القمة التي جمعت في واشنطن الرئيس الأميركي باراك أوباما وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، هي قمة القمم بالنسبة للشرق الأوسط. القمة جاءت في وقتها، لذلك تكتسب أهمية خاصة، الثلاثة بحاجة اليها، الرئيس الأميركي أوباما، يمر في مرحلة صعبة، كان قد نجح في فتح الباب نحو قلوب وعقول العالم الاسلامي والتقدم خطوات في هذا العالم المعقّد بسرعة استثنائية، لكنه لم ينجح وهو تراجع خطوات، لذا أصبحت سياسته محل تساؤلات ان لم تكن موضع شكوى لها خلفياتها واسبابها التاريخية المتعلقة بسياسة الولايات المتحدة الأميركية. لا شك ان الحمل الذي ورثه أوباما ثقيل جداً، وهو حكماً يجمد كل تحرك مع ان ما يلزمه الكثير من الحرية والمرونة وبطبيعة الحال الرؤيا.
كلما فتح أوباما ثغرة على نقطة ساخنة للعبور منها الى عمل بناء وجد نفسه غارقاً، مشلول الحركة الفعلية في ساحة أخرى. بوضوح أكثر أوباما غارق في أفغانستان ومربك في العراق، ومتردد أمام اسرائيل لأنه مهما أراد أن يكون متحرراً من إرث سبعين سنة من سياسة أسلافه فإنه مضطر للأخذ بالاعتبار بقواعد مجتمع اميركي غارق حتى أذنيه في خلطة عجيبة غريبة من عقد التاريخ والدين الذي نجحت الكنائس السياسية في اختراقه وتحويله لمصلحة اسرائيل. القمة تمنح أوباما في هذا الوقت قوة دفع حقيقية يمكنه بها مواجهة الاستحقاقات المقبلة.
خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، يدعم بهذه القمة دوراً سعودياً مطلوباً بإلحاح من شعوب منطقة الشرق الأوسط ومن العالم ايضاً. لا يمكن أن تستقيم الأمور في المنطقة من دون دور عربي مركزي تقوم به السعودية ومصر. غياب واحدة منها مصيبة، فكيف اذا وقع الغياب من الاثنتين، خصوصاً وأن المثلث الايراني التركي الاسرائيلي ناشط على كل الجبهات وفي كل الاتجاهات، مهما كان مهماً دور تركيا او ايران لهذا الطرف او ذاك، فإنه دون الحضور السعودي المصري، يبقى الوضع مريضاً وفي غرفة العناية الفائقة.
أما منطقة الشرق الأوسط، فحدّث عنها ولا حرج. كل زاوية فيها تشكل ملفاً دولياً. لو عقد من أجل حلحلة وضعها عشرة مؤتمرات دولية لما أطفأت النار التي تشعلها وتشعل العالم يومياً. لذلك جاءت هذه القمة، لتضع ملفات المنطقة على الطاولة، لتدرس بعناية ووضوح ومباشرة بعيداً عن المبعوثين واللاعبين الثانويين. القمة انطلقت من قاعدة أساسية قائمة على وجود شراكة استراتيجية ورؤية استراتيجية في تعاملها مع الملفات الساخنة، التي أبرزها:
[ البرنامج النووي الايراني. السؤال الكبير الذي طرحه العاهل السعودي على الرئيس الأميركي واضح جداً ينطلق أساساً من القناعة بعدم نجاح العقوبات الاقتصادية ضد ايران، باختصار فشل القرار 1929. السؤال ماذا بعد هذا الفشل المتوقع؟ ما هي الخيارات والبدائل للإدارة الأميركية؟ لا يمكن من خلال الموقف السعودي إبقاء المنطقة ترقص على وقع الملف النووي من دون استراتيجية. على واشنطن قبل غيرها ان تقول ماذا تريد لأنها هي التي تعرف جيداً ما تستطيع أن تفعل. فهل يعني ذلك ايضاً وضع ايران أمام كل الخيارات بما فيها العسكري؟.
[ العراق، الاتفاق على عراق موحّد وسيد ومستقر يؤكد على اتفاق حول الاستراتيجية التي يجب العمل بها للوصول الى هذا العراق، مع خلاف واضح حول التكتيك الواجب تنفيذه للوصول الى هذا الهدف.
واشنطن والرياض متفقتان على قيام حكومة عراقية شاملة تضم كل الأطراف المكونة للعراق من شيعة وسنة وأكراد. الخلاف حول الأسماء، لأن لكل منها انتماءً سياسياً خارجياً، لا يمكن الا أخذ مواقفه في الاعتبار.
[ لبنان ربما هو الملف الوحيد الذي يبدو فيه الاتفاق بين الزعيمين واضحاً لا لبس فيه. كلاهما يؤيد الحكومة اللبنانية في سعيها الى صون سيادتها. الدولة اللبنانية المتماسكة والقوية هي الحل اليوم وغداً وبعد ألف عام.
[ عملية السلام التي تهدف الى اقامة السلام الشامل في المنطقة متوقفة في أعالي البحار بسبب الموقف الاسرائيلي الجامد والمجمد. من الضروري قيام تحرك شجاع لإنشاء الوطن الفلسطيني. يجب ان يتم الانتقال من المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين الى المفاوضات المباشرة، مع ملاحظة ان العاهل السعودي والرئيس الأميركي أشارا الى أهمية معاودة المفاوضات على المسارين اللبناني الاسرائيلي والسوري الاسرائيلي. هذه الاشارة مهمة جداً لأنها من جديد تضع لبنان على سكة مسارات المفاوضات التي كان غائباً عنها. هذه الدعوة ليس من السهل تنفيذها لأنه ليس في اسرائيل من يريد التفاوض أساساً. وفي لبنان من المبكر جداً الحديث عن الدخول في هذا المسار لأنه يتقاطع مع جملة مسارات داخلية وخارجية بعضها مليء بالألغام. المهم ان الدعوة وجهت شرط أن تفتح المسارات فعلياً.
[ اليمن الذي تحول الى جرح مفتوح يبدو هماً مشتركاً سعودياً اميركياً. معالجة هذا الجرح ضرورية جداً. المهم كيفية ذلك، المطلوب أميركياً ان ينخرط الرئيس اليمني في عملية اصلاح داخلية حقيقية. لا يمكن ان ينفجر الوضع بهذه الطريقة وعلى مساحة اليمن وتعقيداته من دون وجود أخطاء في النظام وفي ممارساته وجود يمن آمن ومزدهر مهمة يمنية عربية خليجية اولاً، ودولية ثانياً. دون النجاح في هذا التحول فإن اليمن ستتحول حكماً الى قاعدة لكل شرور القاعدة واخواتها، الى جانب خطر تمزقه الى دويلات تهدد المنطقة في اكثر مواقعها الجيوسياسية حساسية وخطورة.
سلة الملفات الساخنة المشتركة بين السعودية والأميركية، تعني العالم كله مثلما تعني منطقة الشرق الأوسط. المهم ان تكون القمة بين العاهل السعودي والرئيس الأميركي قد وضعت خريطة طريق لمعالجة الملفات. الهموم المشتركة ان لم يكن على المدى القصير، على الأقل في المستقبل المنظور، لأن المنطقة ومعها العالم كله يرقصون فوق صفيح نووي وعلى وقع أصوات خارجة من التاريخ الناري والدموي.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.