الصداقة التي تجمع بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معروفة جداً، وهي ليست بحاجة لإثباتات ووقائع، لأنها معلنة ورسمية. رغم ذلك فإنّ الثقة بين الصديقين اهتزّت كثيراً، لا بل سقطت أحياناً، خلال التعامل والتعاون الرسمي بينهما. ساركو لم يعد يثق كما يقال في باريس بصديقه بيبي لكثرة ما أخل بتعهداته والتزاماته. الجديد في بورصة علاقات الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، ما جرى تسريبه مؤخراً وهو ان الأول طلب من الثاني إعلامه مسبقاً بأي هجوم عسكري ستشنه إسرائيل على لبنان، حتى يتم بسرعة تحييد القوات الفرنسية العاملة في اليونيفيل، كي لا تتعرض للخسائر أولاً، ولا يواجه الاليزيه إحراجاً شعبياً فرنسياً بغنى عنه. الطلب الفرنسي تمّ في 28 أيار الماضي خلال اللقاء الذي جمع ساركو وبيبي في الاليزيه، بعد أن علم ساركو ان نتنياهو اتخذ قرار الحرب ضدّ لبنان وهو ينتظر الظروف الاقليمية والدولية الملائمة.
يبدو استناداً إلى مصادر مطلعة ومختلفة، ان باريس لديها معلومات أبرزها من واشنطن، تؤكد النوايا الإسرائيلية بشنّ الحرب على لبنان بهدف إلحاق ضربة قاسية جداً وإن كانت لن تكون نهائية لـحزب الله في لبنان، وان هذه الضربة ليست فقط للثأر لحرب 2006 وإنما- وهو الأهم- لأسباب استراتيجية تتعلق بوجود إسرائيل وموقعها ودورها في منطقة الشرق الأوسط.
تشير المعلومات الآتية من واشنطن ان وفداً إسرائيلياً يضم مجموعة مهمة من الضباط العاملين والمتقاعدين والخبراء من مختلف المواقع، التقى في العاصمة الأميركية مجموعة من المسؤولين والخبراء الأميركيين وعرض عليهم الوضع كما يرونه في إسرائيل، وهو يقوم على:
*ان الخطر النووي الإيراني هو وجه المواجهة وليس أصلها. فالسلاح النووي ردعي وليس هجومي، وإيران لن تستخدم هذا السلاح حتى ولو حصلت عليه لأنها في حال اللعب بالنووي هي المعرّضة للفناء وليس الآخرين. لكن ذلك لا يحول دون الانتباه إلى ان حصول إيران على السلاح النووي يشكل انقلاباً في طبيعة العلاقات الاستراتيجية في المنطقة، ويجعل من إسرائيل قوة من ثلاث قوى إلى جانب إيران وتركيا وليس قوة أحادية مهيمنة على كل التحوّلات ومسار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.
*ان حزب الله هو القنبلة النووية الإيرانية الفعلية في المنطقة. والمشكلة ان هذا السلاح قابل للاستعمال في أي لحظة، طالما هو موجود فإنّ خطره قائم، لذلك ضربه بقوة وقسوة والعمل على فكفكة علاقاته الشعبية عبر إلحاق الخسائر الفادحة بقاعدته، القاعدة أولاً، واللبنانيين ثانياً لكي تقوم مساءلة شعبية لبنانية حقيقية، تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، حتى لو أنتج ذلك حرباً أهلية جديدة.
*ان استمرار التوتر العسكري، ونمو قوة حزب الله الصاروخية وإمكانات وقوع حرب واسعة وشاملة لن يكون المدنيون الإسرائيليون بعيدين عنها، لأن خسائر مرتفعة ستقع بينهم، قد أنتج نوعاً من الانقلاب في تركيبة إسرائيل على الصعيد الاستراتيجي المستقبلي. فقد لوحظ ان هجرة حقيقية من داخل إسرائيل إلى الخارج قد اتسعت وتصاعدت، وان أكثر الذين يهاجرون هم من الطبقة المتوسطة والكوادر العلمية التي يمكنها الانتشار في أسواق العمل الغربية، إلى جانب ان معظم هذه الشرائح ليست متعصبة وعلمانية، مما انعكس على تركيبة المجتمع الإسرائيلي، بحيث تخف امكاناته وطاقاته العلمية والتقنية وينزلق المجتمع نحو مزيد من التعصب الديني والتطرف السياسي. يوماً بعد يوم يتأكد للإسرائيليين قبل غيرهم ان العالم غير مستعد لتقبل هذا التحوّل لأن في ذاكرته انّ إسرائيل هي الدولة الديموقراطية والعلمانية الوحيدة في الشرق الأوسط. وإذا ما أصبحت دولة مثل باقي دول المنطقة فإنّ أساس وجودها سيتعرض للمساءلة.
*ان التدريبات اكتملت تقريباً وهي مستمرة والقرار بالحرب قد اتخذ لكن لن ينفذ حالياً، لأنه يجب ترك فترة سماح للرئيس باراك اوباما لإكمال استحقاق الانتخابات النصفية للكونغرس في الخريف المقبل. ولذلك فإنّ لا شيء يمنع بعد ذلك من افتعال السبب للحرب، كأن تتم محاولة لاغتيال مسؤول كبير في الحزب فإنّ ردّ الحزب تعلن الحرب، وإن صمت فإنه يكون قد خسر الحرب قبل أن تبدأ.
*ان صواريخ سكود لم تصل إلى حزب الله في لبنان، ولو وصلت لما ترددت إسرائيل لحظة واحدة في ضرب مخازنها التي جاءت منها أي من سوريا والمخازن التي وصلتها. لكن إسرائيل تملك معلومات إلى جانب هذه الواقعة تؤكد انه جرى تدريب مجموعات من المقاتلين من الحزب على استخدام صواريخ سكود. ولذلك يجب توقع دخول هذه الصواريخ في أي مواجهة ومن المؤكد ان المنطقة التي تنطلق منها الصواريخ سيتم قصفها وإزالتها عن الوجود.
*اسرائيل مقتنعة أن سوريا وايران لن تتدخلا مباشرة في اي حرب ضد حزب الله في لبنان، مهما بلغت ضراوتها وقساوتها. والجيش الاسرائيلي، لن يفعل شيئاً لإدخالهما في الحرب، الا اذا أقحمت دمشق نفسها فيها، واذا ما حصل ذلك فلن توجد هذه المرة خطوط حمراء عسكرية وسياسية، بما في ذلك العمل على ضرب النظام مباشرة، رغم ان ذلك قد يكون أمراً غير مقبول على الصعيد الدولي.
سواء كانت هذه المعلومات المسربة من واشنطن أو باريس صحيحة ودقيقة أو أنها مجرد رسائل الى الأفرقاء في الشرق الأوسط لدفعهم نحو تغيير سلوكهم، فإن أمراً يبدو ثابتاً وهو تزايد عمق الأزمة التي تمر بها حكومة التطرف اليميني الاسرائيلية برئاسة الترويكا غير المسبوقة المشكلة من بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان وايهودا باراك. ما يرفع من مخاطر هذه الحالة انها صدى لأزمة المجتمع الاسرائيلي نفسه الذي يغرق يومياً في التطرف غير المنتج لأي حلول.
لا شك أن حالة الجفاء الدولية التي تكاد تصل الى حد المساءلة والمحاسبة بعد عملية رياح السماء ضد أسطول الحرية شكلت صدمة كهربائية، أيقظت كل الهواجس، فلا شيء أخطر على اسرائيل من العزلة عن الرأي العام الدولي الذي شكل بالنسبة لها شبكة أمان دائمة سمحت لها بأن تبقى فوق أي حساب ومحاسبة.
حتى الآن ما زالت منطقة الشرق الأوسط تعيش في ظل توتر مضبوط وغياب المبادرات السياسية. لكن هذا لا يمكن أن يستمر طويلاً، خصوصاً وان جميع القوى مأزومة وهي تبحث عن ثغرة للخروج من أمام الأفق المسدود القائم. كل ذلك يرفع من منسوب الأخطار خصوصاً أن مختلف الأطراف تتأهب للحرب وكأنها واقعة غداً، وأن ربحها هو مسألة حياة أو موت بالنسبة لها، علماً ان نتائج كل حرب في المنطقة تكمن فيها ولادات الأسباب الضرورية لقيام حرب قادمة أقسى وأشرس وأكثر دموية. كأن قدر منطقة الشرق الأوسط منذ ولادة الحضارات فيها، أن تتصادم هذه الحضارات حتى النهاية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.