8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

حفاوة فرنسية استثنائية بالبطريرك صفير تعويضاً لما فات وانفتاح مدروس على جعجع المعتدل

قد تكون الصدفة هي التي جمعت بين زيارتي البطريرك نصرالله صفير والدكتور سمير جعجع لباريس. لكن من المؤكد أن الاهتمام الفرنسي الرسمي والخاص بالضيفين ليس صدفة، بل هو مدروس جيداً وبدقة ويحمل رسائل موجهة الى هنا وهناك في المنطقة. طبعاً للبطريرك صفير مكانة خاصة في باريس، وهو جاءها بدعوة رسمية، هي الأولى له منذ تولي نيكولا ساركوزي الرئاسة في أيار 2007.
من المظاهر الاحتفالية بالبطريرك صفير، استقبال الرئيس الفرنسي في قصر الاليزيه، والمسؤولين الآخرين والى جانب احتفاء الجالية اللبنانية به. أما الحكيم، فقط جاء بمبادرة شخصية منه، لكن ذلك لم يحل دون اهتمام فرنسي خاص به، برز في لقائه مع وزير الخارجية برنار كوشنير الى جانب لقاءاته الأخرى المهمة ومنها مع تيري لارسن الممثل الشخصي لأمانة الأمم المتحدة في الشرق الأوسط.
الاهتمام الفرنسي العلني والجلي بالبطريرك صفير، ليس فقط تنفيذاً لتقليد قديم يعود الى الرابط الوثيق لفرنسا مع مسيحيي الشرق وخصوصاً لبنان منه فقط. التطورات التي جرت خلال الفترة الماضية التي أعقبت انتخاب ساركوزي للرئاسة، لعبت دوراً في حصول نوع من الفتور في العلاقات، كان لا بد لتجاوزها من لقاء قمة في باريس يتوافق مع مسار التطورات في المنطقة. ويبدو أن باريس الساركوزية وجدت أن انفتاحها على دمشق وان كان مستمراً وسيستمر إلا أن الخلل في الحلقة المسيحية في لبنان يرمي ظلاله بقوة على الحضور الفرنسي والفهم الخاص للمسارات السياسية في بلاد الأرز والمنطقة.
ربما الذي دفع بهذا الاتجاه، أن باريس كانت تنتظر أكثر بكثير مما تلقته من دمشق في مقابل ما أعطته بلا حساب.
من ذلك، ان دمشق بقيت على سياستها الثابتة مع الثلاثي: إيران حزب الله وحماس، أي في أكثر الملفات حساسية عندها. كما أن باريس كانت تتوقع مساهمة سورية واضحة في بعض ملفات العلاقة السورية اللبنانية خصوصاً ما يتعلق بملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات لكن ذلك لم يحصل حتى الآن ولا تريد باريس أن تيأس في هذا المجال فهي ما زالت تعتبر أن دمشق قادرة على لعب دور أكثر ايجابية مع لبنان، علماً انها قدمت حتى الآن الكثير وخصوصاً ما يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية.
أيضاً بالنسبة للبطريرك صفير، فإن الحفاوة الفرنسية، التي تشكل تعويضاً عن الذي فات، وتأكيداً على عمق العلاقة التاريخية، تدخل في إطار تظهير باريس أمام الجميع بما فيهم دمشق انها ما زالت حاضرة وقوية وقادرة دائماً على دفع مسارات العلاقات نحو التوازن البناء. ولا شك أن الرئيس الفرنسي، عمل خلال اللقاء الذي جمعه بالبطريرك صفير على إزالة الشكوك والرد على الأسئلة الصعبة التي لدى صفير حول مسار العلاقات بين باريس ودمشق ونهاياته بالنسبة للبنان.
الدكتور سمير جعجع أجاب على العديد من الأسئلة المشتركة كما يبدو وبينه وبين البطريرك صفير التي طرحت على المسؤولين الفرنسيين. الحكيم أجاب على الصحافيين الذين التقاهم في نادي الصحافة العربية بديبلوماسية واعتدال وحنكة. في بعض مواقفه بدا عروبياً أكثر بكثير مما هو معروف ومتوقع منه. العنوان العريض لخطاب جعجع الباريسي: ان لبنان أولاً وأولاً في السياسة الفرنسية وبصرف النظر عن علاقاتها مع كل الناس وذلك حتى اشعار آخر. اما الهدية التي قدمها لباريس ربما لشكرها على استضافته والاحتفاء به: ان العلاقات الفرنسية السورية ليست ضد مصلحة لبنان ربما احياناً تكون في مصلحته. بعد ذلك جاء دور باقي القضايا.
لبنانياً، بدا جعجع متعلقاً بالدولة وقوة لبنان في التفاف الجميع حولها. وفي قلب هذا الالتفاف يقع التفاف آخر مكمل له وهو المتعلق بالتفاف الشعب اللبناني حول بعضه البعض، وان يكون ذلك مهمة الموارنة قبل ان يلتفوا حول بعضهم البعض.
مشيراً الى ان امكانات التدخل السوري في الشؤون اللبنانية تضاءلت كثيراً، لكن حيث يمكنهم تتدخل بقوة كما يحصل في الدعوى المتعلقة، بـLBC.
وفي اجابته على سلاح حزب الله لم يثر مشكلة حول السلاح نفسه وانما حول القرار الخاص باستخدامه الذي برأيه يجب ان يعود الى الدولة اللبنانية وحدها. أيضاً جدد جعجع مطالبته بسحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات لأن لا دور له وانه يجب إعطاء الفلسطينيين كل ما يسهل حياتهم المدنية والمعيشية. وذلك رداً على الشرخ الذي حصل داخل مجلس النواب حول منح الفلسطينيين حقوقاً مدنية من اصطفاف واضح بين معسكرين مسيحي ومسلم. وقد عمل جعجع على التخفيف مما جرى بالتركيز على أن ذلك لا يعني وقوع شرخ لبناني لبناني وانه لا بد من التفاهم على حل يساهم في تخفيف صعوبات الحياة المدنية والمعيشية للفلسطينيين.
عربياً، أكد جعجع على أن الحل يكون بقيام دولة فلسطينية حرة ومستقلة دون ذلك لا حل ولا سلام. مضيفاً أن سحب المبادرة العربية يشكل أكبر خدمة لإسرائيل، مؤكداً على الاحترام الخاص الذي يكنه لنضال حركة حماس وضرورة اتمام المصالحة الفلسطينية الفلسطينية. وفي معرض السؤال عن شاكر العبسي وإمكانية عودة فتح الإسلام الى لبناان قال: رحمه الله.
بالنسبة لمصر العائد منها، شدد جعجع على أنها دولة ملتزمة بتعهداتها الدولية. وأن معبر رفح خاضع لاتفاقات ملزمة من ذلك أن القوى المشرفة عليه هي السلطة الفلسطينية ومصر والاتحاد الأوروبي. طالما أن السلطة ابعدت وأصبحت الأمور بيد حماس فإن فتح المعبر سقط ولا يمكن لمصر وحدها فتحه بدون الأخذ في الاعتبار الموقف الأوروبي والدولي معاً.
وأشار في معرض حديثه عن علاقات لبنان بمصر الى الرئيس جمال عبد الناصر وكيف تعامل مع الرئيس فؤاد شهاب وكم بدا عبد الناصر شخصية كبيرة يفتقدها الجميع.
أخيراً دعا اللبنانيين الى الحذر الشديد لأن العقوبات على إيران تعني المواجهة بين المجموعة الدولية وإيران والسؤال أين ستقف هذه المواجهة وما هي حدودها؟ وبدا جعجع حذراً بكل ما يتعلق بالحديث عن إيران حتى انه اعتبر رفع العلم الإيراني في مناسبات معينة الى جانب العلم اللبناني مثله مثل رفع العلم الفرنسي. انه جزء من الفلكلور اللبناني.
الرئيس نيكولا ساركوزي مشغول في هذه الفترة بالهبوط الحاد لشعبيته في وقت يراجع فيه نفسه حول إمكانات ترشيح نفسه لولاية ثانية وخصوصاً ان المنافسين له يزدادون عدداً يوماً بعد يوم، إذ بعد غدٍ يعلن دومنيك دوفيلبان خصمه الكبير والقوي تشكيل حزبه تمهيداً لخوض معركة الرئاسة. وربما يتجه فرنسوا فيلون رئيس الوزراء للخروج من رئاسة الوزراء تمهيداً لترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية. لكن ذلك لا يمنع ساركوزي من التركيز على إدارته لسياسة فرنسا الخارجية. ولذلك فإن الكلمة الأخيرة في هذا المجال السيادي تبقى له مهما كانت مواقف وزير خارجيته برنار كوشنير منسجمة أو معارضة له.
من ذلك أن كوشنير ما زال متحفظاً على مسار الانفتاح الواسع وغير المشروط على دمشق في حين أن ساركوزي رغم كل ملاحظاته ما زال يعتبر أن ما بدأه يقلب الصفحة المعقدة مع دمشق والتي انتجت القطيعة معها يجب أن يكمله، لكن يبدو أنه أصبح ينتظر منها أفعالاً أكثر من السابق، على الأقل ليحافظ على مصداقية خطابه أمام واشنطن.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00