. نجاد ينفذ اقتصاداً ريعياً لا علاقة له بالاستثمار المنتج. الأهم ان القرار يأتي في وقت انخفض فيه سعر برميل النفط من 85 دولارا للبرميل الواحد الى 75 دولارا، مما يشكل انخفاضاً واضحاً وملحوظاً في العائدات النفطية التي تضخ في الاقتصاد الايراني الأحادي تقريباً في مصادره. أيضاً وضمن التوقيت الصعب يأتي انخفاض سعر اليورو نحو 25 بالمئة من قيمته ليزيد في حجم الكارثة لأن ايران تعتمد لـسلتها المالية اليورو وليس الدولار، بهذا فإن المدخرات الايرانية قد فقدت 25 بالمئة منها.
عودة الى مفاعيل القرار 1929 المباشرة، التي لا بد ان تنعكس سلبياً وبقوة على مجمل الاقتصاد الايراني وخصوصاً على القوة الشرائية للشعب الايراني وارتفاع حجم التضخم المرتفع أصلاً. ذلك ان تكلفة العمليات المالية تبلغ حالياً 18 بالمئة.
هذه التكلفة المرتفعة بالنسبة للتكلفة العالمية تعود الى العقوبات المفروضة واضطرار الشركات الايرانية والمؤسسات الرسمية الى استخدام طرق التفافية عبر دبي وماليزيا وغيرهما. بعد القرار 1929 فإن التكلفة حسب التقديرات في باريس سترتفع الى الضعف اي ما يصل الى 30 و35 بالمئة. أبرز مفاعيل هذه التكلفة المضاعفة، سيكون في ارتفاع أسعار كل الواردات الى ايران وهي كثيرة ومتنوعة تصيب القاعدة الشعبية قبل غيرها.
من مفاعيل هذا القرار الايجابية، كما ترى أوساط معارضة ايرانية، تراجع خطر المواجهة العسكرية. واشنطن التي لا تريد هذه التجربة اصلاً، تجد في هذا القرار وربما لاحقاً صدور قرار أشد قوة، ضوءا أحمر للآخرين وتحديداً الاسرائيليين في متابعة التجربة وعدم تعريضها للمساءلة أو للخطر. ابتعاد الخطر العسكري، سيريح حكماً المعارضة في الداخل لأنه سيرفع عنها سيف تهمة التعامل مع الخارج أو تعريض الأمن القومي للخطر. حركتها المتحررة من هذا الاتهام ستصبح أكثر حرية وانتشاراً، يساعدها في نشر خطابها المعارض ارتفاع منسوب التذمر الشعبي مستقبلاً.
الضغط الدولي المتزايد، خصوصاً مع اضافة العقوبات الأوروبية الأحادية الى مفاعيل القرار الدولي، لا بد ان يدفع القيادة الايرانية الى خيارين احلاهما مر:
[الأول: الانفتاح على الخارج والتفاوض تحديداً مع واشنطن، مع كل ما سينتج عنه من تغييرات عميقة على مسار النظام كله داخلياً وخارجياً.
[الثاني: الانفتاح على الداخل وتحديداً المعارضة الخضراء التي تطالب بتغيير سلوك النظام والتطبيق الحرفي للدستور وليس الانقلاب عليه وتغييره بهدف تقوية الجبهة الداخلية لمواجهة التشدد الخارجي.
يبقى خيار ثالث وهو كما يقول الايرانيون اصرار النظام على افراغ الحوض من الماء والسمك والبقاء حارساً على الحوض الفارغ. عندئذ يكون الوضع في ايران مفتوحاً على كل الاحتمالات.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.