لماذا هذه السرعة وحتى هذا التسرع في وأد الأوبامية علماً أنه لم يمضِ على تسلم باراك أوباما الرئاسة أكثر من 18 شهراً؟ الذين حمّلوا أوباما أكثر مما يحمل ويتحمل، من الطبيعي أن يصدموا بالنتائج التي حققها حتى الآن، أما الذين يتعاملون معه بواقعية سياسية فإنهم يعترفون بأنه تلقى ضربات كثيرة رفعت رصيد خسارته بالنقاط، ولكن ما زال أمامه أكثر من عامين للعمل وللربح فيها أو الخسارة. كما يجب ألا يتغافل أحد أن باراك أوباما تسلم الرئاسة والوضع السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية حقل من الركام، أزمة مالية دولية غير مسبوقة، وثلاثة حروب في وقت واحد:
[ الأولى الحرب العالمية الثالثة ضد الارهاب.
[ الثانية في افغانستان ضد الطالبان والقاعدة.
[ الثالثة في العراق.
التغيير في هذه الحالة لا يمكن أن يتم بسرعة ولا من دون ارتدادات جانبية. مشكلة اضافية لأوباما أنه لا يستطيع أن يصعد في قطار اليسار الأميركي حتى وإن كان جزءاً منه، لأن التوازنات تفرض عليه الانتباه الى اليمين عامة والمحافظين المتشددين منهم خاصة. أوباما لم يرضِ أحداً حتى الآن في الداخل الأميركي، هذا صحيح، لكن ذلك ليس النهاية، ما زال أمامه الوقت والمعارك الكافية لتثبيت قدرته على التغيير، أو فشله واكتفائه بولاية رئاسية واحدة.
حالياً، يخوض باراك أوباما معركة واضحة ضد العسكر. قبل أشهر حاول وفشل عندما رضخ تقريباً لمطالب الجنرالات، فرفع عديد جنوده في أفغانستان. لا شك ان الرئيس الأميركي حقق الآن نقطة لصالحه في مواجهة العسكر، ساعده في ذلك نظام المؤسسات العميق والصلب في الولايات المتحدة الأميركية، حيث العسكر وخصوصاً الجنرالات منهم ينفذون سياسة القيادة السياسية وليس العكس. إقالة الجنرال ستانلي ماكريستل في عزّ الحرب الأفغانية، لها سابقة مع الجنرال ماك ارثر. لم يكن باستطاعة أوباما تجاهل تصريحات الجنرال ديفيد ماكريستل التي سخر فيها من كل السياسيين المدنيين النافذين وليس أوباما وحده. وضع الرئيس الأميركي الجنرال بترايوس، في الخط الأمامي. لا أحد يمكنه انتقاد هذا الاختيار الذي يؤكد على أن التغيير طال الأشخاص ولم يطل الاستراتيجيات. ايضاً اصطاد أوباما عصفورين بحجر واحد. أكد إمساك السلطة المدنية بالقرار أولاً، ووضع الجنرال بترايوس الطامح لخلافته أمام امتحان ميداني يخرج منه قائداً بحجم الرئيس ايزنهاور أو يفشل ويعيش فترة تقاعده في مزرعة بعيداً عن واشنطن والسلطة معاً.
الأوبامية ستخضع لامتحانات واستحقاقات عديدة بعضها مصيري خصوصاً في الشرق الأوسط. حالياً تراجعت شعبية أوباما والأوبامية في العالم الاسلامي بعد أن فتح خطابه في القاهرة طريقه الى قلوب المسلمين وعقولهم. حالياً يوجد سباق بين الحرب والسلام، بين الحياة والموت في الشرق الأوسط. لم يعد باستطاعة أوباما الاعتماد كثيراً على الوقت. الأحداث والتطورات تداهم الجميع، وما لم ينجح أوباما في عقد مؤتمر دولي للسلام في مطلع شتاء 2011، أو تحريك مبادرة سياسية تفتح مسارات التفاوض الجدي بين الفلسطينيين والاسرائيليين من جهة والسوريين والاسرائيليين من جهة أخرى، فالبديل اندلاع مواجهات وربما حروب على طريق فرض الحل الكيسنجري الذي يقضي بإنهاك قوى جميع الأطراف، لتذهب بإرادتها الى طاولة المفاوضات وهي مستعدة لتقديم تنازلات مؤلمة.
اسرائيل المأزومة، التي تعترف الآن بأنها خسرت حرب حصار غزة بعد عملية رياح السماء، لأن كرة النار فيها ارتدّت عليها، كما يحدث حالياً في المونديال عندما يخطئ اللاعب فيضع الكرة في مرماه بدلاً من مرمى الخصم. ايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي والمسؤول مباشرة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لأنه لا تنفّذ عملية مثل هذه بدون توقيعه، ذهب الى واشنطن سعياً منه: لنزع الألغام من علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة الأميركية من جهة وتحضير الأجواء لمحادثات ايجابية بين أوباما ونتنياهو في واشنطن في السادس من تموز القادم. باراك كما جاء من واشنطن، أصبح مقتنعاً بأن على حكومته طرح مبادرة سياسية لتحقيق اختراق ما.
ايهود باراك التقى الجميع من هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية ونائب الرئيس جو بايدن ورئيس طاقم موظفي البيت الأبيض رام عمانوئيل، ومستشار الأمن القومي جيم جونز ووزير الدفاع روبرت غيتس بالاضافة الى المسؤولين في الجهازين العسكري والأمني. ليس المهم اجتماع يهود باراك مع كل هؤلاء المسؤولين الأميركيين، فهو طبيعي في إطار العلاقات الأميركية الإسرائيلية، الأهم انه سمع من كل هؤلاء خطاباً واحداً موحداً، لا يمكن المراهنة على أي تناقضات بينهم، للتسلل عبره باتجاه اتخاذ موقف أكثر حرية وملاءمة للتطرف الإسرائيلي. ايهود باراك نفسه قال: ان الأميركيين يتوقعون ان تنظر إسرائيل بجدية الى أمنها، لكنهم ينتظرون منها أيضاً بعض المخاطرة للخروج من العزلة وعدم التورط. الترجمة الفعلية لكل ذلك كما أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت:
*على إسرائيل طرح مبادرة سلام مع الفلسطينيين، ايجابية وشجاعة، وان التقدم بعملية سلمية حقيقية تؤدي الى تحقيق التسوية معهم. ان إسرائيل قوية وتتمتع بقوة رادعة، وعليها من موقعها هذا السعي للسلام مع الفلسطينيين. من الواضح ان واشنطن تضع سقفاً لدعاوي إسرائيل المتعلقة بضعفها وإحاطتها بالعرب والمنظمات الارهابية التي تريد دمارها وإزالتها من الوجود.
* تقديم المبادرة الإسرائيلية يجب ان يكون خلال القمة التي ستعقد في السادس من تموز القادم في البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي أوباما وبنيامين نتنياهو. أيضاً من الواضح أن أوباما هذه المرة قد وضع خطاً أحمر أمام التلاعب الاسرائيلي بالوقت والمهل الزمنية.
باراك أوباما، بحاجة الى تحقيق نجاح في الشرق الأوسط خصوصاً في قضيته المركزية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، أكثر من أي وقت مضى. أي حل سياسي ينزع فتيل القنبلة الموقوتة بين اسرائيل من جهة والفلسطينيين ولبنان وسوريا من جهة أخرى يريحه ويمكنه من دفع عملية الانسحاب من العراق. أوباما محشور جداً. حتى يفكر بخوض معركة لربح ولاية ثانية عليه أن يقدم نجاحاً للناخبين الأميركيين، دون ذلك سيضطر أوباما للتقاعد باكراً.
لا شك أن نتنياهو سيحشر في الزاوية نتيجة لهذا الطلب الرئاسي الأميركي، وقد يلجأ الى محاولة التملص من الزيارة نفسها ودائماً بحجة أمنية. حتى لا يهرب نتنياهو من المواجهة فليعمل الجميع على عدم منحه الفرصة أو المناسبة لتحقيق أمنيته.
لتكن المواجهة في واشنطن وليس في المنطقة براً وجواً وبحراً.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.