8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

موسكو لا تريد على حدودها ايران نووية وتركيا قوية والدول الخمس تحالفت في وجه صعود الدول المتوسطة

وحدة موقف الدول الخمس الكبرى: الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا، تجسد في إصدار القرار 1929 المتعلق بتشديد العقوبات ضد ايران، تطلب الكثير من المفاوضات والتطمينات المتبادلة، وقد حدث الإجماع، وقبلت كلا من بكين وموسكو الصعود في قطار العقوبات ضد ايران. وهذا الحدث لم يكن ليتحقق لولا دخول البرازيل وتركيا على خط المفاوضات مع ايران ونجاحهما في اقناع ايران بمبادلة اليورانيوم القليل التخصيب بيورانيوم عالي التخصيب خارج اراضيها. هذا النجاح التركي البرازيلي، أثار الدول الخمس أولاًَ وهي دول اعضاء في النادي النووي. ما حصل يشكل دخولاً غير متفاوَض عليه لدول متوسطة الى النادي النووي وقراراته المحصورة في ادارة هذا الملف.
الى جانب ذلك، وهو مهم جداً لأنه يدخل في صلب صياغة السياسات الاقليمية وحتى الاقتصادية، موسكو مهما كانت مصالحها متشعبة ومتشابكة مع ايران، فإنها لا ترغب برؤيتها عضواً في النادي النووي، لأن طموحاتها تتجاوز حدودها، في وقت تجهز فيه موسكو نفسها لاعادة ترتيب محيطها الامبراطوري القديم الذي يضم في ما يضمه دول الجمهوريات الاسلامية السابقة في الاتحاد السوفياتي.
أيضاً فإن موسكو لا ترغب مهما تغير العالم ان تكون جارتها تركيا التي كانت جزءاً اساسياً من الجدار الحديدي حولها، دولة مشاركة في صياغة القرارات الاستراتيجية العالمية. ما يعزز ذلك ان التزاحم التركي الايراني القائم حالياً علناً او في الخفاء، يمكن ان يتحول الى تحالف استراتيجي في حالة شعور اي واحد منهما او الاثنان معاً بالخطر.
اخيراً، ان البرازيل التي تبلغ مساحتها نصف مساحة قارة اميركا اللاتينية والصاعدة اقتصادياً تشكل في زمن التحول السياسي الحاصل في اميركا اللاتينية نحو اليسار بعد سقوط عصر جمهوريات الموز، نداً كفوءاً للولايات المتحدة في جوارها. وهي اذا ما دخلت في صلب صياغة السياسة الدولية، لا شيء يقف أمامها، لأن أخطر الحالات تتشكل عند الدول القوية اقتصادياً وجغرافياً وتملك حضوراً سياسياً على مختلف الجبهات والملفات.
هذا الوضع المعقد، لم يكن ايضاً ليصبح موضع حذر شديد لولا ان العالم يعيش حالياً في مرحلة انتقالية باتجاه تشكيل نظام دولي جديد تعددي الاقطاب. قلق العواصم الخمس من هذا الاقتحام لدول متوسطة مثل تركيا والبرازيل جاء واضحاً. مثل هذه العملية تشجع، اذا ما نجحت، دولاً اخرى على القيام بذلك، لا بل انها تفتح الباب أمام طهران نحو لعب دور ليس مقبولاً لها في المستقبل المنظور خصوصاً اذا ما بقيت دولة مارقة حسب التوصيف الاميركي الاوروبي لها.
الدول الخمس تفاهمت وقررت ونفذت، لكن ذلك لن يبقى بدون رد. تركيا خطت خطوة لن تعود عنها. وهي خطوة رسالة في مواجهة الاوروبيين اكثر مما هي موجهة ضد واشنطن. تركيا لم تعد برأي الاوساط التركية نفسها تتردد في قول لا للغرب وتحديداً للاوروبيين. على الآخرين ان يحسبوا حسابها على هذا الاساس. هذا الوضع يؤشر الى استمرار التشدد في الموقف التركي سواء باتجاه اسرائيل او الغرب. تركيا مستعدة لأسباب استراتيجية وليس ايديولوجية الذهاب بعيداً في مواقفها حتى تفرض حضورها فيطلب الآخرون يدها بدلاً من ان تستمر في مغازلتهم دون نتيجة.
بعض الاوروبيين لا يريدون ان يروا الموقف التركي من هذا المنطق وهذه الحيثية، خصوصا وان بوابة فلسطين كانت منطقة العبور التركي باتجاه هذا الدور. فجأة استيقظت شياطين الصليبية اليهودية عند البعض، بعد ان ادركوا ومعهم اللوبي اليهودي العالمي، خسارتهم للمواجهة بعد ان عصفت عملية رياح السماء الاسرائيلية بوضع اسرائيل دولياً قبل ان تسقط الضحايا المدنيين من الاتراك في المياه الدولية.
المقال الذي وقعه خوسيه ماريا ازنار رئيس الوزراء الاسباني وشاركه فيه اسماء دولية معروفة في اطار مبادرة لاصدقاء اسرائيل مثل: ديفيد تريمبل العضو المعين من اسرائيل في هيئة التحقيق حول اسطول الحرية والمؤرخ البريطاني الداعم للنظام العنصري في جنوب افريقيا، والسفير الاميركي المشهور جون بولتون، ورئيس مجلس الشيوخ الايطالي السابق مارسيلو بيرا، هذا المقال خطير جداً ليس لأنه يدعم اسرائيل، ولكن لانه يربط بين وجودها ووجود الغرب، ويعتبر الغضب حول غزة مجرد سهو وهو يرى ان الغرب يمر في حالة ارتباك حول شكل مستقبل العالم، مضيفاً ان العلمانية تعمي هذا الغرب. من الواضح ان هذه الشياطين ما كانت لتخرج من قمقم التاريخ لولا الادراك بأن نظاماً دولياً جديداً يتشكل، وأنه يجب منع دخول احد اليه دون المرور بإذن خاضع للاستجواب عبر بوابة التسليم بالرؤية الغربية الجامعة لتطرف مواقف المحافظين المتشددين الذين هزموا في وجه باراك اوباما ولم يقبلوا بهزيمتهم، ولذلك يحاربونه منعاً للتغيير المطلوب.
هذا الربط بين وجود اسرائيل ووجود الغرب، يعني، متى جرى التسليم به، وضع العالم كله على حافة حروب دينية لا تنتهي، بدلاً من تصعيد الحرب ضد التطرف الاصولي الذي يتغذى وينمو من الاحباط واليأس ويزداد تشدداً امام مثل هذه المواقف التي تعطي دعاويهم بمحاربة الصليبية اليهودية الشرعية.
مثل هذه الدعوة الازنارية والتحالف القائم بين اعضاء النادي الدولي النووي، تؤكد الرؤية القائلة بأن منطقة الشرق الاوسط كلها تعيش حالة من الستاتيكو الساخنة لانها موجودة على حافة الانزاق نحو الانفجار الشامل في أي لحظة. ولذلك فإن كل يوم جديد تعيشه المنطقة بلا حروب ولا مواجهة هو يوم جديد من الحياة حتى إشعار آخر.
لا يمكن للعقلاء والطامحين للتغيير، ترك ادارة العالم للأزناريين الصاعدين من قلب البوشية الفاشلة. عواصم عديدة منها واشنطن وباريس تبحث عن صياغة حركة سياسية ناضجة وفاعلة توقف انحدار منطقة الشرق الأوسط نحو الهاوية، تارة باسم الحرب على الارهاب وتارة أخرى في ترك اسرائيل توغل في سياستها المتطرفة، دون قلق ولا حذر من المحاسبة. حتى الآن لم تنضج الأوضاع لمثل هكذا مبادرة قائمة مستندة على خريطة طريق واضحة. انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من العراق عسكرياً يشكل الخطوة الأولى نحو بدء واشنطن في صياغة سياسة متحركة أكثر ومتحررة من الخوف من الانزلاق أكثر فأكثر في مستنقع العرقنة.
يبقى ان دولاً مثل لبنان وشعوباً مثل الشعب اللبناني، ليس امامهم سوى السير بين الالغام وتحت ظلال من الاعاصير، بحذر شديد ووعي كامل بأن الغلطة في هكذا مرحلة هي مسألة حياة أو موت.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00