قبل أن تنتهي الولاية الرئاسية لباراك أوباما، تكون ايران قد امتلكت الأورانيوم الكافي لصناعة السلاح النووي، والأهم انها نجحت في تطوير نظام عملاني لاستخدام هذا السلاح. ليون بانيتا مدير وكالة المخابرات المركزية، هو الذي أعلن هذا النبأ الذي يقلب الكثير من المعادلات في العالم وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط.
في اليوم نفسه قال مايكل أورين السفير الاسرائيلي في واشنطن: العلاقات القائمة بين واشنطن وتل أبيب تشبه الى حد ما التصدع الجيولوجي الفعلي عندما تبتعد القارات الواحدة عن الأخرى. السفير الاسرائيلي يقول بلغة ديبلوماسية إن أي هزة قوية تتبعها هزات ارتدادية مهمة، تحول الشرخ القائم الى انفصال حقيقي. واقع الحال بين الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل يشبه كثيراً حال ولاية كاليفورنيا المهددة بزلزال يفصلها عن البلاد بعد أن يلحق بها الخراب.
الصعوبة الكبرى بالنسبة لاسرائيل، ان الرئيس باراك أوباما كما يعترف العديد من خبرائها وسياسييها، لديه مصالح وحسابات باردة، ولا يتأثر كثيراً بالاعتبارات التاريخية والايديولوجية المواتية لإسرائيل التي كانت تتحكم بمواقف أسلافه من الرؤساء. لا يقف الكشف عن مواقف ومعلومات واشنطن واسرائيل عند هذا الحد. ما يثير التساؤلات ان كلام بانيتا يكمل تأكيداته الأولى فيقول:
ان العقوبات الجديدة ضد ايران الصادرة في القرار 1929 يمكن أن تسبب مشاكل اقتصادية جسيمة وأن تساعد في اضعاف حكومة طهران، ولكن لن تثنيهم عن طموحاتهم للحصول على القدرة النووية.
ان الاسرائيليين مستعدون لإتاحة المجال لنا لتغيير موقف ايران بالوسائل الديبلوماسية والثقافية والسياسية بدلاً من تغييره بوسائل عسكرية. رغم ان بانيتا ترك الباب موارباً أمام اسرائيل حول خيارها العسكري، لأنه تكلم عن فرصة لكنه لم يحدد المهلة الزمنية للتعامل الاسرائيلي مع هذا التوجه السياسي بدلاً من العسكري.
المشكلة الحقيقية لا بل المعضلة الاستراتيجية التي تواجه الادارة الأوبامية هي عدم توصلها الى صياغة استراتيجية ملائمة ومحل توافق بكل ما يتعلق بالملف النووي الايراني. لم ينجح أوباما في الحسم والجنوح نحو خيار من خيارين هما العسكري والسياسي، علماً ان الوقت يمر، في حين هو يخسر بالنقاط لأنه لم ينجح في استثمار الوقت، فإن ايران تنجح في تسجيل المزيد من النقاط لصالحها لاستثمارها الممتاز للوقت.
يبدو جلياً ان العجز عن وضع استراتيجية أميركية حاسمة تجاه ايران والملف النووي، والاقتناع الواضح لدى بعض مراكز صناعة القرار الأميركي الى جانب البيت الأبيض، بأن منع ايران من أن تصبح نووية صار أمراً صعباً جداً، وانه يجب توقع دخول ايران النادي النووي الدولي ببساطة. أمام هذا الاحتمال، ما العمل؟.
في الولايات المتحدة الأميركية حالياً تيار يزداد قوة وحضوراً، في الأوساط الأكاديمية المهمة وداخل الكونغرس مثل جايمس لاندساي الذي يقول: لتحصل ايران على السلاح النووي ولن يحصل أي شيء. من الأفضل وضع خطوط حمر أمام ايران، تهدف الى احتواء ايران النووية. وما يساهم في إنجاح هذه السياسة كما يرى اقطاب هذا التيار: ان ايران وان كانت تتبنى مثلاً ونهجاً ثورياً في سياستها، إلا أن نشاطاتها وسياساتها تعمل للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، مادامت المصالح تتقدم على الخطاب الثوري، لا خوف من ايران سواء كانت نووية او غير نووية. إيران تعرف وبيقين بأن المواجهة تدمر كل مصالحها وحتى مواردها وبناها التحتية. اما ابرز الخطوط الحمراء التي يجب ان تعلمها ايران بشكل واضح ولا لبس فيها:
ان اي عمل طائش ستكون كلفته عالية جداً. والمقصود برأي هذا التيار ليس فقط استخدام السلاح النووي وإنما ابعد من ذلك. وحتى لو لم يقل هؤلاء ما يقصدونه فمن الواضح ان المقصود في ذلك الملفات الساخنة سواء في العراق او افغانستان او فلسطين.
وضع ثلاث لاءات امام ايران لا يمكن التنازل عن اي واحدة منها وهي: لا لبدء حرب تقليدية. لا لاستخدام اسلحة نووية او نقلها الى اطراف اخرى. لا لتقديم الدعم لمنظمات ارهابية.
العمل ضمن سياسة الاحتواء، على ادماج سوريا في عملية سلام شاملة للتخفيف من حدة روابطها مع إيران وبالتالي تخفيف قدرة إيران على مد حزب الله بالسلاح. باختصار العمل على قصقصة أظافر إيران في المنطقة، مما يخفيف حضورها السياسي رغم نمو قوتها النووية.
يبقى ان سياسة الاحتواء تطلب أساساً توافقاً اسرائيلياً مع واشنطن خصوصاً بما يتعلق بالحل السياسي مع سوريا، اذ لم تعد المشكلة ان تأتي دمشق الى طاولة المفاوضات، وإنما في وجود نظام اسرائيلي يميني متطرف رافض لأي حل سياسي. باختصار عدم وجود مفاوض اسرائيلي هو العقدة.
كما أن على هذه السياسة مواجهة سباق من نوع آخر يتمثل في السعي المتوقع لكل من تركيا ومصر والسعودية لامتلاك السلاح النووي، مع ما يعني ذلك من كلفة مالية عالية جداً. والسؤال هل تتعاون مصر والسعودية في هذا المجال فتقدم الأولى المهندسين والعلماء وتقدم الثانية المال؟ وماذا عن تركيا الاطلسية، كيف ستواجه الامر وتتخذ القرار الذي لا يكسر شروط انتسابها الى الحلف الاطلسي؟ مثل هذا الاحتمال يعني في جميع الاحوال، بداية سباق نووي في منطقة الشرق الاوسط تأخر كثيراً في جميع الاحوال، عندما ادرك الجميع بأن اسرائيل دولة نووية وتابعوا حياتهم وكأن الامر لا يعنيهم ولا يعني أمنهم القومي.
هذا المنهج والمسار في التعامل مع احتمال أن تصبح إيران الدولة العاشرة في النادي النووي الدولي، لا يعني أنه الأقوى حالياً في الولايات المتحدة الاميركية. مازال التيار المؤيد او الداعم للمواجهة مع إيران النووية قوياً وصلباً، وخصوصاً أن وضعاً اقليمياً يتقاطع معه بسبب القلق وحتى الخوف من أن يصل وقت ترقص المنطقة كلها على وقع إيران نووية تملك طموحات امبراطورية مهما عملت على تقديمها في خطاب ثوري وإسلامي.
امام هذا التمزق العلني في الموقف الاميركي، فإن تصريح بانيتا هو رسالة قوية موجهة الى موسكو وبكين، بضرورة المشاركة الفعلية والدقيقة بتنفيذ قرار العقوبات المشددة الرقم 1929 ضد إيران. ما يقلق واشنطن ان أي اعتراض روسي أو صيني، يمكن ان يفتح ألف ثغرة له في آلية التنفيذ. فشل تنفيذ القرار، سيؤكد مرة أخرى عجز المجتمع الدولي. بانيتا وضع موسكو أمام خطر نووي ايراني جدي، ليقلقها، لأنها جارة لها ذات طموحات تطال فضاء امبراطوريتها خصوصاً في الجمهوريات الاسلامية السابقة في الاتحاد السوفياتي الذي انهار وتفكك.
إعلان وجود خطر فعلي يمكن برأي واشنطن شد عصب الدول الخمس زائد واحد ودفعها لتطوير موقفها من تنفيذ العقوبات ضد ايران وحتى الاستعداد قبل نهاية العام الحالي لاستصدار قرار أشد وأقسى بحق ايران.
حالياً الوضع يشبه ما يحصل في المونديال. بعد أن يسجل الفريق الضعيف هدفاً في مرمى الفريق الأقوى المنافس له، يعمل على قتل الوقت بالتمريرات البعيدة التي تضمن عدم اتاحة الفرصة للآخر لتنظيم هجوم يسمح له بالفوز. الأسوأ من ذلك ان الفريق القوي لا يملك أساساً خطة استراتيجية تسمح له بالانتصار. فهل تنتظر كل من واشنطن وطهران خيار ركلات الترجيح. السؤال المكمل لذلك كيف سيختار الفريقان اللاعبين في الدقائق الأخيرة؟!.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.