8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

التصعيد الإرهابي ضد تركيا رسالة بتوقيع إسرائيلي عنوانها لا تلعبوا معنا حتى لا نلعب في الداخل عندكم

كلام بارد حول قضية ساخنة. الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، يحتاج فعلاً الى التضامن معه، والعمل على فك الحصار عنه. للفلسطينيين سواء في غزة والضفة الغربية أو في الشتات الحق في أن يعيشوا بكرامة وحرية وعزّة انسانية. لا ينقص الفلسطينيين أبداً التظاهرات خصوصاً الفولكلورية منها أو السياسية التي تبدأ بهم وتنتهي في خدمة استراتيجيات اقليمية ودولية مبرمجة مسبقاً.
أسطول الحرية ورياح السماء، فتحا ثغرتين في المنطقة المأزومة في ظلال أفق مسدود. الأولى جاءت في جدار الصمت الدولي. لم يعد بإمكان الدول مهما كانت مؤيدة أو حتى ملتزمة بإسرائيل، الصمت على هذا الحصار الذي طاول الأطفال قبل الشيوخ. والثانية في صلب العلاقات التركية ـ الاسرائيلية. حتى بنيامين نتنياهو لم يستطع مقاومة تسلل الصوت والضوء عبر الثغرة التي حصلت. قرار تخفيف الحصار جاء بالإكراه وليس بالإقتناع.
توجيه السفن من لبنان الى غزة عبر قبرص الممتنعة عن تجمعها عندها، مبادرة مهمة قد يكون فيها الكثير من البراءة الثورية أو الانسانية. لكن ليس كل ما يلمع بريئاً. في هذه العملية وما سيتبعها من ايران، حسابات سياسية أكثر تعقيداً من الهدف المعلن. الاسرائيليون وهم يرفضون قدوم السفن، يتمنون ضمناً وصولها حتى يكون ردهم ينسجم مع ما يريدونه القادمون. المشكلة الكبرى والتي يبدو أن الكثير من الاسرائيليين أصبحوا يعونها أن الجيش والمؤسسة الأمنية لا يفكران إلا في مفاهيم القوة العسكرية.
احتمال استخدام الجيش الاسرائيلي القوة قائم جدياً. يعتبر رئيس الأركان اشكنازي ان القوات التي نفذت عملية رياح السماء ردت على وضع غير عادي بالطريقة التي يجب الرد بها. المشكلة أن رد الفعل الاسرائيلي لن يفاجئ أحدا، لكنه حكماً سيحدث شبكة دخان تغطي على القرصنة التي ارتكبها وأدت الى مقتل تسعة أتراك. السؤال الواقعي: هل من مصلحة أهل غزة قبل العرب حجب المسار التركي المتصاعد في مواجهة اسرائيل؟.
الرد العسكري الاسرائيلي على السفينة التي تحمل العلم التركي كان مقصوداً به توجيه رسالة الى تركيا بأنها تدخل الى مربع لا يتحمل دخولها ولا دورها المستقل وبالتالي المضاد لموقع اسرائيل في المنطقة. التعامل مع الأتراك في السفينة مرمرة بهذه الشراسة الدموية كان مقصوداً ومتعمداً، لأن أي عملية مثل رياح السماء تتطلب موافقة رئيس الوزراء بعد اطلاعه على تفاصيلها واحتمالاتها من حيث الوقائع والنتائج. هذا تقليد متّبع في اسرائيل منذ بن غوريون. اسرائيل أكدت بذلك انها تعاملت وستتعامل مع الدور التركي النامي من البوابة الفلسطينية هو مثل السكين في خاصرتها.
حالياً توجد حرب إسرائيلية خفية على تركيا ـ أردوغان، ليس هذا سيناريو عاطفيا لدعم تركيا عند العرب أو لإدخالها الى قلوبهم. هذا بأنه الواقع. إسرائيل تستخدم وستستخدم كل الوسائل لإحداث تغيير انقلابي في الاستراتيجية التركية. تل أبيب مهما بلغ فيها التطرف اليميني لن تدخل في مواجهة مكشوفة ضد تركيا، لكنها ستعمل بكل ما يمكنها لتغيير المسار التركي ولو في خلق مصاعب تركية داخلية ضد رجب طيب أردوغان وحكومته.
إسرائيل قوية في قلب تركيا. التحالف الاستراتيجي القائم بينهما منذ عدة عقود، خلق لها مراكز قوى ولوبيات داخل دوائر النظام المغلقة. إسرائيل قوية جداً داخل الجيش التركي من جهة والإعلام التركي من جهة أخرى. أردوغان ومعه حزب العدالة والتنمية يعرفان ذلك جيداً، ولذلك كان عملهما تحت قبة النظام تغيير المعادلات دستورياً، أي العمل على دفع قيادة الجيش التركي عن موقع تحكمه بالقرار السياسي. وقد نجح أردوغان في ربح عدة جولات بالنقاط، لانه لا يريد ولا يستطيع الربح بالضربة القاضية.
انفجار العمليات العسكرية ضد الجيش التركي بقوة وفاعلية دموية، في هذا الوقت، يثير ألف سؤال وسؤال. في عز عمليات حزب العمال الكردستاني لم توجه الى الجيش التركي هذه الضربات النوعية.
قوى تركية عديدة ترى أن إسرائيل وراء مثل هذه العمليات المفاجئة والناجحة، الموساد الإسرائيلي موجود وناشط في شمال العراق، وهذا ليس سراً ولا اتهاماً، انه واقع قائم. الإسرائيليون يملكون الخبرة والقوة والعلاقات لتوجيه الناشطين الأكراد للقيام بمثل هذه العملية، الهدف واضح جداً.
إعادة الجيش التركي ودوره كحام للنظام الاتاتوركي الى الواجهة. كل عملية كردية ناجحة أو فاشلة تعزز قيادة الجيش التركي المختلفة أصلاً مع أردوغان.
اللوبي اليهودي ولوبيات غربية أميركية وأوروبية، تمسك بمفاصل عديدة في الاعلام التركي، يتم حالياً دفع جزء من هذا الاعلام المؤثر الى شن حملة تبدأ من العمليات العسكرية النامية وصولاً الى مطالبة أردوغان بمراجعة سياسته الشرق أوسطية التي تضر تركيا ولا تنفعها.
إعادة الشرخ الى المجتمع المدني بين الأتراك والأكراد ودفع الأكراد للانخراط من باب اليأس بالحل السياسي في مسارات العنف التي بدأت هذه المرة بعمليات ارهابية ضد هذا المجتمع.
إسرائيل تعمل على إبلاغ أنقرة، بأنها إذا تابعت لعبها في الخارج فإنها قادرة على اللعب في الداخل التركي. تل أبيب تخاطر كثيراً في هذا التوجه لأن تركيا أردوغان لا تفكر مطلقاً بإلغاء إسرائيل وانما فقط باحتوائها. ولذلك فإنها تدفع نحو تنفيذ استراتيجية تقوم على اقامة التوازن والسلام والاستقرار في المنطقة.
المتضرر الأول من هذا كله عملية السلام سواء على المسار السوري أو الفلسطيني معاً. حكومة التطرف الإسرائيلية تريد ذلك وتسعى لتنفيذه لكنها تريد في الوقت نفسه تحميل الآخرين أمام واشنطن مسؤولية نتائج إسقاط هذا المسار.
مهما بلغت براءة البعض، فإن انضمام تركيا الى معسكر الرفض والممانعة العربية لن يحصل اليوم ولا غداً. تركيا لها حساباتها الاستراتيجية التي تتجاوز حالة الرفض العربية المستندة الى فراغ القوة والحضور السياسي الدولي معاً. تركيا دخلت في هذا المسار لكي تصبح الملكة على رقعة شطرنج الشرق الأوسط لا أن تكون حصاناً في خدمة الملكة.
ترك المسار التركي ينضج على النار التركية مطلوب حالياً أكثر من أي وقت مضى. ويجب الا يحجب نضوجه في عمليات جانبية وفي توقيت غير مناسب. عندما يحين الوقت المناسب ليتجه أسطول عربي ـ إسلامي ـ إنساني من موانئ المنطقة ومن خارجها الى غزة وليس من بيروت فقط. عندئذ يصبح لمثل هذا الأسطول حضور وفاعلية قادرة على كسر التطرف الإسرائيلي، وجعله عارياً أمام الرأي العام الدولي، ولكن ايضاً وهو مهم جداً دفع الاسرائيليين ليروا ويسمعوا العالم، ليتغيّروا ويقبلوا بالآخرين خصوصاً الفلسطينيين وحقهم بالعيش في دولة مستقلة قابلة للحياة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00