8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لقوى العراقية تتشدّد في ما بينها وتفاوض في الخارج على وقع عدم حسم واشنطن وطهران لموقفهما

كسر الدستور كان في العراق الذي يتشكل بعد الغزو الأميركي من المحرّمات، مثل أي دولة تحترم دستورها. لكن كما يتأكد الوضع يوماً بعد يوم، فإنّ الحالة العراقية استثنائية. كُسر الدستور في جلسة البرلمان المنعقد في 13 الجاري، وكأنّ شيئاً لم يكن. بذلك قد يتحوّل الاستثناء إلى قاعدة، فلا تبقى محرّمات ولا حتى مقدّسات، ويصبح السؤال الحقيقي: كيف سيولد العراق من قلب هذه الممارسات؟
انتهت الجلسة الأولى للبرلمان بلا نتائج، لأنّ المشكلة أكثر تعقيداً من اختيار رئيس للوزراء التي تبقى عقدة العقد. يكاد العراق بعد لبننة النظام فيه يتفوّق على الأصل أي لبنان. العقدة في لبنان إرضاء الطوائف وقوى خارجية تتفاوت في اهتمامها بالتوازنات اللبنانية. أما في العراق فالأزمة تقتضي التوافق بين القوميات، للأكراد نصيبهم وحقوقهم، وهم يتعاملون مع الجميع بعد أن استُضعفوا لعقود طويلة، ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم. والتركمان رغم عددهم المحدود فإنّ حضورهم مهم لأن وراءهم تركيا الصاعدة في المنطقة. وبين الطوائف والمذاهب من شيعة وسنّة، ومن ثم الشيع داخل الشيعة. وأما الدول المعنية فالسلسلة طويلة تبدأ مع الولايات المتحدة الأميركية لتصل إلى روسيا ولا تكتمل من دون الأخذ في الاعتبار الموقع القوي لإيران ومن ثم تركيا، مع متابعة مواقف الدول العربية الأخرى وأبرزها السعودية ومصر.
التشابك القائم بين الداخل والخارج معاً، كما هو حاصل في لبنان يعطى القوة أو المناعة للأطراف التي تشكّل الخريطة السياسية في العراق. الأزمة في ظاهرها قائمة على إصرار نور المالكي واياد علاوي على تسلم رئاسة الحكومة. أما في الباطن فالمسألة أكثر تعقيداً، لأنّ اسم رئيس الوزراء هو ترجمة فعلية ومباشرة لطبيعة وشكل التوازن بين القوى الخارجية المعنية. هذا التنافس والتزاحم بين كل الأسماء المرشحة لرئاسة الوزراء دفعت عادل عبدالمهدي نائب الرئيس والمرشح البارز لرئاسة الحكومة للقول ما يجري هو للسيطرة على قدرات الدولة وتسخيرها بعيداً عن مصلحة البلد. كل طرف يرسم مصلحة البلد على قياسه. المزج بين المصلحتين الخاصة والعامة هو الذي يغرق العراق في هذا المستنقع.
صورة الوضع العراقي التي يمكن متابعتها مع كثير من الجهد هي:
*نوري المالكي الرئاسة له أو لا أحد غيره؟. وهو ربط بين اسمه وحزب الدعوة، حتى يكون إسقاطه إسقاطاً لحزب الدعوة. مشكلة المالكي أن السيد مقتدى الصدر لا يريد أن يسمع باسمه. والسيد عمار الحكيم ومعه المجلس الأعلى لا يريده مطلقاً، خصوصاً وأن تثبيت حزب الدعوة مرة أخرى في الرئاسة بعد انسحاب الأميركيين قد يحوّله تدريجياً إلى الحزب الواحد الحاكم بعيداً عن حضوره وحجمه حتى داخل البرلمان.
*اياد علاوي معه السنّة وهو مقبول من الأكراد ومدعوم من الأميركيين والعرب وتركيا ومرحّب به من دمشق، لكن كل ذلك لا ينفعه كثيراً في وقت لا تدعمه فيه أحزاب الشيعة وحتى ان معظمها يرفضه.
من دون الدخول في بورصة باقي الأصوات لأن المشكلة في الدول الخارجية. الولايات المتحدة الأميركية موجودة بقوة لكنها لا تريد اللعب بقوة، فيتم تفسير موقفها بأنها ضعيفة أو على الأقل لا تريد أن تذهب بعيداً في استعمال قوتها. مشكلة الأميركيين هي كيف ينسحبون من العراق لتحتل إيران الفراغ، فتتحوّل من اللاعب الرئيسي إلى اللاعب المقرر؟
أما إيران، فإنها كانت وما زالت تلعب في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين، وكأنه حديقتها الخلفية. حالياً تمسك طهران بالملف العراقي، كما كانت دمشق تمسك بالملف اللبناني. لذلك فإنها ستبقى موجودة في قلب الحدث العراقي، إلى أمد طويل، يذهب العراقيون إلى طهران، ليحتكموا إليها ولتحكم في ما بينهم. بهذا هي الحَكم والخَصْم في وقت واحد. لبننة النظام العراقي، عمّقت الوجود الإيراني وسهّلت حركته، كما حصل سابقاً وحالياً مع دمشق في لبنان.
من أجل مزيد من الإمساك بالعراق، فإنّ الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس يتابع ويلاحق تطوراته وعلاقاته إيرانياً، وهو يدخل العراق من الشمال الكردي والجنوب الشيعي بدون أي مشكلة. الأميركيون لا يرون ولا يسمعون، لأنهم لا يريدون الصدام. ربما في مرحلة لاحقة يفعلون شيئاً، لكن من دون الحضور العربي الفاعل وتحديداً المصري والسعودي، فإنّهم لا يستطيعون الكثير لأن المطلوب وجود طرف شرعي آخر، إلا أن العرب غائبون كما يقول العراقيون أنفسهم.
عادل عبدالمهدي، زار مصر والتقى الرئيس حسني مبارك وكافة المسؤولين المصريين اختصر الوضع كله بقوله: غياب مصر أعطى الفرصة لتركيا وإيران. أضاف: مصر قدمت شهيداً واحداً هو السفير المصري وانسحبت. تركيا قدمت ثلاثمائة شهيد وأصرّت على البقاء. لم يتحدث عادل عبدالمهدي عن إيران، لأنه يعرف أكثر من غيره كيف كانت الحاضنة للمعارضة العراقية بكل فصائلها، ولفيلق بدر العسكري التابع آنذاك لـالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي كان برئاسة السيد الحكيم وكان هو نفسه الذي شارك في استعراضه داخل كردستان قبل إسقاط نظام صدام حسين قبل أسابيع.
أما دمشق فإنها تتابع التحرك في العراق، مستثمرة في ذلك تحالفها مع إيران، وتعاونها مع تركيا، وأخوتها مع السعودية. وقد حققت حتى الآن نجاحات ملحوظة إلى درجة أن كل الأطراف الخارجية المعنية بالعراق بما فيها الولايات المتحدة الأميركية راضية عن نهجها. دمشق نجحت في التفاهم مع تركيا والسعودية وتمايزت عن إيران تحت صيغة المحافظة على وحدة وعروبة العراق. فكان تمايزها متوافقاً مع مصالحها وليس تنفيذاً منها لما يتوافق مع مصالح القوى الأخرى، ثم نجحت في التراجع خطوة إلى الوراء في تحالفها مع السعودية وتركيا عندما لم تصر على تكليف علاوي برئاسة الحكومة منسجمة بذلك مع طهران. قمة نجاح دمشق أنها استمرت في التفاهم مع أنقرة والرياض وأرضت طهران في وقت واحد.
كل القوى والأطراف العراقية تعمل لتسجيل نقاط لها تنتج حضورها القوي في النسيج السياسي العراقي الذي يحاك في هذه المرحلة. القوى الخارجية الدولية والاقليمية تلعب اللعبة نفسها. العراق قلب المنطقة وأكبر جوائزه يفرض على هذه القوى التنافس والتزاحم. حتى الآن يوجد نوع من التوازن بين القوى. السؤال ماذا سيحصل إذا قررت واشنطن الضرب بقوة على الطاولة؟
طهران ستستمر في اللعب بقوة. المعركة مصيرية بالنسبة لها. المشكلة ستقع على دمشق. كيف ستتصرف في لحظة الحسم خصوصاً وأنّ المصالح متضاربة بين إيران والأميركيين والسعودية ومصر وحتى تركيا؟
من الصعب الإجابة على كل الأسئلة المطروحة وليس تلك المتعلقة بدمشق. المقلق أن لبنان كما يظهر حتى الآن يتلقى تردّدات الأحداث التي تقع في العراق. مفاعيل استقرار موازين القوى وخروج العراق من أزمته أو السقوط نهائياً في مستنقع العرقنة ستظهر في لبنان فوراً. فهل مَن يستعد لهذا القطار القادم بسرعة؟
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00